في عام 2014 حين تمكّن تنظيم داعش من الاستيلاء على ما يقارب ثلث مساحة العراق، تبارت جهات سياسية عدة للمطالبة بمكاسب مفترضة بأسباب الهزيمة، لكنها متقاطعة فيما بينها، على وقع حضور التنظيم وتمدده.
دعا رئيس إقليم كردستان العراق إلى إجراء استفتاء في الإقليم لغرض الانفصال.
وطالب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بولاية ثالثة، وتوعد العراقيين بالعودة إلى الحرب الطائفية، في حالة عدم الموافقة.
وصرحت مجموعات سياسية وعشائرية، ممثلة للمحافظات الشمالية والغربية، بأنها قادمة إلى بغداد للاقتصاص من نوري المالكي ومحاسبته على جميع الجرائم التي بدأت بتكريس الطائفية ولم تنته بجرائم الفساد والقتل، ولمدة ثماني سنوات، زمن توليه رئاسة الحكومة لدورتين متتاليتين.
بعد عامين، من خسائر تحملها المجتمع العراقي؛ التهجير وجرائم داعش وتبديد ما تبقى من إرث مؤسساتي للدولة والتردي الأمني والانهيار الاقتصادي، حتى بات العراق على حافة أزمة مالية.
يعود الجميع الآن إلى نقطة الصفر، والبدء من جديد، ولكن للعب أدوار مختلفة تمهد لهم حضورا مغايرا في المشهد السياسي الذي ستؤطره الانتخابات المحلية في العام القادم، تمهيدا للانتخابات الرئاسية في العام الذي يليه.
في كلمته التي ألقاها رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، الأربعاء الماضي في بعشيقة، أعاد ثانية مسألة الانفصال عن العراق وإقامة دولة كردية مستقلة، قائلا ”إذا لم نتوصل الى حل مع بغداد فالاستفتاء هو الحل”.
وأشار كذلك إلى اتفاقات سابقة مع أميركا، للبقاء وعدم الانسحاب من المناطق التي تم طرد “داعش” منها، متمثلة في قرى تحيط مدينة الموصل، إضافة إلى جبل سنجار، تلك حدود ربما تكون محتملة كما يبدو لخارطة الإقليم ما بعد داعش.
لكن إقليم كردستان العراق، لا يخلو من مواجهات كردية كردية، ثمة مشكلات سياسية واقتصادية، قائمة ما بين الحزبين الرئيسيين، الاتحاد الوطني بزعامة الطالباني وحركة التغيير، في مقابل الحزب الديمقراطي بزعامة البارزاني، خصومة واختلاف سياسي دائم كشف عنهما نائب رئيس وزراء إقليم كردستان، قوباد الطالباني، قبل أيام.
وبين ضرورة الابتعاد عن الخطابات التهديدية، مشيرا في الوقت ذاته إلى أهمية حل الخلافات الداخلية في الإقليم قبل حل المشكلات مع بغداد.
ذلك ما ذكره بمناسبة افتتاح الدورة العشرين من مهرجان كلاويز الثقافي الذي أقيم في السليمانية، وتطرق إلى عبارات مثل “الابتعاد عن الكراهية” و”هناك تهديدات مدمرة منتشرة في إقليم كردستان”.
وبين كذلك إمكانية “الاتفاق على اللجوء إلى نظام لامركزي في إقليم كردستان إذا لم ترد السليمانية التعايش مع أربيل”. لكن ماذا يعني نظام لامركزي داخل إدارة إقليم؟
هذا عدا الخلاف المعلن بين الفصائل الكردية الرئيسية، بسبب التحالف الذي أقيم في منتصف شهر مايو بين الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير “كوران”، بذريعة السعي إلى التقارب مع الحكومة المركزية في بغداد للتعامل مع محور “السليمانية، حلبجة”، بمعزل عن حكومة الإقليم، “محور أربيل، دهوك”، مسببا خلافاً مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني، وهو في نظر الأخير محاولة للسعي إلى الانشقاق عن وحدة الصف الكردي.
كان هناك اتساع في دائرة المنافسة الكردية-الكردية، عبر تحالفات أخرى كرستها زيارة رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، في يوليو الماضي، وهي الزيارة التي أهمل فيها أربيل.
زيارة المالكي تلك جاءت خطوة غير معلنة لتشكيل تحالف جديد يدعو إلى الوقوف إلى جانبه في الانتخابات القادمة، في مقابل تعهده بتقديم دعم اقتصادي وسياسي لمشروع أقلمة السليمانية، هذا المشروع الذي يتبناه ويروج له منسق حركة التغيير “كوران” نوشيروان مصطفى.
تبقى زيارة المالكي المعروف بولائه الشديد لإيران جزءا من مساعي الأخيرة لتعميق الخلافات بين الفرقاء السياسيين داخل الإقليم تمهيدا لضرب اتفاقات نسبية حاصلة في كردستان العراق، وجرّه إلى دائرة الصراع الإقليمي الذي تخوضه في المنطقة.
كما يمثل محاولة منها لضمان تبعية الاتحاد الوطني الكردستاني ودفعه إلى الانفصال في إقليم مستقل، يكون ضعيفا ومرتهنا بالمساعدة الإيرانية، وليصبح بمثابة جدار أمني لطهران. ذلك ما نوه إليه قوباد الطالباني، منذ أشهر، وأبدى خلاله استغرابه من الحديث عن الاستقلال في “حين تفوح رائحة الإدارتين من أعالي المستويات السياسية”، تصور يعززه الانشطار الإداري في إقليم كردستان والمتمثل في عدم رغبة الطرفين في توحيد المعبرين القائمين بين أربيل والسليمانية، حيث يسيطر كل من الحزبين على إدارتيهما بشكل منفرد.
كشفت نتائج معركة تحرير الموصل كذلك عن متعلق سياسي آخر، تمثل في دعوة نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، بمؤازرة نواب عراقيين، إلى إقامة إقليم الموصل، والذي يمكن أن يضم إليه عددا آخر من المحافظات الغربية، في ظل تردد وانقسام سياسيين سنة، على مناطق النفوذ وعلى الحصص والامتيازات التي يمكن اكتسابها، في حالة الاتفاق، والتي ستكون ملفات النازحين والمهجرين، وعمليات إعادة الإعمار، إحدى ذرائعها.
وهو الأمر الذي بينه المؤتمر الأخير الذي عقد في أربيل قبل أيام حول مستقبل الموصل بعد تحريرها من داعش، والذي أشار فيه النجيفي إلى أن “أغلب أهالي المحافظة يريدون أن تتحول المحافظة إلى إقليم خاص تحت اسم إقليم نينوى وهذا الإقليم يتألف من ست أو سبع محافظات”.
يبدو أن في العراق متسعا من الأرض لإقامة أقاليم أخرى، تلك فكرة سياسية تبناها سياسيو ما بعد 2003، الذين هم مختلفون تماما في مسألة شكل الأقاليم المفترضة القادمة، ولكنهم متفقون على جعل العراق ضعيفا دائما، فاقدا لهيبته. وهو المسار الذي مضوا فيه، ومن فضائله، قدرته على أن يولّد أقاليم أخرى لهم.
سعد القصاب
صحيفة العرب اللندنية