اسم المقالة الأصلي (بالإنكليزية) | In Aleppo, I Saw Why Assad Is Winning |
الكاتب | باراك بارفي: زميل في مؤسسة أميركا الجديدة ومتخصص في الشؤون العربية والإسلامية |
مكان وتاريخ النشر | مجلة بوليتيكو02 كانون الأول/ ديسمبر 6201 |
رابط المقالة | http://www.politico.com/magazine/story/2016/12/aleppo-syria-assad-214494 |
المترجم | محمد شمدين |
الموالون للأسد
يحكي الحي الصناعي في الليرمون، في شمالي غرب حلب قصة هذه الحرب. كان هنا نحو 1200 معمل ومصنع، نُهبت ودُمّرت تمامًا، وخلَّفت تلالًا من الإسمنت وقضبان الحديد الصّدِئة، وخزّانات المياه المطوية وراءها. كان صخب المصانع وأنين آلات الغزل يملأ المكان، إلا أنه الآن لا تُسمَع إلّا أصوات دويّ المدافع. منذ أسابيع في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر كانت زيارتي للمدينة المحاصرة، جيش النظام السوري مع حلفائه قاموا بهجوم واسع يوشك على أن يعيد سيطرته على النصف الشرقي من مدينة حلب التي كانت منذ أربع سنوات تحت سيطرة الثوار، حيث أدّت الغارات الجوية الكثيفة إلى فرار أكثر من 20 ألفًا من المدنيين من مدنية الصناعة ثاني أكبر المدن السورية.
“ستون في المئة من تلك المصانع كانت معامل للنسيج، كالخياطة، وبعض شركات صنع البلاستيك والحديد الصلب”. أوضح زياد برّي لنا، وهو صاحب إحدى شركات الأدوية التي تقع في مناطق المتمردين. كان ” برّي” واحدًا من رجال الأعمال والصناعيين الذين رافقوا فريقنا من الصحفيين الأميركيين والبريطانيين لمدة أربعة أيام، في المدنية التي هيمنت على عناوين الصحافة العالمية لأشهر. كما شوهد بعض المراسلين الغربيين أيضًا، فما رأيناه إلى جانب الدّمار الذي أحدثته الحرب الأهلية، دلائل تشير كيف استطاع الأسد المحافظة على المناطق الأكثر ازدهارًا، ولماذا فشل الثوار في السيطرة ليس على المدينة وحدها، بل على كامل البلد، فعلى الرغم من أنه في محاولته قمع التمرد تسبب في مقتل أكثر من 430 ألف شخص، وتشريد أكثر من نصف سكان البلد، وتدمير المدن السورية الرئيسية، إلا أن الأسد استطاع المحافظة على ولاء جزء كبير من المواطنين، من خلال تقديمه تصوّرًا أنّ الأوضاع طبيعية.
بالنسبة إلى آخرين، كصناعيي حلب ورجال أعمالها؛ فقد راهن الأسد عليهم بذكاء، لعلمه أن معظمهم ربطوا ثروتهم ببقائه ونجاحه، فبعضٌ منهم صنع ثروته من خلال علاقاته بمعظم الضباط الأقوياء في أجهزة المخابرات التي تسيطر على البلد، وكذلك من علاقاتهم مع موظفي الخدمة المدنية الذين يستطيعون تجاوز تعقيدات النظام البيروقراطي. في حين أدرك آخرون أن الثورة أبدًا ليست نوعًا من الثراء، فعندما أمسك البعث بالسلطة في عام 1963، قام بتأميم المصانع والمصارف وأصدر قانون الإصلاح الزراعي الذي قيّد الشركات الخاصة بشدّة؛ فبين عشية وضحاها، تمّ محو ثروات كانت تمتد إلى قرون.
لم تكن فقط ثروة رجال الأعمال التي تحدّت تهديد الثوار، ولكن أسلوب حياتهم أيضًا. الثورة السورية في حلب انطلقت من الطبقات الريفية، “جاؤوا من إدلب وريف حلب”. أخبرتني البرلمانية زينا خولة، وهي تتحدث بلهجة ازدراء، كما لو أن الثوّار نزلوا من بيفرلي بيل هيلز إلى روديو درايف “إنهم ليسوا مثلنا” أوضح الصناعي رفعت الشمعة: “قيمهم مختلفة، نحن نريد حماية بلدنا، وهم يريدون تدميره”.
