ما الذي سيحدث بعد الانتهاء من تنظيم داعش؟

ما الذي سيحدث بعد الانتهاء من تنظيم داعش؟

62482

بعد 11 عامًا وبعد صرف المليارات من الدولارات، ها هي مرة أخرى تعود القوات الأمريكية للعراق، بعد انسحابها سنة 2011، وهذه المرة من المفترض أن تبقى لفترة طويلة.

عندما كانت القوات الأمريكية على وشك غزو العراق سنة 2003 للإطاحة بنظام صدام حسين، قال ديفيد بترايوس، الذين كان وقتها لواءً في الجيش الأمريكي لأحد المراسلين: “قل لي: كيف سينتهي كل هذا؟“.

وبعد 11 عامًا وبعد صرف المليارات من الدولارات، ها هي الآلاف من القوات الأمريكية لا تزال في العراق، لكنها تواجه عدوًا مختلفا هذه المرة. ليعاد طرح نفس السؤال من جديد: “كيف سينتهي كل هذا؟“.

على المدى الطويل

انسحاب القوات الأمريكية سنة 2011، بعد فشل المفاوضات مع العراق حول التوصل إلى اتفاق مرتبط بالملف الأمني، أصبح متقادمًا بعد إرسال الرئيس باراك أوباما ما يقرب من 3100 جندي لتدريب الجيش العراقي في مواجهته تنظيم داعش. ولكن حتى لو تمكنت القوات الأمريكية والعراقية من وضع حد لتوسع هذه المجموعة المسلحة، إلا أن منع انهيار العراق الذي تنخره الطائفية الدينية، قد يتطلب بقاء القوات الأمريكية على المدى الطويل، وفقًا لمسؤولين سابقين ومحللين في وزارة الدفاع الأمريكية.

وقال جيمس جيفري، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في العراق خلال الفترة الممتدة بين سنة 2010 وسنة 2012: “لا يمكنك الوصول إلى الهدف المنشود، وهو أن يكون هناك عراق مستقر مع فشل دائم لتنظيم داعش، من دون وجود أمريكي على المدى الطويل“.

مضيفًا: “حتى لو وعدناهم بالقمر، فلن يقبل الأكراد ولا السنة فكرة أن يهيمن الشيعة على بغداد، ما يعني هيمنة إيران، إلا إذا كنا نحن هناك“.

كما بيّن جيفري أن محاولات إقامة قوة لحفظ السلام أو للمراقبة يجب أن تكون تحت غطاء الأمم المتحدة، ولكن بدعم من القوة العسكرية الأمريكية، ما يعني أنه ينبغي أن يكون هناك قوة عسكرية متواضعة للولايات المتحدة متواجدة بالعراق ومن بعد في سوريا بمجرد الانتهاء من تنظيم داعش.

وأكثر من 2000 جندي أمريكي يقومون حاليًا بتدريب الجنود العراقيين لصد تنظيم داعش، في حين قامت الطائرات بدون طيار والطائرات الحربية الأمريكية بمئات الغارات الجوية، من أجل إيقاف تقدم هذه الجماعة.

ولن يبدأ أي هجوم بري واسع النطاق ضد هذه الجماعة المسلحة قبل عدة أشهر. ولكن الخبراء يقولون إنه من أجل تجنب تكرار فشل الانسحاب الأمريكي في عام 2011، والذي سمح لإيران بأن تصبح القوة المهيمنة، مما تسبب في تهميش السنة وما نتج عنه في ما بعد نشأة تنظيم داعش؛ فقد حان الوقت لتوقع ما سيحدث بمجرد هزيمة هذه الجماعة المسلحة أو في صورة وضعها تحت السيطرة.

ويظهر أن هناك خيارًا بصدد التشكل وكسب شعبية كبيرة ألا وهو إيجاد قوة دولية لتوفير الأمن والسلام بين الأكراد والسنة والشيعة وتجنب الصراع في العراق على أساس العرق أوالدين.

ويرى جيفري، العضو في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، أنه: “يجب على أوباما أن يسمح للقوات الأمريكية أن تلعب دورًا أكثر أهمية في الحرب ضد تنظيم داعش، جنبًا إلى جنب مع القوات الكردية البشمركة والقبائل السنية، وإعطاء هاتين المجموعتين الضمان بأننا سنبقى هنا على المدى الطويل“.

وحتى لو أن الأكراد والعشائر السنية أبلوا البلاء الحسن في حربهم ضد تنظيم داعش، فبمجرد الانتهاء من الحرب ضد هؤلاء المتشددين: “سيكون الأكراد والسنة أمام نفس إغراءات الماضي: فالأكراد يريدون الاستقلال والسنة قد يتعاونون مرة أخرى مع مجموعة جهادية قادمة“، بحسب جيفري.

للولايات المتحدة حاليًا 2140 جندي في العراق، من بين 3.100 جندي الذين أذن أوباما بإرسالهم هناك، وفقًا للعقيد ستيف وارن، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية. علمًا وأن بقية القوات العسكرية ستتوجه إلى العراق في غضون الأسابيع المقبلة.

الشيعة والسنة والأكراد

حوالي 800 من هؤلاء الجنود هم لحماية السفارة الأميركية في بغداد ولحماية مسؤولين أمريكيين آخرين، في حين أن الباقي سيقوم بتدريب الجيش العراقي، بحسب ستيف وارن، الذي قال للصحفيين، في 5 يناير كانون الثاني، إن: “مجموعة صغيرة من 20 جنديًا من البحرية الأمريكية تم إلحاقهم بالقاعدة الجوية “عين الأسد” في محافظة الأنبار في العراق، معقل تنظيم داعش، هذه القاعدة التي يتم قصفها بشكل شبه يومي من الجماعات المسلحة“.

