يرى محللون أن سيطرة قوات النظام السوري على مدينة حلب ستشكل تحولا جذريا في مسار الحرب، إذ تضع دمشق على طريق تحقيق هدفها باستعادة كافة البلاد فيما سيصعب على الفصائل المعارضة تعويض خسائرها.
ويقول الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن للأبحاث فابريس بالانش للصحافة الفرنسية “حلب هي المنعطف الحقيقي للحرب. إنها بمثابة ستالين غراد”، في إشارة إلى المدينة الروسية التي قاومت ستة أشهر حصار القوات الألمانية، إلى أن منيت الأخيرة بخسارة فادحة غيرت مسار الحرب العالمية الثانية. ويعتقد بالانش أن فصائل المعارضة ستخسر الكثير بسقوط حلب بل إنها “ستفقد شرعيتها”، ويضيف قوله “لقد انتهت أسطورة الفصائل المعارضة المعتدلة في حلب والقادرة على تقديم بديل سياسي وعسكري”.
وكانت مدينة حلب قد انقسمت إلى أحياء شرقية تسيطر عليها الفصائل المعارضة وأخرى غربية تسيطر عليها قوات النظام مع تحول حركة الاحتجاجات في سوريا إلى نزاع مسلح منذ سنة 2012. وتمكنت قوات النظام في هجومها الأخير الذي بدأ نوفمبر الماضي من السيطرة على 85 بالمئة من تلك الأحياء. ويرى كبير الباحثين في مركز كارنيغي للشرق الأوسط يزيد الصايغ، أن السيطرة على مدينة حلب “ستشكل إنجازا للنظام، وقد حقق مبتغاه فعليا حتى وإن لم يسيطر على كامل المدينة بسرعة”.
ويضيف “حلب لم تعد معقل المعارضة” خاصة إذا بدأت قوات النظام بإحكام قبضتها على المدينة وقطع جميع الطرق الدولية المؤدية إليها. وفي حال استعاد النظام كامل حلب، يكون قد أمسك بمفاتيح مفاوضات السلام المحتملة بعد فشل ثلاث جولات من المحادثات غير المباشرة خلال السنة الحالية بإشراف الأمم المتحدة. ويقول الصايغ إن السيطرة على حلب “مهمة جدا أيضا على الصعيد السياسي”، فضلا عن أنها “ستكسر ظهر المعارضة المسلحة ويصبح من الممكن أخيرا تجاوز التفكير بإمكانية الإطاحة بالنظام عسكريا”.
وسيقتصر وجود فصائل المعارضة إلى جانب محافظة إدلب (شمال غرب)، على بعض المناطق في درعا (جنوب) التي كانت مهد الانتفاضة ضد النظام وفي ريف دمشق حيث تراجعت الفصائل أيضا مع خسارة اثنين من معاقلها داريا ومعضمية الشام. وفي حال استعاد كافة مدينة حلب، سيصبح بإمكان النظام التباهي بسيطرته على المدن الثلاث الرئيسية دمشق وحمص وحلب، فضلا عن الجزء الأكبر من “سوريا المفيدة”، أي غرب البلاد، أما الجزء الأكبر مما تبقى فهو عبارة عن مناطق صحراوية.
ولفت مدير أبحاث الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس إلى أنه “فور اقتناع المجموعات المسلحة بأن أيام التمرد قد باتت معدودة، فإنها ستصبح مستعدة للتفاوض على الاستسلام”. ومن شأن السيطرة على حلب أن تفسح المجال أمام 30 ألف مقاتل من قوات النظام لشن عمليات عسكرية جديدة على جبهات أخرى، بحسب بالانش. وبالتالي فإن فقدان المعارضة لحلب، المدينة الرمز، التي سمحت السيطرة على بعض أحيائها عام 2012 بأن تطرح نفسها كبديل لقوات النظام.
ويضيف كبير الباحثين في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أن السلطات السورية ستثبت أنها “في وضع يمكنها من إعادة فتح الطريق الذي يربط الحدود الأردنية (جنوبا) حتى الحدود التركية تقريبا (شمالا)”. ويعتبر الخبير في الشؤون السورية فابريس بالانش أن عمليات “الاستسلام (في صفوف المسلحين) ستتضاعف حول أنحاء دمشق، خصوصا في الغوطة”، معقل المعارضة شرق العاصمة. موضحا أنها تظل دوما البلدة الرئيسية في المنطقة و”لن تعاني المصير ذاته لحلب الشرقية” كونها دمرت تماما جراء القصف.
ويبقى أمام قوات النظام خياران اثنان وفق ما يرى المحللون، الخيار الأول هو التقدم شرقا باتجاه مدينتي الباب والرقة حيث تنظيم الدولة الإسلامية، أما الخيار الثاني فهو باتجاه الغرب أي باتجاه محافظة إدلب، وفي هذا الإطار يرى بلانش أن النظام لن يترك مدينة الباب للأتراك “فهي قريبة جدا من حلب وقد تفتح الطريق أمام الفصائل المعارضة باتجاه الرقة”.
صحيفة العرب اللندنية