“إنّه إرهاب تجاري” علّق مستضيفنا فراس الشهابي. بمنصبه رئيسًا لنقابة الصناعيين، الذي أضفى عليه هالة من الوقار. ولكن في سورية، حيث الألقاب والمناصب لا تعني شيئًا، فالقضية فقط أنها تمكّنهم من التقرب إلى أروقة السلطة. تأثير الشهابي الحقيقي مستمدٌّ من عمه المُتوفّى، والذي شغل منصب رئيس أركان الجيش لمدة 24 عامًا. أرانا الشهابيُّ أكياسًا مملوءة بمادة قال إنها الكبريت الأصفر، وتستخدم في صنع قنابل المورتر. ولم يكن في مقدوره أن يصرّح أنها كانت أكياسًا من صناعة صينية، معبّأة بفوسفات الكالسيوم وأحادي الهدروجين وغاز ثاني أكسيد التيتانيوم واثنتين من المواد غير القابلة للاشتعال.
ما كان أكيدًا، أن رواية مستضيفينا الحكوميين التي صاغوها لنا فيها جانبٌ من الصحّة؛ فمن دون شك قام المتمردون بنهب معامل الليرمون، ونزعوا كل شيء يمكن نقله إلى تركيا، حيث كان أرباب المصانع يشترونها بأسعار زهيدة. في الحقيقة، وخلال زيارةٍ لي إلى حلب في عام 2012، لأغلب المجمعات الصناعية الحديثة، في شيخ نجار، رأيت أن المتمرّدين أخذوا كل الآلات الثقيلة. إلّا أن المتمردين كانوا يفتقرون إلى المدفعية لتسوية المباني؛ حيث كان هذا من عمل القوات الروسية والسورية، الذين صعَّدوا من كثافة الغارات الجوية منذ بداية الهجوم الأخير. أوقفت اثنين من المرافقين العسكريين لنا، وأشرت الى بناية كانت قد دُمِّرت تمامًا نتيجة غارة جوية. سألت هل الطائرات الحربية الحكومية قامت بقصفه؟ همَّ أحد المرافقين، الذي كان يتفحص الطوابق المنهارة، بالإجابة برأسه، قبل أن يصرخ رئيسه “إنها نتيجة قنبلة أسطوانة الغاز” محليّة الصنع أطلقت من جانب المتمردين، الجندي المنهك في التفكير تجمّد وأشار بالموافقة. في سورية، لا توجد مكافآت للتفكير النقدي أو للتساؤل.
أخبرنا مستضيفونا السوريون أنّ جنود الحماية، وبضعة عناصر من الاستخبارات بالملابس المدنية أمرٌ ضروريّ لحمايتنا من قنابل المورتر التي يطلقها المتمردون عشوائيًّا على المناطق المدنية. إلا أنني رأيت مراسلين روسًا وإيرانيين في الخطوط الأمامية على جبهات القتال لا يحظون بمرافقة خاصة (شخصيات هامة). بعدها، عندما أخبرت أحد مرافقيّ في الفندق أنني أرغب في عبور الشارع لأشتري الماء من البقالة، اعترض، وطلب مني العودة إلى غرفتي. بعدها بدقائق، أتاني واحد من موظفي الفندق بقارورة مياه باردة. حينها خالجني شعور محيّر: هل أنا ملك في قلعته أم سجين في زنزانته؟
المدينة القديمة
الأكشاك التي تعود إلى القرون الوسطى في المدينة القديمة، حيث بناها أول مرة تجار البندقية في عام 1548، لتكون أول قنصلية أوربية، تحوّلت إلى حجارة متفحمة، فيما لاتزال المنارات قائمة، ولكنّ الفجوات في حجارتها تقول قصة معاناة الحي. “إننا نستخدم السلاح الخفيف وحده، لأن استخدام السلاح الثقيل سوف يدمر كنوزنا الوطنية” حدثني الكولونيل عبد المجيد، توجد دلائل قليلة تشير إلى هذا التقييد. المراقبون الخارجيون ألقوا اللوم على الطرفين في التدمير الذي لحق بنُزُل المسافِرين القديمة (الخانات) في ما قبل الحداثة، والذي لحق بالمعاهد الدينية والأضرحة أيضًا.
