الباسيج…إحدى القوى الضاربة داخل النظام الإيراني

الباسيج…إحدى القوى الضاربة داخل النظام الإيراني

%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%ac

يتخذ النظام الإيراني لتوطيد حكمه ولنشر “الثورة الإيرانية” خارج حدوده الجغرافية أذرعا لا تخفى على أحد، ولعل من أهم تلك الأذرع قوات التعبئة الشعبية أو “الباسيج” وهي تشكل جيشا موازيا يتفوق في نفوذه على القوات المسلحة النظامية، ويتمتع بنفوذ داخلي لا يقل أهمية عن دوره الخارجي. الباسيج (بالفارسية: بسیج) “وتعني التعبئة” أو “قوات التعبئة الشعبية”: هي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين ذكور وإناث.

تأسست قوات التعبئة الشعبية شبه العسكرية المعروفة بـ”الباسيج” (أي “المتطوعون”) نهاية عام 1979 إثر نجاح الثورة الإيرانية بقيادة الزعيم الديني الخميني، الذي دعا إلى إنشاء “جيش من عشرين مليون رجل” لحماية الثورة ونظامها السياسي والديني، فتأسست هذه المنظمة الأمنية من مؤيديه المخلصين. ويشير باحثون إلى أن قوات الباسيج ليست سوى نسخة مطورة من الحزب الذي أسسه شاه إيران محمد رضا بهلوي وسماه “راستاخيز” (يعني البعث أو النهضة)، وأراده قاعدة شعبية مكينة لحماية نظلم حكمه والتغلغل في مفاصل المجتمع. لكن الخميني قام بالعمل الذي حاوله الشاه بطريقة أكثر ذكاء، إذ ما ميز قوات الباسيج هو أنها جاءت مرتبطة ارتباطا عضويا بجسم الجيش الإيراني الذي تألف من الحرس الثوري الإيراني وكتائب الحرس الثوري الإسلامية، وهي جميعها من الكوادر المدربة قتاليا وعسكريا.

وخلال الحرب العراقية الإيرانية بين عاميْ 1980 و1988، أسندت إلى قوات الباسيج مهمة اقتحام حقول الألغام لتمهيد الطريق للقوات النظامية التي كانت تقفو أثرها، وتفيد مصادر إيرانية بأن الباسيج قامت بتعبئة مليونيْ شخص أثناء الحرب خدم ربعهم في جبهات القتال. وبعد انتهاء الحرب أصبح أعضاء الباسيج يمثلون قوة يُستعان بها لكبح السلوك المنافي للنظام الإسلامي (شرطة أخلاقية)، ولقمع التجمعات السياسية المعارضة له، ولمساعدة قوات الشرطة العادية في ضبط الأمن عند اندلاع أحداث أمنية كبرى تفوق طاقتها، وفقا لقانون سنه مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) أواخر عام 1992 لتنظيم المهمات الشُّرطية التي تضطلع بها الباسيج.

لميليشيا “الباسيج” ثلاث مستويات للعضوية: «الباسيج» العادية، «الباسيج» بالموقع، و«الباسيج» الخاص أو الحرس الشرفي. وفقا للقانون “لائحة العمل لحرس الثورة الإسلامية” الذي أقره البرلمان في 13 أكتوبر 1991، فإن أعضاء «الباسيج» بالموقع و«الباسيج» الخاص يتلقون رواتبهم من «فيلق الحرس الثوري الإسلامي». يتلقى أعضاء «الباسيج» بالموقع أجرا مقابل الوقت الذي يقضونه في مشاريع محددة – أربعة ملايين ريال أو 400 دولار شهريا وفق بعض المصادر، وهو ما يزيد عن الراتب الشهري للمُعلم. وأعضاء «الباسيج» الخاص هم موظفون بدوام كامل ويتلقون راتباً شهرياً. كما يُمكن إلحاق أعضاء وحدات «الباسيج» في المناطق بفروع خاصة، مثل «الباسيج» العمالية و«الباسيج» الطلابية، والتي تأسست لتوفير التوازن مع منظمات المجتمع المدني المناظرة.

تتم عملية التوظيف في «الباسيج» تحت إشراف “رجال الدين للأحياء والمواطنين المؤتمنين والجمعيات الشرعية في الأحياء”، وفقا للنظام الرسمي للباسيج. وبمعنى آخر، فإن المسجد المحلي الذي يقع فيه مركز «الباسيج» يتمتع بالقول الفصل في قبول المتقدمين للجناح المسلح في الميليشيا. كما يتم توظيف أعضاء هذا الجناح للخدمة والعضوية الكاملة في «فيلق الحرس الثوري الإسلامي». أما الفروع الأخرى، مثل «الباسيج» الطلابية، فيرجح أنها تتبع سياسات تجنيد أقل تقييداً، وحتى لو كان الغرض الوحيد من ذلك هو تقديم إحصائيات في تزايد مستمر للجهات العليا.

