مع وصول مراسم إحياء مناسبة اربعينية استشهاد الإمام الحسين (ع) إلى الذروة، في العشرين من صفر المصادف 21 تشرين ثاني/نوفمبر الحالي، تحتضن كربلاء حشود الزائرين المعزين من داخل العراق وخارجه، بالتزامن مع تصاعد التوتر والخلافات بين القوى السياسية على مستقبل البلد.
وقد أعلنت الحكومة العراقية حالة الاستنفار القصوى لكل الوزارات من أجل تقديم الخدمات للزائرين وحمايتهم، بدءا من نقلهم من المدن والمنافذ الحدودية مرورا بالمحافظات الجنوبية والوسطى وانتهاء بمدينة كربلاء التي تحتضن مرقد الإمام الحسين وأصحابه الذين استشهدوا في معركة الطف.
وفي الوقت الذي يحيي العراقيون مراسم المناسبة الحزينة على قلوبهم، فان الكثير منهم يتابعون بقلق، تنامي التواجد الإيراني المؤثر بغطاء الزيارات الدينية، من خلال تصاعد أعداد الإيرانيين الذي تجاوز مليوني زائر هذا العام، دخل الكثير منهم دون تأشيرة، اضافة إلى الآلاف من الرجال والعجلات والمعدات من إيران التي دخلت العراق لتقديم خدمات تغطية احتياجات الإيرانيين أثناء الزيارة، بما يعكس تنامي مطرد لنفوذ إيران في العديد من شؤون العراق.
وفي شمال العراق، ومع تواصل سير معركة تحرير الموصل من تنظيم «الدولة» ودخولها شهرها الثاني، يبدو واضحا ازدياد صعوبات تقدم القوات المشتركة في أحياء المدينة المكتضة بالسكان، في سعيها للوصول إلى مركز المدينة التي يقاتل فيه من بقي من عناصر التنظيم بشراسة وهم يواجهون النهاية المحتومة، حيث يوسعون من استخدام السيارات المفخخة والانتحاريين والقصف على القوات المهاجمة والإحياء بشكل عشوائي، اضافة إلى استخدام المدنيين المحاصرين دروعا بشرية وسط حملات اعدامات لمئات منهم في محاولة لاخافتهم وللانتقام منهم لعدم الوقوف مع التنظيم في معركته الأخيرة.
وفي خضم أجواء المعارك وتزايد سقوط الضحايا المدنيين، ارتفعت أعداد النازحين من المدينة كل يوم، لتشكل أزمة إنسانية جديدة لسكان المحافظة المنكوبة، وسط عجز حكومي ودولي في توفير احتياجات النازحين في المخيمات.
وتزامنا مع هذه التطورات العسكرية في نينوى، يتواصل الحراك السياسي لمكونات المحافظة في محاولة لرسم معالم صورة المستقبل بعد تحريرها من التنظيم الإرهابي. وفي هذا السياق، عُقد مؤتمر في اربيل لمكونات محافظة نينوى لبحث مستقبلها وكيفية توفير الضمانات لجميع السكان ومعالجة مخاوفهم من عدم وضوح صورة المرحلة المقبلة حتى الآن، حيث تكررت دعوات بعض الأطراف لايجاد حلول لمشاكل المحافظة من خلال أفكار عديدة منها تشكيل اقليم نينوى الذي يضم عدة محافظات، أو تعيين حاكم عسكري للمحافظة، وغيرها من الأفكار التي قوبلت بتأييد البعض ومعارضة آخرين، في وقت أعلن قادة اقليم كردستان تمسكهم بالمناطق التي حرروها ضمن المحافظة.
ومن جهة أخرى، شهد اقليم كردستان العراق، تطورات لافتة تعكس تعمق وتعقيد الأزمات في الإقليم، سواء في ابتعاد امكانية التوافق بين القوى السياسية الكردية في الوقت الحاضر على حلول لمشاكل الإقليم، بما يوحي بلجوء كل طرف إلى حلول لمشاكله بعيدا عن الحوار والتوافق مع الشركاء الآخرين سواء في الإقليم أو في بغداد.
فقد أكد رئيس الإقليم مسعود بارزاني، خلال زيارته لجبهات القتال ضد تنظيم «الدولة»، أنه بحث مسألة استقلال إقليم كردستان بوضوح مع رئيس الوزراء حيدر العبادي، خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد، اضافة إلى تشديده على وجود اتفاق بين الإقليم وأمريكا على عدم انسحاب البيشمركه من المناطق المتنازع عليها التي تحررها. وقد حذر بارزاني من عواقب واحتمالات خطيرة في المرحلة المقبلة، في اشارة اعتبرها المراقبون، تهديدا باحتمال المواجهة بين الحكومة المركزية والإقليم في الصراع على المناطق في مرحلة ما بعد «الدولة».
وكان رد حكومة بغداد سريعا على تصريحات بارزاني ، عندما أكد المتحدث الرسمي باسم رئيس الحكومة، ان بغداد متمسكة بالاتفاق المعقود مع الإقليم والقاضي بانسحاب قوات البيشمركه من المناطق التي حررتها والعودة إلى مواقعها التي كانت عليها قبل معركة الموصل.
وفي مؤشر على تعمق أزمة العلاقة بين أحزاب الإقليم، أعلن النائب الثاني لرئيس البرلمان الاتحادي آرام شيخ محمد (القيادي في حركة التغيير)، خلال مشاركته في تظاهرة لمعلمي المدارس المحتجين على تأخر رواتبهم في السليمانية، أنهم سيحاولون تشجيع الحكومة العراقية للتعامل مع المحافظات بشكل مباشر بخصوص رواتب الموظفين وغيرها، داعيا إلى «ضرورة أن تكون هناك ضغوط جماهيرية للوصول إلى هذا الهدف»، وهو التصريح الذي يمكن اعتباره توجها جديد لأحزاب السليمانية بتجاوز حكومة الإقليم والتعامل المباشر مع حكومة بغداد في حل مشاكل محافظات الإقليم. وهو الأمر الذي رفضته حكومة الإقليم في اربيل، حيث أكد رئيس الحكومة نيجرفان بارزاني أن الدعوة إلى تعامل محافظات الإقليم مباشرة من بغداد، ليست مطلباً لجميع أهالي محافظة السليمانية، بل هو رأي عدد قليل من القوى السياسية، وإذا ما أرادوا التعامل مباشرة مع الحكومة في بغداد، فليفعلوا ذلك».
وضمن هذا الإطار، وردت أنباء عن اقتراح تداوله محافظ كركوك نجم الدين كريم، القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة هذه الأيام، ومضمونه امكانية تشكيل اقليم كركوك اضافة إلى اقليم كردستان. وكان جناح هيرو احمد زوجة جلال طالباني في الاتحاد الوطني رفض الاتفاق النفطي بين بغداد ومسعود بارزاني واعتبره غير عادل وهو ما يدل على وصول الخلافات بين اربيل والسليمانية إلى مستويات خطيرة.
ويبدو ان تداعيات المشهد العراقي، استنادا إلى اصرار عجيب على مواقف وتصريحات متعارضة لمختلف الأطراف والقوى السياسية، على آليات اصلاح الأوضاع المتدهورة وإدارة شؤون البلد للمرحلة الحالية والمقبلة، والمصرة على مواقفها في الغاء الآخر وفرض الأمر الواقع عليه، تثير قلقا مشروعا ومبررا على مستقبل العراق في مرحلة ما بعد ظاهرة تنظيم «الدولة».
مصطفى العبيدي
صحيفة القدس العربي