بالقرب من فندق كارلتون، آثار مبنى يعود الى القرن التاسع عشر. دمِّر من طرف المتمردين في أيار/ مايو 2014، حيث حفروا نفقًا لعدة أميال لزرع متفجرات تحت الأرض. وراوح عدد قتلى قوات النظام حينها من 30 إلى 50 جنديًّا. قبل يوم من زيارتنا إلى المدينة القديمة، أخبرنا البطريرك إبراهيم نصير كيف قام المتمردين بتدمير كنيسته في 2012، باستخدام الذخيرة نفسها؛ فالأنفاق المتفجرة وفّرت أحد الأسلحة الفاعلة للمتمردين، في مواجهة القصف اليومي في هذه الحرب غير المتكافئة.
بخروجي من سوق الزرب بالقرب من القلعة، لمحت رجلًا ممتلئ الجسم، ذا بشرة فاتحة، وخدود حمراء، يغادر أرض المعركة برفقة ستة من الجنود السوريين. القلادة الذهبية في عنقه أوحت أنه أجنبي. وعندما صرخ أحد مستضيفينا في مرافقيه “أخرجوه من هنا” أدركت أنه كان روسيًا. لمحه روسيٌّ آخر في مجموعتنا، وعرف أنه من قاعدة في محافظة سامارا على نهر الفولغا. ربما كان الجندي من مدينة تولياتي، والتي تضم اللواء الثالث للقوات الخاصة، والوحدات التي قاتلت في الشيشان وأوكرانيا والتي تعدّ من قوّات النخبة الروسية. روسيا نفت مرارًا أن لها قوات برية تقاتل المتمردين، بدلًا من حثّها أنّها تقاتل الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش). إلّا أن وجود الجندي في حلب يؤكّد أن روسيا على استعداد لصرف جميع مواردها لدعم الأسد.
لعبة الأسد
مجموعة منتقاة من الأجانب بالتأكيد أبقت الأسد في السلطة، على الرغم من احتجاجه ضد جهاديين أجانب دمروا بلده. مع ذلك يرفض الأسد الاعتراف أنهم هم من أبقوه في السلطة. عند مقابلتي للأسد قبل عدة أيام، اقترح، “دعونا نفترض أن هذه الادّعاءات صحيحة، وأن هذا الرئيس قتل شعبه، وارتكب جرائم… بعد خمس سنوات ونصف، من دعمني؟” من خلال زيارتي القصيرة إلى حلب، كان واضحًا أنها ليست من الأقلّية السورية الصامتة.
في رحلتي إلى المدينة، صادفت موكبًا لجنازة لحزب الله خارج حمص. في حلب، المقاتلون الأكراد من وحدات حماية الشعب يتمركزون في مواقع في بني زيد، الحيّ الذي لا يحوي أكرادًا. الإيرانيون المدعومون بميليشيات شيعية ينشرون نشاطاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أن السماء كانت هادئة في أثناء زيارتي، كانت الطائرات الحربية الروسية تقصف مواقع تمركز المتمردين في شرقي حلب منذ أشهر. الأسد يربح هذه الحرب لأن داعميه يستخدمون بحماسة القوة المفرطة في حين أن خصومه، وكذلك حلفاءهم ليسوا كذلك.
إلا أنّ مواطني الأسد هم من يخسرون الحرب؛ فوفق الأمم المتحدة نحو 11 مليون سوريّ توزعوا، بين من فرّ من البلاد، أو نزح داخليًّا. حيث كان عدد السكان قبل الحرب 21 مليونًا، هذا يعني أن نحو النصف غادروا منازلهم. في شباط/ فبراير، قدر المركز السوري للبحوث السياسية، أن 11.5% من السكان قُتِلوا أو جرحوا خلال العام 2015. صمد النظام ضد ثورة فاشلة، لأنه وفّر ما لم يكن أبدًا في مقدور الثوار توفيره؛ الرواتب الشهرية، ووعود بممارسة نوع من السلطة. فالنظام فطن في وقت مبكر أنه من الضروري المحافظة على شكل الأوضاع الطبيعية. فمصير الزعيم الليبي معمر القذافي أتاح تباينًا شديدًا؛ فبعد أن خسر القذافي النصف الشرقي من البلاد خلال أسابيع في عام 2011، فصل مناطق سيطرة المتمردين عن مناطق سيطرة النظام، وقطع شبكات الاتصال، وأوقف الخدمات الحكومية، كان القذافي تحت الهجوم وأراد أن يؤكد أن الليبيين يعرفون ذلك.
