واشنطن – يلقي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بتصريحات متناقضة بشأن سوريا كان آخرها الدعوة إلى إقامة مناطق آمنة في سوريا، ما يعكس غياب استراتيجية واضحة لفريق عمله الذي ضم الكثير من العسكريين. وما حققته هذه الاستراتيجية إلى حد الآن أنها زادت في توسيع دائرة أعداء الولايات المتحدة.
يأتي هذا فيما تستمر إيران وحلفاؤها في فرض شروطهم للسماح بتنفيذ اتفاق إجلاء المدنيين من مدينة حلب المحاصرة.
وأعلن ترامب السبت أن نهج السياسة الخارجية الأميركية سيتغير بعد قدوم إدارته إلى السلطة، في إشارة واضحة إلى التخلي عن استراتيجية سلفه باراك أوباما.
وقال الرئيس الأميركي المنتخب إن إدارته ستعمل على إقامة “مناطق آمنة” لمحاولة مساعدة المدنيين المحاصرين في الصراع السوري، لكن أوباما قال إن الفكرة من الصعب للغاية تطبيقها.
وأضاف ترامب الذي يحل محل أوباما يوم 20 يناير 2017 “سنحاول أن نصلح ذلك وسنحاول مساعدة الناس”.
وقال لأنصاره خلال تجمع في فلوريدا “سنعمل على إقامة مناطق آمنة.. سنجعل دول الخليج تدفع أموالا لإقامة مناطق آمنة”.
لكن أوباما قال للصحافيين في وقت سابق إن الفكرة تمثل “تحديا مستمرا” لأن المناطق الآمنة ستطلب حماية من قوات برية وهو أمر من غير المرجح أن توافق عليه الحكومة السورية وحلفاؤها في موسكو وطهران.
واعتبر مراقبون أن الدعوة لإنشاء مناطق آمنة في سوريا، يخالف ما سبق أن صرح به ترامب نفسه بقوله إنه من الحماقة البحث في إمكانية خروج الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة.
وأشار ترامب خلال حملته إلى أن مهمته الاستمرار بالحرب على داعش، وأنه يرفض إسقاط الأنظمة بالقوة، في إشارة إلى الأسد.
ولفت المراقبون إلى أن التلويح بإقامة مناطق آمنة سيعني آليا إغضاب روسيا التي يسعى ترامب للتعاون معها في ملفات الشرق الأوسط. كما أن في ذلك تحديا لإيران والأسد، وأن أميركا لا تجد على الأرض الوسائل الكافية لإقامة تلك المناطق ما قد يعرّض عناصرها الموجودة في سوريا لاشتباك غير متكافئ.
وحذر أوباما من هذه المحاذير حين قال إن الأمر سيتطلب “نشر أعداد كبيرة من القوات الأميركية على الأرض دون أن توجه لهم دعوة ومن دون تفويض من القانون الدولي”.
وألقى أوباما باللوم على الرئيس السوري بشار الأسد في سفك الدماء قائلا “المسؤولية عن هذه الوحشية تقع في مكان واحد: نظام الأسد وحليفتاه روسيا وإيران.. هذه الدماء وهذه الفظائع تلطخ أياديهم”.
وتساءل متابعون للشأن السوري عمّا يجعل ترامب يدعو دول الخليج إلى تمويل فكرة إقامة المناطق الآمنة، رغم أن هذه الدول بمنأى عن مجريات الصراع.
وانتقد الباحث السعودي عبدالعزيز التويجري، فكرة ترامب بإنشاء منطقة عازلة في سوريا بأموال خليجية. وتساءل في تغريدة عبر حسابه الشخصي على تويتر “لماذا لا تمولها روسيا وإيران فهما أول المسؤولين عن مأساة سوريا؟”.
ويرى محللون أن الرئيس الأميركي المنتخب لا يمتلك استراتيجية واضحة قادرة على تجاوز مخلفات استراتيجية سلفه أوباما التي جعلت واشنطن تتراجع إلى الخلف وتسلّم مهمة إدارة الملف السوري لموسكو.
واعتبر هؤلاء المحللون أن مهمة ترامب ليست في إثارة غضب الخليجيين أو إيران، وما تعنيه من إلقاء المسؤولية في تجاوز غياب التأثير الأميركي في سوريا على أطراف خارجية، وإنما البحث عن صياغة رؤية توسع دائرة الأصدقاء للمساعدة على إيجاد حل جديّ للأزمة.
ولفت الخبير الأميركي أندرو تابلر إلى أن التحدي الأول أمام إدارة ترامب يتمثل في كيفية العمل بدهاء وحيلة على تفرقة روسيا وإيران في سوريا.
وأوضح تابلر في مقالة نشرت في صحيفة “أتلانتيك” أن الموقف السلبي لإدارة أوباما من حصار حلب عكس من جديد “عجز الولايات المتحدة عن تحقيق أهدافها، وهي خسارة مدمرة أخرى تُمنى بها السياسة الأميركية بشأن سوريا”.
وفي غياب أيّ تأثير أميركي في المدينة المحاصرة، نجحت إيران وحلفاؤها في فرض رؤيتهم لتنفيذ اتفاق إجلاء المدنيين.
وقال الإعلام الحربي التابع لحزب الله اللبناني السبت إن هناك حافلات ستستخدم لإجلاء المدنيين من قريتين محاصرتين في محافظة إدلب في طريقها قادمة من حلب.
وكانت عمليات الإجلاء من المناطق التي مازالت المعارضة تسيطر عليها شرق حلب قد توقفت الجمعة بسبب مطالب من ميليشيات حليفة لإيران بإجلاء أفراد من قريتي الفوعة وكفريا المحاصرتين بمقاتلين من المعارضة.
واتهم مسؤولون بالمعارضة السورية إيران ومسلّحين تابعين لها بتعطيل اتفاق إجلاء مدنيين محاصرين في حلب.
وقال منير السيال رئيس الجناح السياسي لجبهة أحرار الشام المعارضة إن إيران تصر على السماح بخروج أناس من قريتي الفوعة وكفريا المحاصرتين قبل إجلاء سكان حلب.
وأضاف أن روسيا “فشلت في ضبط الميليشيات الطائفية في حلب لإتمام الاتفاق وعليها الالتزام بتعهداتها”.
وأشار السيال إلى أن “الأدوات الطائفية لإيران تنتهز الحالة الإنسانية لأهلنا في حلب المحاصرة وتمنع خروج المدنيين حتى يتم إجلاء مجموعاتها من الفوعة وكفريا”.
العرب اللندنية