إن المهمة العليا لأي إدارة رئاسية أميركية هي حماية مصالح الأمن القومي. والآن أكثر من أي وقت مضى، يجب أن يبدأ هذا المسعى المهم بالتصدي لروسيا العائدة إلى الساحة بقوة.
على مدار خدمة بوتين في منصبه، كانت روسيا راعياً لأجندة معادية للديمقراطية، والتي تقف في تناقض تام مع القيم التي نجلها نحن كأميركيين -العملية الديمقراطية الليبرالية، وحقوق الإنسان، والسيادة وحكم القانون. وقد تدخلت روسيا في انتخاباتنا، وهي تهدد الأرواح في أوكرانيا وسورية، كما سعت إلى تفكيك النظام الدولي القائم على القواعد الذي وفر الاستقرار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
كل هذه حقائق لا جدال فيها. لكنك لن تعرف ذلك استناداً إلى تعليقات دونالد ترامب المقلقة خلال مسار حملته الانتخابية. ولا أعرف كيف سيتعامل مع روسيا عندما يحتل المكتب البيضاوي. ولكن، إذا كان الماضي يصلح كمقدمة لما سيحدث، فإنني لست متفائلاً على الرغم من حبي لهذا البلد وما يمثله بالنسبة للكثيرين جداً حول العالم.
ولذلك، أطلب من ترامب أن يأخذ على محمل الجد تقييمات مجتمعنا الاستخباري والمتخصصين في مجال الأمن فيما يخص تصرفات روسيا. وأناشد إدارة ترامب أن تنظر إلى روسيا كما هي فعلاً -فتوة عالمياً وخصماً. وأشجع قيادة الأمن القومي القادمة على فهم من هم أصدقاؤها وحلفاؤنا الحقيقيون، وإدراك أنهم يعتمدون علينا في توفير القيادة ضد عدوان موسكو.
إن توطيد سيطرة بوتين المحلية هي عمل منهجي يذكّر بأكثر أيام روسيا قتامة. وثمة مقياس جيد لكيف ستتعامل حكومة على المستوى الدولي، هو رؤية كيف تعامل شعبها نفسه. ولا شك أن روسيا تخفق حالياً على هذا المقياس، كما يتضح من انتخابات مجلس الدوما الأخيرة التي ضيقت المساحة على أحزاب المعارضة، وكذلك الاستمرار في اعتقال نشطاء المجتمع المدني.
تستمر أنشطة روسيا المزعزعة للاستقرار في الخارج بشن الهجمات على القوات الأوكرانية عبر منطقة الدونباس في شرق أوكرانيا، ومن خلال احتلال روسيا غير القانوني لشبه جزيرة القرم، وانتهاك السيادة الأوكرانية على نحو لا يمكن أن يكون ولن يكون مشروعاً. ولا شك أن إعلان بوتين يوم الأربعاء أنه سوف ينسحب من المحكمة الجنائية الدولية بسبب تحقيق للأمم المتحدة في نشاطاته في أوكرانيا، يتحدث عن نفسه.
في سورية، يشكل قصف القوات الروسية واسع النطاق لمدينة حلب جريمة أخلاقية ضد الإنسانية. وكنا قد قلنا عدة مرات -كمجتمع دولي- “لن يحدث هذا ثانية أبداً”. لكنه يحدث اليوم، والآن، على يد الأسد وبوتين. وكان التحرك الأخير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لإلغاء عضوية روسيا فيه رداً مرحباً به من المجتمع الدولي، لكننا لا يجب أن نتهاون في جهودنا لفضح هذه الأعمال غير المشروعة ومحاسبة الجناة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
كما نعلم جميعاً، وصلت مخالب الكرملين إلى شواطئنا الخاصة خلال انتخابات العام 2016. ولم تكن محاولة روسيا إعاقة حدث بارز مثل الانتخاب الديمقراطي للرئيس الأميركي أي شيء أقل من تصرف مذهل وصادم.
لذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى صياغة استجابة دولية فورية وشاملة للعدوان الروسي؛
أولاً، علينا أن نرسل رسالة حازمة تفيد بأن استبداد روسيا المحلي واستئسادها الدولي لهما عواقب. وعلينا أن نوضح تماماً أن هناك تكلفة تترتب على مهاجمة الولايات المتحدة، سواء كان ذلك بواسطة طائرة ميراج أو بواسطة فأرة الحاسوب. ويجب أن ندرس خيار فرض عقوبات قطاعية موسعة وعقوبات محددة على الأفراد الذين يتبين أنهم متواطئون في ارتكاب جرائم فظيعة، عبر طيف من الخيارات لاشتمال قطاع الطاقة الروسي، وحظر مشاركة الولايات المتحدة في شراء سندات الديون الروسية.
ثانياً، يجب علينا أن نكون جاهزين لمساعدة أصدقائنا. كان حلفاؤنا في وسط وشرق أوروبا على الخطوط الأمامية أمام التدخل الروسي. وقدمت إدارة أوباما -محقة- مساعدات أمنية كبيرة لتلك البلدان من خلال مبادرة الاطمئنان الأوروبية. لكننا نحتاج، بالإضافة إلى تلك المبادرة، إلى مبادرة ديمقراطية أوروبية مزودة بالموارد، والتي ستعزز تلك المؤسسات الديمقراطية المكشوفة أمام الضغط الروسي.
ثالثاً، يجب علينا أن ندعم نشطاء حقوق الإنسان المحاصرين في داخل روسيا، الذين يستمرون في مواجهة قمع متزايد من الدولة. ويعيش هؤلاء النشطاء اليوم في ظروف قاتمة، لكن من واجبنا أن نتكلم نيابة عنهم وأن نضغط على منتهكي حقوق الإنسان الروس عن طريق استخدام قانون ماغنيتسكي إلى أقصى حد ممكن.
يحتمل أن لا تكون مواقفي السياسية تجاه روسيا متوافقة مع رؤية الرئيس المنتخب دونالد ترامب في هذا الوقت. لكنني أعتقد أن هذه القيم الجوهرية -التحدث بشدة ضد انتهاكات القانون الدولي، وجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، بينما ندافع عن ديمقراطيتنا، وعن المساءلة وحرية التعبير- يجب أن تكون في مقدمة أجندة السياسة الأميركية الخارجية، وهي وجهة نظر يتقاسمها الكثيرون في مجلس الشيوخ من كلا جانبي الطيف.
آمل أن يعمل الرئيس المنتخب وفريقه معنا في المجالات التي يمكن أن نجد فيها أرضية مشتركة، لكنني لن أتردد في إجراء رقابة صارمة إذا تم التخلي عن هذه القيم.
بن كاردين
صحيفة الغد