في رصد نوعي لميليشيا الباسيج جاء كتاب “مجتمع أسير” لكاتبه سعيد جولكار، وهو أول مؤلف موسع يعرض دراسة متكاملة الأطراف عن منظمة الباسيج الإيرانية، ودورها المتغلغل في خفايا مراكز القرار السياسي والنسيج المجتمعي في إيران، فالكتاب يطرح دراسة موضوعية وشاملة للبنية التنظيمية لمنظمة الباسيج، وللخلفية الاجتماعية والسياسية لأعضائها، والتدريب السياسي والعسكري والعقائدي الذي يخضعون له، ودورهم الأمني المرسوم، وآليات البروباغاندا التي تتبعها المنظمة لقمع المجتمع الإيراني.

يقول سعيد جولكار- وهو الأستاذ الجامعي الأسبق في جامعة طهران خلال العام 2004- وكان قد وصل إلى الولايات المتحدة في العام 2010، ليتابع أبحاثه العلمية ما بعد درجة الدكتوراه في جامعة ستانفورد: “من المتوقع أن طالبًا إيرانيًا واحدًا من بين كل ثلاثة طلاب يمكن أن يكون عضوًا فاعلًا ومدربًا في ميليشيا الباسيج، وهذا يعود إلى قانون نافذ في إيران يخصص نسبة 40 % من المقاعد الجامعية لأعضاء هذه الميليشيا.” كتاب جولكار يؤكد أن هذه المنظمة هي من بين المنظمات الأكثر تأثيرًا في الحياة السياسية والمجتمعية بإيران، وهي المليشيا الممولة مباشرة ورسميًا من الدولة في إيران.

يؤكد جولكار في كتابه أن معظم المنتسبين لميليشيا الباسيج هم من أبناء الريف الفقير، الذين وجدوا في المنظمة مصدرًا لامتيازات حرموا منها، وكذلك أسهل طريقة للحصول على دخل ثابت، والانتساب إلى الجامعة بسهولة فائقةوأضافبينما كان معظم من شارك في الحركة الخضراء في العام 2009 من سكان المدن الكبرى، في حين ابتعد الريفيون عن المشاركة في صفوف الانتفاضة الإيرانية الأبرز على حكم الملالي، نجد أن معظم المنتسبين إلى ميليشيا الباسيج هم من أبناء الريف الفقير.”

يبرهن جولكار في كتابه بالإحصاءات والأرقام على أن مساحة انتشار الباسيج وقدرتها على وضع المجتمع الإيراني أسرى لديها -كما يشير عنوان الكتاب- هي أكبر مما يتوقع أغلب الدارسين والمتخصصين بالشأن الإيراني، ويسوق في هذا المضمار وعلى سبيل المقارنة المجازية ما يلي: هناك 12 ألف مقهى ستاربكس في الولايات المتحدة و22 ألفًا حول العالم، وبالمقابل لدينا في إيران وحدها ما يزيد على خمسين ألف قاعدة ومكتب لمليشيا الباسيج. ويتابع “بينما يصل عدد أعضاء الباسيج (آر 4 إي) خمسة ملايين عضو، نجد أن 65 % من الموظفين في الدولة وواحدا من كل ثلاثة طلاب هم أعضاء فاعلون في المنظمة الأمنية“.

وبينما تدفع رواتب ثابتة للكادر العامل والأعضاء المتخصصين في المنظمة، يتلقى الأعضاء المنتسبون امتيازات عديدة، منها مكافآت مالية وقروض ميسرة وخصومات على الرحلات الدينية لزيارة المدن المقدسة.الباسيج ليست سوى نسخة مطورة من الحزب الذي أسسه الشاه وسماه “راستاخيز”، والاسم يعني البعث أو النهضة، إلا أن ما ميز الباسيج هو أنها جاءت مرتبطة ارتباطًا عضويًا بجسم الجيش الإيراني، الذي تألف من الحرس الثوري الإيراني وكتائب الحرس الثوري الإسلامية، وهي جميعها من الكوادر المدربة قتاليًا وعسكريًاأما قائد الباسيج محمد رضا نقدي- الذي استلم منصبه في العام 2009- كان قد صدر الأمر بتعيينه مباشرة من مكتب الإمام خامنئي، بناء على اقتراح قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري.

