أمس، أكد دونالد ترامب اختياره ريكس تيلرسون ليكون وزير خارجيته. هذا الأخير تنقصه التجربة السياسية مثل ترامب، ولكن تجمعه معه الخبرة التجارية والاقتصادية، الأمر الذي كان وراء تبرير الرئيس المنتخب لتعيينه، على اعتبار أنه صانع صفقات و«لاعب على مستوى عالمي». وفي انتظار تبلور مسيرته السياسية، يبقى أن كل ما جرى التركيز عليه خلال اليومين الماضيين، هو العلاقة الوطيدة التي تجمع بين تيلرسون وفلاديمير بوتين
نادين شلق
أخيراً، حسم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الجدل والتكهنات بشأن الشخصية التي ستتبوّأ منصب وزير الخارجية في إدارته المقبلة: رجل الأعمال ريكس تيلرسون (64 عاماً). اسم تداولته وسائل الإعلام الأميركية قبل ثلاثة أيام فقط، حين برز ليثير مفاجأة بطرحه، بعدما كانت بورصة الأسماء لشغل هذا المنصب تتضمن شخصيات ذات خبرة عالية في مجال السياسة والدفاع. ولكن أسهمه تخطّت أسهم كلّ من المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية لعام 2012 ميت رومني، والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية ديفيد بترايوس، والمندوب الأسبق لدى الأمم المتحدة جون بولتون الذي يُروَّج اسمه حالياً لمنصب نائب الوزير.
خيار ترامب الأخير ليس معزولاً عن خياراته السابقة، بل هو مكمّل لها ويتناسب مع إدارته المستقبلية التي ستتألف بغالبيتها من رجال أعمال يشغلون المناصب الاقتصادية والسياسية، والجنرالات الذين سيخوضون غمار الحلبات الاستشارية والدفاعية والشؤون الأمنية. وإن كان ترامب يفضّل التفاوض والنقاش مع هؤلاء في قضايا عدة، فهو يجد نفسه أقرب إلى رجال الأعمال في أخرى، خصوصاً السياسية منها، نظراً إلى التقارب بينهم في وجهات النظر والرؤى التجارية لمختلف القضايا. ويمكن استخلاص ذلك من كلام ترامب نفسه عن خلفية اختياره لتيلرسون.
قدّم بوتين لتيلرسون
في عام 2013 وِسام
الصداقة
بدأت مسيرة هذا الأخير المهنية في عام 1975، عندما انضم إلى شركة «إيكسون» كمهندس للإنتاج، وتدرّج منذ ذلك الوقت في المناصب إلى أن تسلّم الإدارة التنفيذية ورئاسة مجلس إدارة شركة «إكسون موبايل» في عام 2006. وفيما يشكل نقص خبرته في الدبلوماسية الخارجية قاسماً مشتركاً بينه وبين ترامب، فقد كانت خبرته في مجال إدارة «إيكسون موبايل» أكثر ما دفع الرئيس المنتخب إلى تفضيله على غيره.
وانطلاقاً من واقع أن «إيكسون موبايل» لديها أعمال في أكثر من 50 دولة، يعتمد أساس معرفة تيلرسون بالدبلوماسية الخارجية على خبرته وسفره في جميع أنحاء العالم. من هنا، فإن كل ما يهمّ ترامب هو رحلاته وعقد الصفقات، إذ أشاد به، معتبراً أنه «لاعب من الطراز العالمي»، وأعرب عن إعجابه بطريقته في إدارة الشركة. ورأى في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز»، أمس، أنه «أكثر من مدير أعمال»: «بالنسبة إليّ فإن الميزة الكبرى هي أنه يعرف العديد من اللاعبين، وهو يعرفهم جيداً. هو يقوم بعقد صفقات ضخمة مع روسيا… يقوم بعقد صفقات ضخمة ليس من أجله، ولكن من أجل الشركة».
روسيا هي الكلمة المفتاح في هذا المجال؛ فمنذ أن ظهر اسم تيلرسون إلى العلن، استدار الإعلام الأميركي إلى «الصداقة» التي تجمعه برئيسها فلاديمير بوتين، والتي تعود إلى الحقبة التي مثّل خلالها تيلرسون مصالح «إيكسون» في روسيا، أثناء ولاية بوريس يلتسن. وفي هذا السياق، قال رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (تيلرسون عضو في مجلس إدارته) إن وزير الخارجية المقبل «كان لديه تفاعل مع فلاديمير بوتين أكثر من أي أميركي آخر، باستثناء ربما هنري كيسنجر». وقد يكون أكبر دليل على ذلك، تقديم بوتين وسام الصداقة إليه، في عام 2013.
فضلاً عن ذلك، أشارت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية إلى أن تيلرسون صديق لإيغور سيتشين، رئيس شركة «روس نفط» المملوكة للدولة، والذي وصفته بأنه «ثاني أقوى رجل في روسيا بعد بوتين». وفي عام 2011، وقّعت «إيكسون موبايل» اتفاقاً مع «روس نفط» من أجل التنقيب عن النفط والإنتاج المشترك. ومنذ ذلك الحين، أقامت الشركتان 10 مشاريع في روسيا. ولكن العقوبات ضد موسكو ربطاً بتدخلها في جزيرة القرم كلّف «إيكسون موبايل» الكثير، وأدى إلى إلغاء بعض المشاريع، وإلى خسائر بمليار دولار على الأقل. حينها كان تيلرسون من أبرز منتقدي العقوبات.
وفي مواجهة الهجمة الإعلامية ضد اختيار تيلرسون، حرص فريق ترامب الانتقالي على الرد على كل التصريحات التي تتعلق بعلاقته مع روسيا. وفي مقابلة مع شبكة «سي ان ان»، قال جايسون ميلر (أحد أعضاء فريق ترامب) إن «ما أدافع عنه هو حقيقة أن الرئيس قد اختار وزيراً للخارجية سيقف ويمثلنا أفضل تمثيل على الساحة الدولية»، مشيراً إلى أن «ريكس تيلرسون هو شخص وقف وقال لبوتين لا»، من دون أن يزيد أي تفاصيل. وأكد أن تيلرسون «سيعمل على الترويج لمناخ جيوسياسي مستقر»، موضحاً أنه «سيعمل على إيجاد المكان حيث يمكننا أن نعمل مع دول أخرى من أجل دحر الإسلام الراديكالي وداعش». كذلك رأى أنه «شخص يفهم أهمية المناخ الجيوسياسي المستقر، حيث يمكننا أن نساعد في تنمية الاقتصاد ونهتم بأمن الإنسان».
مع ذلك، ليست كل الرؤى متطابقة بين ترامب وتيلرسون، فهو يؤمن بأن البشر ساهموا في التغيير المناخي، الأمر الذي كان ترامب قد وصفه بـ«الخدعة» التي أنشأها الصينيون من أجل «جعل الصناعة الأميركية غير قادرة على المنافسة». كذلك فإنه يعدّ من أبرز الداعمين للتجارة الحرة، فيما يدعم ترامب زيادة الحمائية والتعريفات.
أخيراً، وفي انتظار موافقة الكونغرس على تسمية تيلرسون من عدمها، ينصبّ اهتمام المراقبين على من سيشغل منصب نائب وزير الخارجية، في ظل تصدّر جون بولتون الأسماء المطروحة. وانطلاقاً ممّا تقدم من تقدير لتجربة تيلرسون، يرى البعض أن بولتون، الدبلوماسي السابق وأحد قدماء وزارة الخارجية، قد يكون نائباً ذا نفوذ قوي بوجود وزير لديه خبرة قليلة جداً في مجال إدارة السياسة الخارجية.