منذ الرابع من تشرين الأول ٢٠١١ الى اليوم استعملت روسيا الفيتو في مجلس الأمن خمس مرات لحماية بشار الأسد، المرة الأخيرة حملت مدلولاً خطيراً، اولاً لأنها أكّدت التمسك بالمضي في تدمير حلب ولهذا أسقطت موسكو بحق النقض مشروع القرار الفرنسي الإسباني، الذي يدعو الى وقف الغارات، وثانياً لأنها كشفت ان فلاديمير بوتين متمسك بالحل العسكري منذ البداية، يوم أرسل قواته الى سوريا معلناً ان كل معارض للأسد هو إرهابي!
سيرغي لافروف يبالغ كثيراً عندما يتّهم اميركا بالوقوع في هوس الخوف العدواني من روسيا، لأن التهديد الأميركي بالذهاب الى بدائل من الديبلوماسية في سوريا، لا يعني ان صواريخ كروز ستتساقط غداً على النظام السوري، على الأقل لأن مركزية القرار في واشنطن مكبلة تماماً وهي الآن في مرحلة السبات الإنتخابي قبل شهر من موعد الإنتخابات في الثامن من الشهر المقبل!
ولأن لافروف يعرف كل هذا فإنه يتعمّد التضخيم، لكي يُظِهر في النهاية ان التهديد الأميركي مجرد فقاعات كلامية لا معنى لها، وهو طبعاً ما سينعكس سلباً على صورة أميركا وصدقيتها المتراجعة على صعيد السياسة الخارجية، وخصوصاً لدى حلفائها الخليجيين وفي المنطقة العربية.
يصف لافروف الموقف الأميركي بأنه “ليس هوساً بلاغياً تجاه روسيا وإنما خطوات عدوانية تضر فعلاً بمصالحنا القومية وتمثل تهديداً لأمننا”. لكن التدقيق في خلفيات البيانات الأميركية منذ انهيار هدنة حلب وإنخراط روسيا والنظام في عملية تدمير منهجية للمدينة ستجعلها في النهاية ستالينغراد العصر، لا يمكن ان يجد هوساً في كل الإنشائيات الأميركية.
ثم لست أدري اين وجد لافروف تلك الخطوات العدوانية الأميركية، التي تضرّ بمصالح روسيا القومية وتمثّل تهديداً لأمنها، خصوصاً انه في نهاية حديثه يقول إنه مقتنع بأن باراك اوباما لن يوافق على السيناريو العسكري! هل كان كلام لافروف الذي أدلى به الى وكالة الإعلام الروسية، موجهاً الى الداخل لتبرير التصاعد المستمر في الأزمة الإقتصادية المتنامية، خصوصاً ان بوتين أصدر الاسبوع الماضي مرسوماً بتعليق الإتفاق مع أميركا على تقليل إنتاج البلوتونيوم بكميات عسكرية الى ان “حتى توقف واشنطن العقوبات الاقتصادية وتعوّض الدمار الإقتصادي”؟
“الصنداي تايمس” تنقل عن المستشار السابق للكرملين غليب بافلوفسكي أن مطالب بوتين تمثل إشارة الى الضعف ومحاولة لإلقاء كل اللوم على أميركا في مشاكل روسيا الاقتصادية، والحديث عن “الدمار الإقتصادي” يؤكد ان أميركا لن تنجرّ الى عمل عسكري في سوريا، لكنها كما ينخرط بوتين مع الاسد في تدمير مدينة حلب والإصرار على الحل العسكري ويُفشل مشروع القرار الفرنسي لوقف النار في مجلس الأمن، يمكنها ان توسّع مروحة عقوباتها، وسط تصاعد ملامح حرب باردة جديدة يريدها بوتين غطاءً يبرر مصاعبه الاقتصادية!
راجح خوري
صحيفة النهار اللبنانية