إلا أن الأسد رسم قواعد مختلفة للعبة، فقد استمر في دفع الرواتب الحكومية بانتظام إلى موظّفي الخدمة المدنية في مناطق سيطرة المتمردين. والخدمات مثل الكهرباء والماء لم تقطع إلا على تلك المناطق المحاصرة. وحاول النظام -جاهدًا- جعل الناس تغفل عما يحصل من حرب طاحنة خارج مدنهم. الأسد اتبع سياسة تجويع خصومه (نقص المواد الغذائية كانت وسيلة في مناطق عدّة كحلب، وكذلك اعتراض الشحنات الإغاثية إلى جيوب المعارضة، كما حصل لداريا في دمشق) بطرائق كالتي حصلت في أثناء الحرب العالمية الثانية. إلا أنّ الأسد برر ذلك لحلفائه، وللواقفين على الحياد أن ذلك ضروري، لإنهاء تهديدات الجهاديين الأجانب لوجودهم. بينما منتقدوه من الغربيين يسخرون من هذه الادّعاءات، والتي يتردّد صداها بين السكان أن مراقبة ما يحصل حولهم في الشرق الأوسط ليس إلا فوضى، وذلك عندما أطيحت الحكومات تحت مسميات الحرية والديمقراطية.
وهذا يفسر لماذا حتى بعض الناس المعدمين، معظم السوريين المحاصرين لم يتخلوا عن زعيمهم عوضًا عن اتباع المتمردين، الذين ادّعوا أنهم سوف يحررونهم من الطاغية. في مسجد حافظ الأسد، أشخاص نازحون داخليون من مناطق سيطرة المتمردين في شرق حلب كانوا متلهفين لإخبارنا عن فساد المقاتلين. “إن بشار يدفع لنا رواتب شهرية وخدمات” قالها صلاح ياسين، البالغ من العمر 72 عامًا، وهو يكافح لتخرج الكلمات من بين أسنانه المفقودة: “الإرهابيون أخذوا منا نقودنا ولم يعطونا أي طعام”. محمد نور، ذو الأعوام العشرة، والذي أتى منذ أربعة أشهر من منطقة باب النيرب، الحي الفقير والمليء بأكياس القمامة، شاهدتها في آخر زيارة لي في 2012، قال: “بقيت في البيت لأنني كنت خائفًا من قذائف المورتر والمدفعية”، وشرح كيف أنه لم يعد يستطيع أن يلعب في الشارع “إنني سعيد هنا فالجيش يحمينا”
مع الوجود الكثيف للاستخبارات ودوريات الجيش حول المجمّع، كان من الصعب التحقق بين ماهيّة شعارات حكومية مدرب عليها مسبقًا، أو مشاعر حقيقية. معظم المؤيدين للنظام يقولون إنّ المتمردين جاؤوا من الخارج، وإنّهم يتلقون الدعم من قطر والسعودية. إلا أن الجدير بالملاحظة كان في اتهامهم أنهم من الطبقة المعدمة نفسها، حيث كان يعيش هؤلاء النازحون في حاويات خشبية، بعكس أولئك رجال الأعمال الأثرياء -المتأنّقين بثياب أوربية، وبلكنة إنكليزية مصقولة- الذين تناولوا العشاء معنا في مبنى راق. دعم هؤلاء النازحين يوضح مدى قلة حيلة الثوار، ولماذا كان داعموهم في الغرب مخطئين بشكل كبير في الحث على تدخل آخر في العالم الإسلامي.
