أطاح الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب بكل التوقعات واستطلاعات الرأي التي كانت تضعه في مرتبة ثانية وراء المرشحة هيلاري كلينتون.
وأحدث فوز ترامب تغييرا كبيرا في المقاييس التقليدية التي تقود إلى البيت الأبيض، والفضل في ذلك يعود إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي نجحت في الاقتراب من الناخب الأميركي أكثر من “سي أن أن” والصحافة التقليدية والمحللين والخبراء الذين يناقشون القضايا بأسلوب أرستقراطي مترفّع، ويسقطون توقعاتهم وآمالهم على الناخبين تحت عنوان استطلاعات الرأي.
وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هي الأقرب لفهم أفكار الناخبين وأمزجتهم، والأكثر مصداقية لتحديد نوايا التصويت لديهم قياسا على ردة فعلهم تجاه البرامج الانتخابية.
وكان استطلاع أجري على صفحة فيسبوك Viral USA توقع أن يصل ترامب إلى الرئاسة. وشارك في الاستطلاع أكثر من مليون مصوت من جميع أنحاء العالم وشاهده أكثر من 8.5 مليون متصفح.
وحاز ترامب على نحو 52 بالمئة من مجموع الأصوات بينما حصلت كلينتون على نحو 48 بالمئة فقط.
ولا يعود صعود ترامب إلى نجاح حملته في الاقتراب من الناخبين عبر وسائل الإعلام الأكثر شعبية مثل فيسبوك وتويتر، ولكن لأن الأفكار التي يطرحها تلتقي مع مناخ أميركي ودولي يميل إلى اليمين المتطرف والشعبوية.
وعزا مراقبون نجاح ترامب إلى كونه قد استفاد من غضب قسم من الناخبين الذين يشعرون بأنهم متروكون، وأن النخب خانتهم، وأقلقتهم العولمة والاتفاقات التجارية الدولية التي يعتبرونها تهديدا لوظائفهم.
ولم يكن الاتجاه لاختيار شخصية يمينية متطرفة في أميركا أمرا مفاجئا في ضوء سيطرة هذا اليمين على أوروبا، وكذلك صعود التيارات الشعبوية المعادية للأجانب والنخب والمعارضة للعولمة.
وفي فرنسا، تزداد شعبية حزب الجبهة الوطنية اليميني، وتتوقع استطلاعات الرأي ارتقاء رئيسته مارين لوبن إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 7 مايو 2017، وقد كانت من أوائل الذين هنأوا ترامب.
وفي بريطانيا، تجاوب العديد من المواطنين مع دعوة حزب استقلال بريطانيا “يوكيب” المعادي لأوروبا إلى “استعادة بلادنا”، وصوتوا في يونيو من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وفي ألمانيا، يحقق حزب “البديل لألمانيا” اليميني الشعبوي سلسلة من الانتصارات الانتخابية في الأشهر الأخيرة، مستغلا الاستياء الشعبي من تدفق المهاجرين.
ويسجل الوضع نفسه في دول مثل النمسا وهولندا وإسكندنافيا حيث يتصاعد اليمين.
وأشار محللون إلى أن صعود اليمين في أوروبا وفي الولايات المتحدة، لا يعود إلى أسباب داخلية فقط، وأن دور الأسباب الخارجية مؤثر بشكل كبير في هذا الصعود، خاصة بسبب تسلل الإرهاب إلى الغرب، وتنفيذ تفجيرات استهدفت المدنيين، وحركت مشاعر الخوف من تدفق المهاجرين.
ما يجمع الداعمين لترامب
◄ انتقاد اللياقة السياسية
◄ كره النخب السياسية والمالية
◄ العداء للعولمة التي ابتكرها الأثرياء لخداع الشعوب
وقال مدير الأبحاث في “المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية” جيريمي شابيرو “إنه تاريخ الخوف من التغيير، الخوف من الآخر، الخوف من العدوى الثقافية”.
وأضاف شابيرو أن “الهجرة هي العامل الأول”، لا سيما بسبب “المخاطر التي تشكلها على الأنظمة الصحية والتربوية”.
وتلتقي جميع هذه الأحزاب والحركات المصنفة في خانة الشعبوية حول العديد من النقاط منها؛ انتقاد اللياقة السياسية، وكره النخب السياسية والمالية، وعداء العولمة وهي العدو المشترك الذي يرون فيه لعبة ابتكرها أثرياء العالم لخداع الشعوب.
ويرى مؤلف كتاب “الفورة الشعبوية” جون جوديس أن الوضع الاقتصادي منذ الأزمة المالية العالمية كان تربة خصبة للانكفاء على الذات والانعزالية.
وقال إن “التباطؤ الاقتصادي المتزامن مع تزايد التباينات يولد الكثير من النقمة” ضد الذين يحكمون.
وربما يكون الرئيس الأميركي الجديد قد استفاد من موجة معاداة العولمة والانفتاح الثقافي بشكل جيد، لكنه استفاد من غضب الأميركيين على تراجع التأثير الأميركي.
ورغم أن خطاب ترامب خلال الأشهر الماضية لم يكشف عن شخصية قادرة على إنقاذ صورة الولايات المتحدة، لكن الناخبين الباحثين عن قيادة صدامية ضد ارتباك الدور الأميركي في قضايا كثيرة صوتوا له بكثافة لتدارك عيوب استراتيجية سلفه باراك أوباما التي أظهرت أن واشنطن عاجزة عن الحفاظ على زعامتها للعالم.
وليس هناك شك في أن أوباما قد ترك ملفات كثيرة تحتاج إلى موقف سريع من الرئيس الجديد، خاصة أن الولايات المتحدة فقدت تأثيرها القوي في ملفات مثل سوريا والعراق، وفتحت المجال أمام تدخل روسي قوي يصعب تطويقه أو تحجيمه، فضلا عن صعود قوى إقليمية مناكفة للدور الأميركي مثل تركيا وإيران.
وستجد إدارة ترامب صعوبة في إصلاح الإرباكات التي أحدثتها استراتيجية أوباما في علاقة الولايات المتحدة بشركائها الخليجيين، فضلا عن مصر ودول عربية أخرى، حيث بدا أن واشنطن قد تخلت عنهم في ضوء رغبتها في التحالف مع إيران وتوظيف حركات الإسلام السياسي للسيطرة على دول “الربيع العربي”.
وأغضبت حسابات إدارة أوباما حلفاءها الخليجيين الذين قابلوا البرود الأميركي بقرار تنويع الشركاء الاقتصاديين والعسكريين، واتجهوا نحو روسيا والصين.
فهل تقدر إدارة ترامب على جسر هذه الهوة؟
صحيفة العرب اللندنية