يقف الكاهن شربل عيسو أمام مذبح مدمر في كنيسة دير مار بهنام للسريان الكاثوليك جنوب الموصل، وهو يرفع يديه ويصلي بمشاركة مقاتلي فصائل مسيحية مسلحة، بعد عودته إلى الدير قبل أيام إثر استعادته من الدواعش.
على الجدار قبالة المصلين الذين كانوا يرددون “أبانا الذي في السماوات”، عبارة “الله أكبر” قد كتبت باللون الأسود.
فرح المسيحيون بالعودة إلى كنيستهم التي حل بها الخراب، عاد الرهبان والراهبات إليها يبكون فرحا، أقاموا القداسات والصلوات وسط الخراب والحريق الذي أتى على أجزاء كبيرة من الكنيسة.
وأقام العشرات من المسيحيين العراقيين قداسا في كنيسة الطاهرة الكبرى في بلدة قرة قوش الأحد بين جدران اكتست بالسواد ومذبح مدمر، وذلك للمرة الأولى منذ استعادتها من تنظيم داعش الإرهابي.
قال المطران بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل للسريان الكاثوليك إن قرة قوش باتت خالية من “داعش” في إشارة إلى التنظيم.
ودعا الأسقف إلى إزالة كل آثار الدواعش، قائلا “إنه ينبغي تغيير العقليات التي تسببت في النزاع السياسي والطائفي”.
ويعود تاريخ الدير التابع لطائفة السريان الكاثوليك إلى القرن الرابع قبل الميلاد، لكن بعد اجتياحهم المنطقة، أقدم الدواعش على تخريب الدير، وحطموا المنحوتات المعلقة على الجدران، وفصلوا رأس تمثال للسيدة العذراء.
ويقول الأب شربل عيسو في زيارته الأولى للمكان، “أنا سعيد وحزين في الوقت نفسه”. ويضيف “سعيد بالعودة إلى هذه الأماكن المقدسة، وبرؤية هذا الدير الذي أمضيت فيه عاما ونصف العام كرئيس. وفي الوقت نفسه، أنا حزين لرؤيته على هذه الحال مهدّما، وفي وضع سيء جدا؛ هذا يؤلم قلبي”.
أمام المبنى الرئيسي للدير الذي يعتبر أحد أقدم الأديرة والمعالم المسيحية في العراق، تلة من ركام تغطي قبري مار بهنام، القديس السرياني الذي يحمل الدير اسمه، وشقيقته سارة. في العام 2015، نشر الدواعش شريطا مصورا على الإنترنت يظهرون خلاله وهم يفجرون القبر الذي لم يبق منه حاليا إلا القليل، وجاء ذلك ضمن عمليات تخريب ممنهجة أقدم عليها التنظيم عندما اجتاح المنطقة.
فقد دمر الدواعش أماكن عبادة وفجروا مواقع أثرية، بينها بقايا مدينة نمرود، درة الحضارة الآشورية في العراق، ومدينة تدمر، “لؤلؤة الصحراء” وروعة الحضارة الرومانية في سوريا المجاورة.
في المناطق التي اجتاحها في 2014، وضع التنظيم المتطرف المسيحيين أمام خيارات ثلاثة، إما المغادرة، وإما دفع الجزية، وإما اعتناق الإسلام، فقررت الغالبية الرحيل.
ويؤكد عيسو أن إعادة بناء النسيج الاجتماعي الآن ستكون أمرا بالغ الصعوبة، مضيفا “عليك رؤية منازلهم، لقد أحرق خمسون بالمئة منها”.
وتعرضت الأقلية المسيحية في العراق منذ سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، لاعتداءات عدة، وأجبرت على مغادرة مناطق واسعة. وكان عدد المسيحيين في العراق أكثر من مليون قبل الاجتياح الأميركي للعراق في 2003، وبات اليوم حوالي 350 ألفا، نصفهم في محافظة نينوى ومركزها الموصل.
يرى الأب عيسو أن كبح التوترات بين الأديان في هذه المنطقة بعد كل ما حصل يبدو مهمة “صعبة جدا، لكننا متمسكون بالأمل”.
ويجول عيسو في الدير يرافقه مقاتلون مدججون بالسلاح من فصائل مسيحية، يرتدون صلبانا ويحملون أحزمة رصاص فوق بزاتهم العسكرية.
وينتمي هؤلاء إلى مجموعة كتائب “بابليون” التي تشكلت من مسيحيين من مختلف أنحاء العراق لقتال تنظيم الدولة الإسلامية.
وساهم رجال كتائب “بابليون” إلى جانب قوات أخرى في عملية تحرير الدير من الدواعش، ويؤكدون إنهم سيقاتلون حتى طرد المتشددين من كل المواقع المسيحية التي يحتلونها في العراق، وحتى في سوريا.
ويقول العقيد ظافر لويس “نحن حزينون جدا لرؤية كل هذا الدمار هنا، لكن السعادة بالنصر غمرتنا ونحن فرحون جدا بأن نكون هنا”، مضيفا “آمل في أن يعود المسيحيون إلى هذه المنطقة، وأنا أدعوهم إلى العودة”.
صحيفة العرب اللندنية