لم يكن لمستضيفينا كثير من الكلام لشرح ذلك، فمنذ أن أخذونا إلى مستشفى الرازيّ، ليُرونا ما يفعله المتمردون، أتت سيارة إسعاف بجنديّ بزيّ مموه خفيف وبقعة حمراء داكنة على كاحله الأيسر. بعدها بقليل جيء بعديد الجنود، حيث وقعوا ضحايا لهجوم للثوار في حلب الجديدة. بتفجيرين مفخخين وبوابل من قنابل المورتر. إلا انه سرعان ما غطت المشفى بالمدنيين. كان من بينهم حازم شريف، طبيب في 26، مع ثقب بحجم قطعة نقدية بسبب شظية اخترقت صدره، كان فاقدًا للوعي عندما نقلوه إلى غرفة الطوارئ، وأمه كانت تنتحب، “أرجوك لاتبكي على ابني، صلي على الرسول.” وعندما رأيته ثانية خلف المشفى، كان مغطىً بقماش أزرق، وموظف الإسعاف يقوم بإغلاق عينيه، على الرصيف المجاور لمدخل المستشفى، كانت هناك سيدة تبكي زوجها المفقود. في داخل المشرحة كانت هناك سبعة جثث، جميع أصحابها وقعوا ضحايا للهجوم. توالت سيارات الأجرة والمدنية للكشف عن الجثث. “هؤلاء هم الثوار المعتدلون الذين تتحدث عنهم وسائل الإعلام” حاضر فينا الشهابي “إنهم لا يميزون بين الجنود والمدنيين، يريدون قتلنا جميعًا”. في اليوم التالي أخذونا إلى المعابر الإنسانية، حيث فتحت قوات النظام نقاطًا في الخطوط الأمامية للسماح للمتمردين والمدنيين بمغادرة الأحياء المحاصرة في حلب الشرقية، عند معبر بستان القصر، حيث قناة المياه وأكوام هياكل السيارات الصدئة تفصل بين الجانبين، قال الضابط لنا إنّ المعبر فُتح أول مرة قبل خمسة أشهر، كان اثنا عشر مدنيًا واثنان من الثوار قد عبروا إلى الجانب الحكومي لتلقي الرعاية الطبية قبل أن يعودوا، إلا انه في يوم زيارتنا كانت الطرقات خالية.
كان معبر الكاستيلو مزدحمًا أكثر، وكأنه احتفال. الحافلات مصطفة خلف السواتر الترابية، وجاهزة لنقل المدنيين إلى مناطق أقل خطرًا. حيث وعدت الحكومة بنقل المقاتلين إلى إدلب القريبة حيث مواقعهم أقوى. العشرات من الجنود الروس من هيئة المصالحة يقومون ببث فيديوهات من طائرات الدرونز- طائرات بدون طيار إلى موسكو لمصلحة المؤتمرات الصحفية لوزارة الدفاع. انتظرنا لساعات إلا أنه مثل بستان القصر، لم يجرؤ أحد على الخروج من حلب الشرقية. إما انهم كانوا مرتاحين في تفادي الغارات الجوية بينما هم ينتظرون الخروج من الحصار بلا طعام، أو أنهم -على الأرجح- كانوا خائفين جًدا من العواقب التي تنتظرهم بعد من العبور إلى المناطق الحكومية. جميعنا شاهد قذيفة هاون أطلقت من الجانب الشرقي، ووقعت على بعد 200 قدم منّا.
الحكومة المدعومة بالطيران الروسي وبالميلشيات الشيعية المدعومة من إيران واثقة من أنها تستطيع استعادة شرقي حلب، إلا أن تحركَهم بطيء في المناطق المحاصرة المتبقية، حيث يراوح عدد المتمرّدين بين 5000 و15000 مقاتل من المتمردين، بحسب ناشطي قادة للمعارضة. أو أنها ستقوم بنشر قوات إضافية إذا لزم الأمر. يبقى أن نرى ذلك. ولكنّ ما هو مؤكد أن ألم المدنيين في حلب سوف يدوم طويلًا حتى بعد آخر قذيفة هاون؛ فالعداء الطائفي، وانعدام الثقة، سوف يعقّد عملية إعادة البناء، والتي تقدر بالفعل بأكثر من 260 مليار دولار. إن ربح الأسد؛ فإنّ معظم المراقبين الغربيين سوف يعزون انتصاره إلى استخدامه المفرط للقوة المجردة، إلا أن اعتماده على الولاءات الفطرية، كالخوف من الفوضى بعد الثورة والمصالح الشخصية لطبقة التجار الحلبية سوف تكون المفتاح الحقيقي لنجاحه. وفي النهاية سوف تبدو كنصر كان من الأفضل تجنبه.
باراك بارفي
مجلة بوليتيكو
ترجمة: محمد شمدين
مركز حرمون للدراسات المعاصرة