هل ستنجح “أوبك” في تنفيذ اتفاق فيينا الأخير؟

هل ستنجح “أوبك” في تنفيذ اتفاق فيينا الأخير؟

%d9%86%d9%81%d8%b7-%d8%a7%d9%88%d8%a8%d9%83-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%88%d8%a7%d8%a8%d8%b7

قفزت اسعار النفط العالمية متجاوزة مستوى 55 دولارا للبرميل للمرة الاولى منذ 16 شهرا، بعد اتفاق منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) على تخفيض الإنتاج في 30 نوفمبر 2016، في العاصمة النمساوية فيينا.

الاتفاق الذي وصف بالتاريخي لأوبك يقضي بتخفيض انتاجها الكلي، اعتباراً من كانون الثاني / يناير 2017، بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً ليصل إلى 32.5 مليون برميل يومياً. وفوراً قفز سعر النفط 9 – 10% ليصل إلى حوالي 52 دولارا ثم إلى 55 دولاراً أمس. كما تتوقع أوبك أن تحصل على تخفيض إضافي من المنتجين خارج أوبك بمقدار 600 ألف برميل يوميا ، وسيستمر الاتفاق ستة اشهر الى حين الاجتماع الوزاري المقبل في ايار مايو 2017.

في الحقيقة يعتبر الاتفاق بحد ذاته انجاز مهم من حيث المبدأ ، وهو  اتفاق جاء بعد العديد من الاجتماعات واللقاءات  للحد من انهيار اسعار النفط عالميا، وتقليل تخمة المعروض من الاسواق ، ومراعاة بعض الدول المتضررة من ظروف خارجة عن ارادتها مثل: ليبيا ونيجيريا واعفائها من أي خفض أو تثبيت الانتاج لكن مع هذه الخطوة الإيجابية التي تحسب للمنظمة الا ان الطريق على ما يبدو ما يزال طويل امام اتفاق كامل ورصين، وهو ما أظهرته اول زيادة عقب الاتفاق، حيث  سجل إنتاج أوبك مستوى قياسيًا مرتفعًا جديدًا في نوفمبر قُبيل سريان اتفاق لخفض الإنتاج فقد ازداد معروض أوبك إلى 34.19 مليون برميل يوميا في تشرين الثاني / نوفمبر من 33.82 مليون برميل يوميًا في أكتوبر، وهو ما يعزز القول بأن مهمة المنظمة لن تكون يسيرة في إطار أول اتفاق لتقليص الإنتاج تبرمه المنظمة منذ ثماني سنوات.

