دردشة لوزانية

دردشة لوزانية

12-19

المؤتمرات في الأزمات فنّ. الأدوار الكبرى يتقاسمها الكبار، لكن صاحب الشأن أو أصحاب مفارقات الشؤون، يجدون في النهاية دور الكومبارس، وذلك أضعف الإيمان بصعوبة أدوار البطولة. لغتنا رائعة في اشتقاق البطولة والبطالة والبُطلان وباطل الأباطيل من جذر واحد؛ مؤتمر لوزان نموذجاً.
الإعداد للمؤتمرات أهمّ من المؤتمرات نفسها، هو السكّة التي تضع عليها القطار، هكذا تعرف إلى أين سيسير. أمّا ما سيفعله الركّاب فمسألة ثانويّة، أن يتعانقوا أو يتلاكموا، ذلك لهم أو عليهم، المهمّ هو المنزل الذي يسوقهم إليه سائق أظعان القطار. ثمّة مشكلة فنيّة خارجة عن نطاق الركّاب، وهي الخلاف على قيادة القطار. أساس المأساة هو أن السائق الذي كان يتولى المهمّة، لم يعد قادراً على أدائها، لأسباب يطول شرحها، فتزاحم على المقود كثيرون، أغلبهم قفز إلى داخل القطار وهو يسير. في هذه المعمعة، استولى على المقاليد الأقويان، وصار لكليهما مساعدون. هنا صارت المشكلة الأساسية والقطار ذاته قضايا مهملة، فالأهمّ هو ظفر أحد الأقويين بالقطار والسكة معاً. أحياناً تلوح بارقة أمل، عندما يفكّر الجبّاران في تقاسم كعكة العربات، التي لم يعد أصحابها قادرين على الاحتفاظ بها كاملة، لكن سرعان ما يقول كلاهما في نفسه: أنا أحقّ بها، فلن أتنازل له عن حقي في ملك بات مشاعاً، فإمّا أن آخذها كاملة، أو أدمّر القطار.
نعود إلى مؤتمر لوزان، المؤتمرات فنّ يقوم على منطق رياضيّ: عند الاقتناع بأن الحلّ أصبح متعسّراً، إلاّ أن الظروف تفرض ضرورة التحرّك بأيّ شكل، فإن الأفضل هو إضافة عناصر تلوح لغير الخبير المحنّك مساعِدة، ولكنها في الحقيقة تضاعف التعقيدات ألف مرّة، لكونها غير متجاوبة بل متنافرة مع الأطراف الأولى، فتنشأ خلافات ومشكلات جديدة، تجعل حلّها أولاًً أهمّ من حلّ المشكلة الأصليّة. تسأل عمّا يدور في القطار؟ الركاب أعقل من أن يكتفوا بالملاكمة والجودو والكاراتيه والكونغ فو، في متناولهم المقاعد والأعمدة الأفقية والعموديّة، فطوبى للرؤوس. أمّا المتصارعان على قيادة القطار والقطار بكامله، فقد انتهيا إلى أن كل هذه المشكلات هراء في هراء، فالقضيّة الأمّ هي: من يجب أن يقود كل القطارات في جميع المحطات؟ المشكلة أكبر من الصراع على قطار صار «خردة».

لزوم ما يلزم: النتيجة الشعرية: قال الشاعر اللزوم يّ للعالم العربيّ:

لوْ زانَ ما عقدوهُفي لُوزا نَا

عبثٌوربّك طالما أخزانَا
سلّمتَ للأقوى زمامك طائعاً
وجلست تبكي تشرح الأحزانَا
وجعلت وزنك ذرّة في عينه

فاقعد فإنّك تجهل الأوزانَا

عبداللطيف الزبيدي

صحيفة الخليج