الرئيس تشي جينبينج يتوجه إلى دافوس لحضور المنتدى الاقتصادي العالمي. ولعل رحلته تبين لنا فقط أن الرئيس الصيني استسلم إلى الغرور الذي يدفع النخب العالمية إلى استعراض حكمتهم خلال تناول المشروبات والمقبلات في منتجع التزلج السويسري الصغير. ومع ذلك، يخبرنا تصدر الرئيس تشي في اجتماع الشهر المقبل شيئا ما حول العالم. فالولايات المتحدة ترغب في التغاضي عن مسؤولياتها العالمية والصين ربما تستولي على هذا الشاغر لتتولى مركز الصدارة.
نادرا ما كانت الشعبوية التي استثارت غضب الغرب خلال عام 2016 صنوا للاضطرابات الثورية التي اجتاحت أوروبا في عام 1848. ورغم أنها انتهت بخيبة أمل مريرة بالنسبة للثوريين، إلا أن “ربيع الدول” في ذلك العام أصاب أسس النظام القديم. لكن متمردي اليوم يستولون على السلطة من خلال صناديق الاقتراع.
مع بذلك، جيل ما بعد الحرب الباردة الذي ركن إلى الاعتقاد بأن النظام والقدرة على التنبؤ هما جزء من حالة الطبيعة، هذا الجيل تعرض لهزة قوية للغاية. لم تعد السلطة في المكان الذي كنا نظن أنها تقطنه. حتى قبل أن تهدأ الأمور وتستقر حول الشعبوية الآخذة في الانتشار بسبب اختيار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، يمكننا أن نرى مشهدا مختلفا آخذا في التشكل.
لا تزال الولايات المتحدة تثير تخمينات الجميع. فكل ميل نحو اتخاذ موقف أكثر اعتدالا حول الشؤون الداخلية أو الدولية تقابله تغريدات غاضبة تنشر في وقت متأخر من الليل. لم يتهم أي أحد قط الشعبويين بشن حملات باستخدام الشعر. ومع مرور الوقت، يبدو الأمر حتى أقل احتمالا بأنهم يريدون السيطرة على الحكم من خلال النثر.
وسط هذه الانحرافات ووابل التغريدات، هناك واحد أو اثنان من الثوابت. سيدفع أصحاب المليارات ضرائب أقل وستكون السياسة الخارجية قومية بلا خجل. وجماعة الأمريكيين الذين يرون أن القواعد العالمية والتحالفات الثابتة هي عبارة عن شكل من أشكال الطرح، بدلا من أن تكون شكلا من أشكال الإضافة، للقوة الأمريكية. التعددية السياسية هي لضعاف القلوب. ولم تعد المسائل الجيوسياسية تختلف عن الأعمال التجارية. آن الأوان لإبرام الصفقات.
من الصحيح، بالطبع، الاعتقاد بأن الولايات المتحدة يمكنها جدا المحافظة على موقفها في عالم تحل القوة فيه مكان القواعد كعملة متداولة للعلاقات الدولية. لا تزال الولايات المتحدة تمثل القوة العظمى الوحيدة – النقطة المرجعية للسياسة الخارجية الخاصة بالجميع. من ناحية أخرى، من غير المحتمل أن يعمل تجاهل الحلفاء وإبرام صفقات مع أمثال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على النهوض بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية.
وهنا تكمن الفرصة السانحة لتشي في مؤتمر دافوس. فمنذ زمن طويل والصين لا تثق بالنظام السائد بعد انتهاء الحرب الباردة. لكن الولايات المتحدة هي التي تسدل الستار الآن على شعار “السلام على الطريقة الأمريكية”، من خلال تبني سياسات أمنية وتجارية تحت شعار “أمريكا أولا”، ولم تعد دعوة بكين لإيجاد “أنموذج جديد من العلاقات الدولية” تبدو وكأنها محاولة لقلب النظام الليبرالي الغربي.