عقبات في طريق الاتفاق

يواجه تحقيق اتفاق أوبك العديد من لتحديات التي يجب اخذها بعين الاعتبار ،

  • العامل السياسي: يعتبر من اهم العوامل التي قد تشكل عقبة حقيقية في طريق أي اتفاق حقيقي بين الدول الاعضاء في المنظمة، وقد لعب العامل السياسي دورا مهما في تشكيل وصياغة العلاقة بين الاعضاء ونعكس بالتالي على القرارات الصدرة عن المنظمة والجميع يعلم العلاقات المتوترة بين دول الخليج وأيران، في حين هناك توحيد للمواقف بين العراق وايران،  وغيرها من اشكال العلاقات بين الدول في المنظمة.
  • مسألة الالتزام : اتفاق الاعضاء داخل منظمة أوبك من أكثر المشاكل التي تواجهها المنظمة منذ نشأتها فى العاشر من أيلول / سبتمبر عام 1960، وقد شكلت مسألة الخلافات بين الاعضاء وغياب الاتفاق أكبر العقبات في مسيرة عمل المنظمة، أضف الى ذلك مسألة تداخل المصالح الاقتصادية للدول الاعضاء وانعكاسها على العلاقة داخل المنظمة، وهو ما قد يشكل احدى العقبات ايضا في طريق الاتفاق الجديد ، بسبب تأثير سعر برميل النفط على موازنات هذه الدول، وقد لا حضنا ما حصل في فنزويلا التي شارفت على الانهيار الاقتصادي، وكذلك دول مثل العراق وغيرها.
  • المنتجين غير الاعضاء : مؤخرا كشفت المنظمة عن اجتماع مرتقب في 10 كانون الأول/ ديسمبر الجاري في فيينا يجمعها مع منتجي النفط من خارج “أوبك” لأول مرة منذ 2002، كما ذكرنا سابقا كانت التوقعات أن يخفض المنتجين من خارج المنظمة 600 ألف برميل يومياً. الا ان دولا مثل المكسيك ، النرويج، واندونيسيا، وكازاخستان أعلنت عدم اشتراكها، أما روسيا فقد نوهت بموافقتها على تخفيض 300 ألف برميل ولكن بشكل تدريجي بطيء، كما لم توضح طريقة حساب تخفيضها، وهو ما تحاول المنظمة ان تتوصل الى تفاهمات مع هذه الدول للمضي بالاتفاق قدما.
  • تخمة المعروض والطلب : تعتمد هذه المسألة على العاملين السابقين، حيث غياب التزام الاعضاء وغير الاعضاء هي عبارة عن بقاء تخمة المعروض النفطي في الاسواق، وبالتالي سيفوق المعروض الطلب من جديد وتلقائيا ستتراجع الاسعار وخصوصا مع رفع الدول انتاجها بشكل كبير تحسبا لموسم الصيف المقبل وهو ما يعني اغراق الاسواق بالمعروض النفطي، اما فيما يتعلق بالطلب العالمي على الخام ، فالأرقام تشير الى ضعف في الاقتصاد العالمي وخصوصا الاقتصاد الصيني الذي يعاني الركود منذ فترة، قد ينعكس استقرار سوق النفط إيجابياً على الاقتصاد العالمي، الا ان الاخير بحاجة الى الكثير من الإجراءات لتجاوز ازمة الركود وصعود الدولار ارتفاعًا حادًا لم يشهده من قبل على الإطلاق، حيث سجّل 40% زيادة عن أدنى مستوى وصل له في 2011،وهو ما من شأنه أن يُزيد هشاشة الاقتصاد العالمي أكثر وأكثر.
  • انتعاش النفط الصخري: أعاد اتفاق منظمة «أوبك» الأخير الحياة إلى النفط الصخري الأمريكي بعد ان اسهم في رفع الاسعار، حيث ان مسألة الاسعار من اهم العقبات التي اضعفت صناعة النفط الصخري خلال العامين الماضيين في ظل غياب سعر تكلفة البرميل، حيث يعتبر السعر المجزي لبرميل النفط الصخري 55 دولار فما فوق، وهو ما لاحظنا ان سعر برميل النفط تراجع الى إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل ، وقد تسبب بأغلاق عشرات الابار والشركات العاملة في هذه الصناعة لكن من المتوقع ان تعود المنافسة من جديد في اسواق النفط في حال بقيت الاسعار فوق مستوى 55 دولار للبرميل وبالتالي نعود لمسألة تخمة المعروض مع تراجع الطلب .

وفي الختام، أوبك في طريقها الى اجتماع مع المنتجين من خارج المنظمة، وهذه خطوة جيدة لإنجاح الاتفاق وسلامة تنفيذه، فاجتماعها المقبل مهم جدا لأشراك جميع المنتجين في الاتفاق، الا ان المخاوف التي قد تواجه الاتفاق تتمثل في غياب الالتزام داخل المنظمة فضلا عن الدول غير الاعضاء، لذلك الحديث عن نجاح الاتفاق يحتاج الى وقت كافي يكشف عن التزام هذه الدول من عدمه، ناهيك عن التحديات المرافقة لقرار تخفيض الانتاج وارتفاع الاسعار، ومسألة المنتجين غير التقليديين، لذلك اسواق النفط بحاجة الى اتفاق جميع المنتجين في العالم وهي الطريقة الامثل لأي اتفاق نفطي ناجح، ومع ذلك لنأمل ان يكون اجتماع فيينا المقبل يحمل في طياته بذور اتفاق اوسع وأشمل، والى ذلك الحين من المستبعد ان نلمس استقرار في اسعار النفط التي من المتوقع ان تسيطر عليها موجة من التذبذب في الفترة المقبلة.

عامر العمران

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية