قال معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إنّ نظام الرئيس السوريّ، د. بشّار الأسد، يُعاني من شللٍ ماليّ وعسكريّ، وبالتالي ليس قادرًا على استرجاع المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” الآن وإحكام قبضته عليها.
وتابع قائلاً في دراسة جديدة، نشرها على موقعه الالكترونيّ: اعتمد استرجاع النظام للأراضي في العام الماضي على عمليات “وقف إطلاق نار” مثيرة للجدل فُرضت بشكلٍ رئيسيّ على سكان يعيشون تحت الحصار وعلى عمليات عسكريّة قامت بها جماعات مسلحة غير نظامية من (قوات الدفاع الوطني) ذات الأغلبية علوية إلى جانب الجيش النظامي. وهذا يعني، تابعت الدراسة، أنّ المناطق التي سيُحاول النظام السيطرة عليها في الأشهر المقبلة ستشهد تدفقًا لقوات تسيطر عليها الأقليات أكثر فأكثر وتكون خاضعة لتوجيه إيرانيّ.
وباختصار، أكّدت الدراسة على أنّ عودة بشار الأسد لوضعه السابق لن تكون عودة حاكم شرعيّ يُعيد النظام لبلاده، بل ستأتي في الأساس نتيجة وجود فيلق إيرانيّ مؤلف من لاعبين أجانب يؤدون دورًا على مستوى الجهات الحكومية الفرعية. وشدّدّ المعهد على أنّ الجزء القتاليّ من مسعى طهران لتغيير (الهلال الخصيب) بشكلٍ جذريّ هو أمر ستستمر القوى السنيّة في المنطقة بمعارضته، وبشكلٍ خاصٍ تركيّا ودول الخليج العربيّ، على حدّ قولها. وزادت الدراسة قائلةً إنّه من جهة أخرى، فإنّ انخراط إيران المباشر والمعمق في محاولة الأسد إخراج نفسه من المأزق السوريّ قد أدّى إلى توريط طهران في مذبحة واسعة النطاق للسنة، وقد أطلق حربًا طائفية طغت على العراق وتهدد بالتوسع خارج حدود البلاد.
وكانت حملة إيران في سوريّة، بحسب الدراسة، لتبدو منطقية أكثر لو لم يعلب التوزيع الطائفيّ للسكان دورًا سلبيًّا ضدّها للغاية، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ النسيج السوريّ يتألف بنسبة 75 في المائة من العرب السنة، وهي نسبة تصح في كافة أنحاء الشرق الأوسط تقريبًا باستثناء إيران. كما أنّ المناطق الريفية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلاميّة في سوريّة والعراق تتألف من السنة بنسبة عالية تصل إلى 95 في المائة. وتشير هذه النسب، أوضحت الدراسة، إلى أنّ إيران لن تتمكن من إخضاع السنة من خلال العنف، لا بل قد تجد نفسها في النهاية منخرطة في نزاع مهلِك وصفه العديد بالفعل بأنه (فيتنام إيران)، قالت الدراسة.
وقدّمت الدراسة الأمريكيّة ما أسمتها بأربع خطوات لحل مستدام في سوريّة، وأضافت أنّه على الرغم من أنّه ليس من المحتمل أنْ يفرز هذا التوجه انتصارًا للنظام، إلا أنّه قد يدفع الأسد ورعاته الإيرانيين إلى التركيز على الأجزاء التابعة لهم من سوريّة الصغرى والالتزام بمعاهدة عدم اعتداء تأتي بحكم الأمر الواقع مع الجهاديين. وقد يُساعد ذلك على تجنب سيناريو (فيتنام إيران)، لكنّه قد يؤدي إلى أسوأ السيناريوهات بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها وهو تشبث كل من الأسد و تنظيم الدولة الإسلامية بأراضيهما ربما بشكل نهائي. ولتجنب هذا السيناريو، قالت الدراسة، والسعي إلى تحقيق المصالح الأمنية الأمريكية في سوريّة بشكلٍ أفضلٍ، على واشنطن اعتماد المقاربة التالية: أولاً، التقبل أنّ سوريّة ستبقى دولة مقسمة وفاشلة طالما يُسمح للأسد بالبقاء في السلطة، ما يشبه وضع الرئيس العراقيّ السابق، صدام حسين في التسعينيات حين كلّفت سياسات النظام هذا الأخير سيطرته على الشمال الكردي. لكن خلافاً لهذا السيناريو، سيُشكل استمرار وجود الأسد نقطة جذب قوية للجهاديين ومحركًا رئيسيّاً للتوتر السنيّ الشيعيّ. ثانيًا، لا ينبغي تخفيف الضغط على الأسد. فعوضًا عن السماح للنظام بتعزيز قوته، على واشنطن إضعاف كل من الأسد و الدولة الإسلاميّة من خلال تشجيع الصراع بينهما لإضعاف القوات الإيرانية الأجنبية والجهاديين في الوقت نفسه. وأكّدت الدراسة على أنّه كثيرًا ما يتفاخر الرئيس الأسد بمحاربة الإرهاب، لذا يجب على الولايات المتحدة ترك الأمر على عاتقه وإلقاء مسؤولية تنظيم الدولة الإسلامية على الرئيس السوري مما سيضعفه ويضعف القوى الإيرانية في النهاية.
وتشمل المسائل الرئيسيّة التي يجب على واشنطن أخذها بعين الاعتبار: متى تصعِّد الضربات الجوية أو تخفِّف منها ليس فقط ضدّ الدولة الإسلاميّة، بلْ أيضًا ضدّ قوات النظام لاسيما إذا نفّذ الأسد التهديد الذي أطلقه في 20 كانون الثاني (يناير) حين قال لمجلة (فورين أفيرز) إنّ النظام سيُهاجم أيًّا من قوات المعارضة المعتدلة المدربة من قبل الولايات المتحدة التي تدخل سوريّة، عندها فقط ستشعر دمشق وطهران بالضغط لتقديم تنازلات كبيرة. ثالثًا، التركيز على مساعدة المعارضة المعتدلة على رص صفوفها ضد الجهاديين والنظام على حد سواء، بالإضافة إلى زيادة المساعدات الإنسانية بشكل بارز للنازحين وبذل مجهود أكبر بكثير لحماية المدنيين. بالطبع لا يمكن للولايات المتحدة أن تنظم وتقود المعارضة كلها، لكن يمكنها أن تدعم أيّ فصيل يُسيطر على مناطق استعادتها من يد تنظيم الدولة الإسلامية. إنّ الطريقة الوحيدة لتحفيز الثوار على القيام بذلك هي تقديم الدعم العلني لموقفهم المبرر ضد بقاء الأسد في السلطة.
أمّا الخطوة الرابعة والأخيرة، فهي تطوير إستراتيجيّة لإسقاط الأسد بالطرق الدبلوماسيّة وإرسال المعلومات والقوة العسكرية/الاقتصادية. فكلما طال بقاؤه طال الانقسام في سوريّة، وحين يتّم التخلص من الأسد، سيصبح من الممكن لملمة شمل سوريّة من جديد، على حدّ قول الدراسة.
نقلا عن الراي اليوم