بل على العكس من ذلك، تستطيع الصين أن تجعل من نفسها وصيا على الحوكمة العالمية وحاملة شعلة النظام التجاري المفتوح. يترأس تشي اتفاق باريس حول التغير المناخي، ويدافع عن الاتفاق النووي الخاص بالمجتمع الدولي مع إيران، ويوسع نطاق تحرير التجارة في آسيا، وفجأة تجد يا سلام! الشخص السيئ يتحول فجأة إلى شخص طيب. أما بالنسبة للمناورات العسكرية التي تجريها الصين في بحر الصين الجنوبي، فإن هناك شخصا آخر هو الذي يهدد الآن بإحداث انقلاب في التفاهم الأمريكي الصيني الذي دام لعقود طويلة والذي حافظ على وجود السلام في مضيق تايوان.
الخطوة الأولى لفهم الانهيار الذي أصاب النظام العالمي تتمثل في أن المشهد الجيوسياسي الجديد لن يسير في خطوط مستقيمة. فهناك ترتيب منسق يتعلق بالتعددية السياسية، وهو ترتيب يتعرض الآن للاختفاء في الوقت الذي تذهب فيه القواعد المشتركة وتحل محلها عمليات الأخذ والرد بين القوى المتنافسة. ربما تتخيل واشنطن تكتلا خاصا يضم كلا من الولايات المتحدة والصين وروسيا. المشكلة هي أن مصالحهم تتصادم أكثر مما تتزامن. وإبرام صفقة مع بوتين حول الوضع في سورية من شأنه أن يجعل الولايات المتحدة تسلم راية النصر إلى إيران. والتخلي عن صفقة التجارة الخاصة بالشراكة عبر الباسفيك سيشجع حلفاء أمريكا الإقليميين على التكامل والاندماج اقتصاديا مع الصين.
كلا، سيكون النظام الجديد حافلا بأمور صعبة، ومواثيق إقليمية وتحالفات متداخلة، أحيانا متناقضة. ستطالب الهند بوجود مكان لها هناك. وكذلك أوروبا.
ماذا عن حلفاء الناتو. من الغباء القول إن أوروبا ستستمر في مواجهة الاضطرابات الداخلية التي تعصف بها في عام 2017. لم يعد النمو سريعا بما يكفي لتهدئة غضب الذين تخلفوا بسبب العولمة، والهجرة تزود الشعوبيين بالذخيرة، وسيعمل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على امتصاص الطاقة السياسية. تأمل مارين لو بن، زعيمة الجبهة الوطنية المعادية للأجانب في فرنسا، وهي تسخر الزخم اليوم على غرار أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي في محاولتها الوصول إلى الرئاسة في قصر الإليزيه.
فيما لو انتصرت لو بن في الانتخابات الرئاسية، ربما تزداد حدة اللعبة. هناك سيناريو آخر معقول وإن لم يكن محتملا حتى الآن، نجد فيه بداية لنهضة أوروبية يسير فيها الانتعاش الاقتصادي بوتيرة سريعة وتستقر الهجرة. الأهم من ذلك، سيعيد انتصار المرشح الجمهوري، فرانسوا فيون، في فرنسا وحصول المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، على فترة ولاية رابعة المحرك الفرنسي – الألماني للتعاون الأوروبي.
في كلتا الحالتين، ليس هناك مجال لوجود الأناقة في التصميم الجديد للعالم. رغم ذلك، هناك فرصة سانحة للصين. فالنظرية الجيوسياسية التقليدية تفيد بأنه، في حالة وجود تصادم بين القوى الراسخة والقوى الآخذة في الظهور، القوة المبتدئة هي القوة التي تزعزع الاستقرار. عندما تجتمع نخب دافوس في احتفالها السنوي الذي تهنئ فيه بعضها بعضا بأن يربت كل واحد على ظهر الآخر، سيكون من قبيل المفارقة لو ظهر الرئيس تشي وكأنه الصوت الذي ينادي بالاستقرار.
نقلا عن الاقتصادية