وتحاول الولايات المتحدة استقطاب العشائر السنية في مهاجمة تنظيم داعش، هذه العشائر التي لعب الكثير منها دورًا حاسمًا في ما يسمى بصحوة الأنبار، التي سمحت للولايات المتحدة بهزيمة القاعدة في العراق في عام 2006. وانقلبت القبائل فيما بعد ضد حكومة رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي (الشيعي) الذي رفض تأجير المقاتلين أو دمجهم ضمن القوات العسكرية العراقية بعد نهاية دائمة للعنف، مما مهد الطريق لظهور تنظيم داعش.

في حين أن رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي، شيعي ومرتبط ارتباطًا وثيقًا بإيران، إلا أنه تعهد علنًا بقيادة حكومة “منفتحة” على عكس سابقتها برئاسة المالكي، خلال الاجتماعات الخاصة التي عقدها مع المسؤولين، كما أعرب العبادي عن شكوكه حول فكرة إعطاء الثقة في زعماء العشائر السنية، وفقًا لمسئولين أمريكيين وأوروبيين.

وحتى لو أن الجماعة المسلحة هُزمت أو تم إيقاف توسعها وإضعافها، فإن تأثير مثل هذه النتيجة سيكون محدودًا: “ما لم تتمكن الولايات المتحدة من العمل مع الفصائل الرئيسة في العراق وحلفائها لإنشاء هيكل مستقر للتعاون بين الشيعة العرب والسنة العرب والأكراد“، بحسب أنتوني كوردسمان، الباحث في الأمن القومي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، مضيفًا أنه: “من المستبعد تحقيق ذلك“.

ولكن مثل هذه التسوية السياسية بين المجموعات المختلفة أصبحت أمرًا ضروريًا لمنع “ظهور تنظيم إرهابي جديد“، بحسب ما كتبه جيفري في مقال نشر له في أواخر ديسمبر كانون الأول على موقع معهد واشنطن.

وحتى لو منحت العراق بعض الحكم الذاتي للأكراد في الشمال، وتركت السنة يتمتعون بحريات مماثلة في المناطق العربية السنية من البلاد فإن ذلك: “سيتطلب تغييرًا ثقافيًا داخليًا، وضمانات دولية وقوة مراقبة خارجية“، كما يلاحظ جيفري.

ويقول كل من الجيش ووزارة الخارجية الأمريكية إن مثل هذه القوة لحفظ السلام أو للمراقبة ليست على جدول الأعمال. كما أعلنت إدارة أوباما أن 60 دولة تشارك في التحالف ضد تنظيم داعش، بما في ذلك العديد من الدول العربية مثل مصر والمملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة والكويت.

سابقة كوسوفو

وإذا كانت البلدان العربية تعتبر تنظيم داعش، الذي معظمه من السنة، على أنه يشكل تهديدًا لها، إلا أن هذا لم يمنعها من أن يكون لديها: “شكوك عميقة تجاه الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة، الذين هم تحت تأثير إيران، القوة الشيعية في المنطقة“، وفقًا لكوردسمان.

وهناك سابقة لقوة دولية لحفظ السلام والتي تدعمها الأمم المتحدة. كما قامت الهيئة الدولية بتجربة مماثلة في الماضي، من خلال بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو سنة 1999. وفي نهاية الحرب في عام 1999، أذن مجلس الأمن للأمم المتحدة إلى حلف شمال الأطلسي لإيفاد 50 ألف جندي في كوسوفو؛ لمنع انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الصرب والاشتباكات بين جيش تحرير كوسوفو والقوات اليوغوسلافية. وما يقرب من 4500 جندي من حلف الأطلسي قدموا من 30 دولة مختلفة ولا يزالون في كوسوفو حتى اليوم من أجل الحفاظ على السلام.

وخلافًا لحالات البلقان في أواخر التسعينيات، فإن وجود القوات الأمريكية في العراق على المدى الطويل من المرجح أنه قد يؤجل تدهور الوضع في المنطقة، كما يراه نيكولاس هراس، وهو باحث في مركز الأمن الأميركي الجديد.

مشاركة الولايات المتحدة: “في مثل هذه القوة لحفظ السلام من المرجح أن تكون مثيرة للجدل، نظرًا للخلفية التي لدى الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والغضب في المنطقة بسبب احتلال العراق خلال العقد الماضي”، بحسب هراس، الذي أضاف أن: “مثل هذه القوة لحفظ السلام سيكون لها أكثر فاعلية في سوريا لما تمثله من ضمان في المجال الأمني في فترة انتقالية لما بعد الأسد“، وفي هذه الحالة، يمكن لقوة متعددة الجنسيات الإشراف على: “نزع السلاح والتسريح وإعادة إدماج الميليشيات ومنع عودة تنظيم داعش في شمال وشرق سوريا، وذلك بعد القضاء على تنظيم داعش في كل أنحاء البلاد“.

ولكن سياسة إدارة أوباما، في ما يخص الملف السوري، لا تزال غير متماسكة؛ ما جعل القوات المتمردة المعتدلة تضعف ليتفوق عليها المتطرفون. ولا توجد قوة لحفظ السلام قادرة على السيطرة على الضغوط المتضاربة و”لا أحد لديه حقًا القدرة للتنبؤ بإمكانية أو كيفية انتهاء هذه الصراعات“، بحسب كوردسمان.

سليت الفرنسية – التقرير