صراع الإمبرياليات، والحروب ضد الشعوب من أجل سحق حراكها والسيطرة، جزء من سياسة إمبريالية، لكن الأزمة الرأسمالية تفرض على الطغم الإمبريالية سياسات نهب اقتصادي. لهذا، انهارت كل السياسات التي كانت تحقق الاستقرار في المراكز، والتي اعتمدت على تحقيق الاستقرار في الوضع المعيشي للشعوب فيها، بعد أن انهارت نظم التحرّر الوطني والنظم الاشتراكية التي كانت تحقق الاستقرار الطبقي كذلك.
مع صعود الطغم المالية، كانت الليبرالية الجديدة تنتصر بشكل متسارع، وكان الميل إلى التوسع في الأطراف يصبح أمراً ملحاً، فقد أدت الأزمة إلى تراكم المديونية على الدول، ما دفعها إلى التخلي عن “الدعم” الذي كانت تقوم به لشعوبها، وأقصد هنا كل أشكال الضمان الاجتماعي وحق العمل ومجانية التعليم (في معظمها). وإذا كانت سياسة الإقراض المالي التي اتبعتها مع بلدان الأطراف (وهي سياسة توظيف مالي) ارتبطت بتخلي الدولة عن دورها الاقتصادي بالكامل، وترك الشعوب في مواجهة رأسمالية متوحشة، فها إنها تبدأ بذلك في المراكز نفسها، مستغلة بذلك المديونية التي تراكمت على الدول، والتي تراكمت حماية للبنوك خشية ألا تنهار. فقد غدت سياسة “التقشف” متبعةً في مجمل البلدان الرأسمالية، حيث باتت الشعوب معرّضةً لبطالةٍ أعلى، وتراجع في الدخل، مع زيادة كبيرة في الأسعار، وتراجع في الخدمات الاجتماعية. وهي سياسة قاسية، تُفرض على الشعوب، سوف تفضي إلى تفاقم الصراع الطبقي، وحدوث عدم استقرار، كما في اليونان وإسبانيا. ولا شك في أن الطغم المالية مضطرة إلى فرض هذه السياسة، وبالتالي ستكون النتيجة انفجار حركات الاحتجاج والإضراب، والثورة.
وباتت الطغم المالية المسيطرة تزيد في نهب الأطراف، وتوسّع من الطابع الريعي للاقتصاد فيها، وتدخل مباشرة في قطاعاتٍ لم تفكّر سابقاً فيها، بما يُظهر أنها باتت تستحوذ على الاقتصادات المحلية. الأمر الذي يدفع الشعوب، بشكل متسارع، إلى البطالة والفقر والتهميش، ويجعل ممكنات الانفجار الثوري كبيرة.
الطابع الجديد للرأسمالية حيث تسيطر الطغم المالية يفرض نهباً أضخم في الأطراف، وذلك في محيط المراكز، وأيضاً سيصل إلى المراكز ذاتها، فالطابع المالي يقتضي تراكماً متصاعداً، متوازياً مع التضخم في القيم، ما يعني أن عملية النهب لم تعد “مستقرة”، “ثابتة”، بل باتت في تراكمٍ تصاعدي يميل إلى أن ينحكم لمنطق القفزات.
أخذت الثروة تتمركز بشكل أضيق بيد أقليةٍ محدودة، حتى من الأفراد، وتتزايد عملية التمركز هذه بشكل متسارع، كما ظهر في السنوات القليلة الماضية. لنجد أن 85 شخصاً يملكون ما يملكه نصف العالم، وأن أهم شركات تتضخم مداخليها بشكل كبير. هذه العملية المتسارعة هي التي تفرض تسارع النهب، وتعميمه، وصولاً إلى البلدان الإمبريالية نفسها. ربما لنصل إلى أقلية الأقلية هي التي تملك الثروة كلها، وهي عملية تفترض ممارسة التدمير الشامل في الاقتصاد، بالضبط لأنها تلغي قطاعات اقتصادية كبيرة، كانت تستوعب اليد العاملة، وتلغي نشوء فائض القيمة في مناطق واسعة، بعد أن تكون قدمت مركزتها في شركات محدودة.
هذا المسار هو الذي أنتج فكرة الشعوب الزائدة عن الحاجة. الشعوب التي باتت تُدفع إلى البطالة والفقر الشديد والتهميش، لتصبح “زائدةً” لا حاجة لها، ومن ثم تكون الفوضى الفعل الضروري، عبر تعميم عصابات القتل والحروب الطائفية والأمراض القاتلة وغيرها، وهي الآلية التي تهدف إلى “إبادة” هذه الشعوب.
لكن، ما يمكن أن يكون واضحاً أن هذا الميل إلى الإفقار والتهميش سوف يفضي، بالضرورة، إلى أن نتحضّر لعالم يشهد تفاقماً في الصراع الطبقي، وينتظر الثورات التي كان ما جرى في البلدان العربية من ثوراتٍ هو مقدمة لها. بالتالي، فإن وحشية الطغم الإمبريالية وتصارعها لن يفضي سوى إلى انفجار الثورات.
نحن على أعتاب ثورات عالمية بالضرورة.
سلامة كيلة
صحيفة العربي الجديد