يؤكد متطوعو مليشيات الباسيج في كل مناسبة تسنح لهم ولاءَهم للمرشد الأعلى للثورة وينددون على الدوام بأعداء الثورة في الداخل والخارج، وهو ما يؤشر إلى طبيعة الأهداف والمهمات الموكلة إليهم، إنها حماية نظام الثورة والتصدي لكل ما ينال من هيبته داخليا وخارجيا. ففي الداخل تتولى الباسيج قمع المعارضين السياسيين، كما حصل عندما نظم الطلاب المؤيدون للتيار الإصلاحي تجمعات احتجاجية في الجامعات الإيرانية عام 2002 ورفعوا بعض المطالب “الإصلاحية”؛ إذ هدد المرشد الأعلى علي خامنئي باستدعاء “القوى الشعبية (أي الباسيج) لقمع أي اضطرابات”، وهو ما تم فعلا مما أدى لاشتباكات حين حاولت الباسيج فض تجماعات الطلاب. وفي عام 2009 نزلت قوات الباسيج بقوة وكثافة إلى الشوارع الإيرانية لقمع عشرات آلاف المتظاهرين الذين رفضوا نتائج الانتخابات الرئاسية في ذلك العام وأطلقت عليهم الرصاص الحي فقتلت بعضهم، وهو ما أدى في النهاية إلى توقف احتجاجاتهم التي عُرف بـ”الحركة الخضراء” واعتـُبرت الانتفاضة الشعبية الأبرز على حكم رجال الدين في إيران.

وفي الخارج؛ تدخلت قوات الباسيج لحماية المصالح الإيرانية في العراق تحت ذريعة “حماية الأماكن المقدسة”، وشاركت في “مهمات استشارية” لدى الجيش العراقي وخاضت معه معارك متعددة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، خاصة إثر سقوط الموصل وفي معركة الفلوجة عام 2016 التي قـُتل فيها القائد السابق لـ”كتائب عاشوراء” في الباسيج علي رضا بابايي. كما قاموا أيضا باقتحام السفارة والقنصلية السعودية في طهران ومشهد في كانون الثاني/ يناير من هذا العام على خلفية إعدام المملكة العربية السعودية المعارض السعودي الشيعي نمر النمر.

كما أرسل الآلاف من قوات الباسيج إلى سوريا حيث قـُتل العديد من عناصرها ضمن أبرز العسكريين الإيرانيين القتلى في سوريا الذين كانوا يقدمون الدعم العسكري لنظام بشار الأسد إثر اندلاع الثورة السورية منتصف مارس/آذار 2011، وقاتلوا معه الفصائل السورية المسلحة جنبا إلى جانب مع مليشيات شيعية أخرى أبرزها حزب الله اللبناني. وفي هذا السياق، أشار رئيس هيئة أركان الجيش اللواء محمد باقري، على هامش مهرجان “مالك الأشتر للتعبئة” الذي تم تنظيمه في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إلى إمكانية إرسال ميليشيا “التعبئة” (الباسيج) إلى “جبهات المقاومة” في إشارة إلى سوريا تحديدًا، في حالة ما إذا حصلت على ضوء أخضر من جانب المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي. فوجود قوات “الباسيج” في سوريا تأكيد على دور النظام الإيراني في تحديد المسارات المحتملة للصراع السوري، باعتبار أن تلك الميليشيات التي تدعم قوات الأسد تتحرك بناء على تعليمات من طهران، على غرار “حزب الله” وما يسمى بـ”لواء الفاطميين” و”لواء الزينبيين” وربما ميليشيا “الحشد الشعبي” في مرحلة ما بعد انتهاء معركة تحرير الموصل في العراق.

وفي دلالة على عمق وتعدد الأدوار الخارجية الموكلة إلى هذه القوات؛ قال المرشد الأعلى للثورة خامنئي -يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 خلال لقائه قادة ومسؤولين في الباسيج- إن إيران “أصبحت غير قابلة للهزيمة بسبب وجود الفكر والعمل الباسيجي الذي وصل إلى العراق وسوريا ولبنان وغزة، وسيصل إلى القدس المحتلة قريبا”.

ونقلت وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية مطلع عام 2014 عن قائد قوات الباسيج الجنرال محمد رضا نقدي (ذو أصول عراقية) قوله إن بلاده تعتزم إنشاء وحدات لمنظمته في الأردن ومصر بعدما خاضت تجربة تشكيلها في فلسطين ولبنان، وإن “تزايد مكونات الهيمنة الإيرانية في المنطقة يتزامن مع انحسار الهيمنة الأميركية فيها منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979”.

وفي الإطار نفسه؛ قال الجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني -أواخر عام 2014 بمناسبة الذكرى الـ35 لتأسيس الباسيج- إن “فكر الباسيج ينتشر في أنحاء العالم الإسلامي وجماعات المقاومة في فلسطين ولبنان، بما يتماشى مع الإستراتيجية الإيرانية”.

 

إذن تعتبر الباسيج من الكيانات الأكثر تأثيراً في الدولة والمجتمع الإيراني فهي تأثر كثيراً في الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية والمجتمعية داخل النظام الإيراني كما تعد أداته العسكرية الضاربة لحماية مصالحه على المستوى الداخلي والخارجي. 

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية