بغداد – يحاول مكتب المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، سد الفراغ الذي تغرق فيه عائلات ضحايا ميليشيات الحشد الشعبي، التي ينحسر الاهتمام بها يوما بعد آخر.
وتراجع مستوى اهتمام فصائل الحشد الشعبي بعائلات عناصرها الذين يقتلون ويجرحون في المعارك التي تدور ضد تنظيم داعش، بسبب الزيادة الكبيرة في أعداد القتلى والجرحى، مقابل ندرة الأموال.
وقبل نحو عام من الآن، كانت عائلة المتطوع في الحشد الشعبي، الذي يقتل أو يجرح في المعارك، تحظى برعاية مباشرة من قيادات الفصائل ولجان متخصصة فيها بمتابعة هذا الملف.
وكانت عائلة القتيل تحصل على منحة مباشرة من قيادة فصيله تبلغ نحو ألفي دولار، مع تحمل تكاليف الدفن وإقامة العزاء، فضلا عن مرتب ثابت، وهدايا عينية كثيرة.
ونقلت تقارير إعلامية تشييع جثامين قتلى الحشد الشعبي وكانت فرصا لاستعراض القوة، وغالبا ما كانت قيادات بارزة حريصة على حضور الجنازات.
غير أن تزايد أعداد القتلى في صفوف الحشد الشعبي، أسهم في تراجع الموارد المالية، ما جعل التعويضات التي تتحصل عليها أسر القتلى تنحسر إلى ما دون 400 دولار فقط، تدفع لها لدى تسليمها الجثة، في مطار المثنى العسكري وسط بغداد.
ويؤكد مراقبون للوضع الميداني أنه أصبح يتعين على عائلات قتلى الحشد اللجوء إلى الدوائر الرسمية للحصول على حقوقها، فيما يندر حاليا ظهور قيادات الحشد في مراسم تشييع قتلى الفصائل المختلفة، بينما يقبع الجرحى في مستشفيات حكومية داخل العراق، في ظروف رعاية صحية بائسة.
التطورات الميدانية الأخيرة في مواجهة داعش خلقت مجتمعا من المعوزين، فاقدي السند، وتذمرا شعبيا واسعا
وخلق هذا الواقع الجديد مجتمعا من المعوزين، فاقدي السند، وتذمرا شعبيا واسعا، ما دعا مكتب السيستاني إلى تكليف لجنة من الحوزة العلمية في النجف، لجرد جميع عائلات ضحايا الحشد الشعبي في العراق، ومحاولة تعويضها، أو إيجاد مصادر إعالة لها.
وتقدر إحصاءات غير رسمية، أعداد قتلى الحشد الشعبي في العراق، منذ 15 يوليو 2013 وحتى 30 نوفمبر 2016 بنحو 15 ألفا، وضعفهم من الجرحى.
وتقول مصادر مطلعة إن القوائم الرسمية للحشد الشعبي تحتوي على أسماء 105 آلاف متطوع في هذه القوة، معظمهم من محافظات الجنوب والوسط، في حين أن أعداد المقاتلين المنتشرين فعليا في الميدان يزيد على 140 ألفا، ما يعني وجود نحو 35 ألف مقاتل في الحشد، غير مسجلين في قوائمه، وحقوقهم عرضة للضياع في حال تعرضهم لأي إصابات.
وتؤكد مصادر أن الجهات الرسمية في العراق لا تتحرك بشكل جدي يساعد في تلبية حاجيات ذوي القتلى.
ويقول هؤلاء إن إتمام عملية توجيه مساعدات لذوي أحد القتلى قد تستغرق نحو عام كامل، بسبب الفساد وسوء الإدارة.
في حين لا يمكن لقتلى الحشد الذين لم تسجل أسماؤهم على قوائمه، الحصول على مرتبات ثابتة، بل معونات مقطوعة فحسب.
ووجه مكتب السيستاني، جميع معتمديه في محافظات العراق، بإذاعة تعميم في المساجد والحسينيات، يدعو ذوي قتلى قوات الحشد إلى المراجعة وتقديم الوثائق اللازمة، للحصول على معونات مالية.
ويدفع المكتب نحو 80 دولارا، شهريا، لكل فرد في عائلة قتل معيلها في المعارك ضد تنظيم داعش.
وعكس فصائل الحشد الشعبي، لا تواجه مرجعية النجف أزمة مالية في تعويض ذوي الضحايا، في ظل تنوع مصادر تمويلها، من خمس الزكاة الشرعي، إلى الاستثمارات في مجالي الصحة والغذاء، فيما تعتمد الفصائل المسلحة في الحشد على تمويل حكومي محدود، ودعم إيراني مشروط، وتحصيلات مالية من تجار عراقيين بطرق مثيرة للجدل.
وتتحدث أوساط شيعية مقربة من مرجعية النجف عن إمكانية أن تؤدي هذه الظاهرة إلى انحسار شعبية قيادات فصائل الحشد الشعبي، ولا سيما تلك التي تدور في فلك إيران، في حين ربما تشكل فرصة تساعد المرجعية الدينية على استعادة مكانتها في الأوساط الشعبية.
كما تتحدث هذه الأوساط على أن هذه العوامل مجتمعة ستحد من قدرة هذه الميليشيات على استقطاب مقاتلين جدد في صفوفها.
ويؤكد خبراء أن إقرار مجلس النواب العراقي، نهاية الشهر الماضي، قانون الحشد الشعبي الرامي إلى إضفاء الصبغة الرسمية على تلك الميليشيا ومعاملتها كقوات عراقية رسمية، جاء في سياق ضغط تلك الميليشيات بعد تآكل مقدراتها المالية.
وبموجب ذلك القانون، ستصبح فصائل وتشكيلات الحشد الشّعبي “كيانات قانونية تتمتّع بالحقوق وتلتزم بالواجبات باعتبارها قوّة رديفة وساندة للقوات الأمنية العراقية، ولها الحق في الحفاظ على هويتها وخصوصيتها مادام ذلك لا يشكل تهديدا للأمن الوطني العراقي”.
العرب اللندنية