كان لحضور رئيسة وزراء بريطانيا في مؤتمر قمة الخليج انعكاساً واسعاً في وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية، رافقتها ردود أفعال غاضبة في الغالب، إلا أن ردة فعل وزير الخارجية الإيراني والأدبيات غير الديبلوماسية التي استخدمها كانت مثيرة للاستغراب عندما حط من شأن تيريزا ماي وتهجم على قمة الخليج بسبب توجيهها دعوة لـ”امرأة” من أجل دعم “أمن الخليج” قائلا “يأتون بامرأة لتساهم في الدفاع عن أمنهم”.
تصريحات وزير خارجية إيران تظهر العقلية المعادية للمرأة لدى محمد جواد ظريف رغم تمثيله الانفتاح المدعوم عادة بابتسامة عريضة عودنا رؤيتها كلما ظهر أمام المصورين ووسائل الإعلام.
لم يستطع ظريف أن يتمالك نفسه كرئيس للديبلوماسية الإيرانية فكشف عن مدى الغضب الذي انتاب كبار المسؤولين الإيرانيين إثر حضور رئيسة وزراء بريطانيا في قمة الخليج التي انعقدت في العاصمة البحرينية وأكدت “أن أمن الخليج هو أمن بريطانيا” وذهب ظريف في رده على تيريزا ماي إلى وصف تصريحاتها بـ”الثرثرة”.
أسباب غضب الإيرانيين
لكي ندرك أسباب غضب المسؤولين الإيرانيين نعيد تسليط الضوء على فعاليات القمة الخليجية الـ37 من خلال كلمة تيريزا ماي التي قالت: “سنساعد الخليج على التصدي لعدوان إيران”، وشددت على أن “أمن الخليج هو أمن بريطانيا أيضاً”، وأضافت أن “هناك تهديداً واضحاً من قبل إيران لدول الخليج، لذا علينا بناء خطة استراتيجية تجاه تلك المسألة “.
وفي مقابلة خاصة مع “العربية” بثت يوم الأربعاء الماضي، أكدت رئيسة الوزراء البريطانية، أن “حفظ أمن الخليج وازدهاره هو حفظ لأمن بريطانيا وازدهارها”، وأضافت “نحن نتابع بعين فاحصة ونظرتنا لإيران واضحة جدا”، وردا على سؤال حول قلق دول الخليج إزاء التدخلات الإيرانية قالت “نحن نشاطر هذا القلق إزاء الأنشطة المؤذية التي تمارسها إيران وتدخلها في أرجاء كثيرة في المنطقة” وقالت ردا على سؤال آخر “أعتقد أنه من المهم أيضا أن نواصل التصدي لأنشطة إيران المؤذية” وأوضحت قائلة إن “الدول الخليجية شريك استراتيجي بالنسبة لنا، أما إيران فهي ليست بالشريك”.
استدعاء السفير البريطاني في طهران
وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا” أن وزارة الخارجية الإيرانية استدعت، السبت الماضي، السفير البريطاني بطهران، نيكولاس برتون، احتجاجاً على تصريحات ماي خلال الكلمة التي ألقتها في قمة مجلس التعاون.
ومن جهته، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، إن بلاده أبلغت السفير البريطاني بأنها تعتبر “هذه التصريحات تتناقض مع تطوير العلاقات المعلنة بين طهران ولندن، ومن شأنها أن تمسّ العلاقات بين البلدين أكثر من أي وقت مضى”، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية.
الإنجلوفوبيا الإيرانية
مما لا شك فيه أن تصريحات تيريزا ماي كانت تتسم ببالغ الدقة والحساسية وما يزيد من غضب المسؤولين الإيرانيين تجاه هذه التصريحات له جذور في تفشي ظاهرة “الإنجلوفوبيا” في إيران منذ بداية القرن الماضي، حيث يمكن القول إنه لو كان مسؤول غربي آخر حضر القمة لما شاهدنا مثل هذه الردود الغاضبة، ولفهم هذه الظاهرة نقرأ تعليق وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان حيث قال: “إن إنجلترا تتصور بأنها بدأت مرحلة جديدة يمكنها إحياء بريطانيا السابقة وتتواجد مرة أخرى في أماكن مختلفة من العالم”.
ورغم أن بريطانيا لم تستعمر إيران بشكل مباشر ولكن كان للإمبراطورية البريطانية نفوذ واسع في هذا البلد مما جعل ظاهرة “الرهاب البريطاني” تتفشى ليس بين الإيرانيين العاديين فحسب بل بين النخب السياسية أيضا، حيث تنسب في إيران الكثير من الأحداث في العالم إلى بريطانيا وخير دليل على ذلك مسلسل إيراني معروف باسم “الخال العزيز نابليون” وقد كتب سناريو هذا المسلسل وفقا لرواية تحمل نفس الاسم باللغة الفارسية للكاتب الساخر “إيرج بزشكبور”، حيث كان بطل المسلسل يقول كلما يواجه مشكلة في حياته أو حياة أسرته أو أقاربه “هذا من فعل إنجلترا”، وبلغ الرهاب البريطاني في المجتمع الإيراني ذروته لدرجة أن الكثيرين نسبوا سقوط الشاه إلى خطة بريطانية.
ولكن بالرغم من الرهاب البريطاني في إيران فإن بريطانيا حقا تشعر بأهمية دول الخليج العربية على المستوى السياسي والاقتصادي، فموقف بريطانيا ينطلق من هذه الأهمية التي لا يمكن لأي جهة أن تنكرها أو تتجاهلها.