كان عام 2014 هو الأسوأ في سياسة أوباما الخارجية، فقد سيطر تنظيم «داعش» على أجزاء كبيرة من العراق وسورية، واستولى فلاديمير بوتين على شبه جزيرة القرم وهزّ النظام الدولي في أوروبا. وقد واجه أوباما انتقادات داخل الولايات المتحدة ودولياً تصفه بأنه ضعيف ويفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية والحسم في السياسة الخارجية.
ومع ذلك، تمكن أوباما في أواخر عام 2014 من تحقيق بعض الإنجازات، مثل عقد صفقة مهمة بشأن التغيّر المناخي مع الصين وتحقيق اختراق دبلوماسي تاريخي مع كوبا بعد خمسين عاماً من العزلة. وعندما تردد الكونغرس الأميركي في اتخاذ قرار بشأن الهجرة الوافدة، أخذ أوباما المبادرة واصدر قراراً رئاسياً في القضية. ويبدو كأن أوباما تحرر بعض الشيء من قيود السياسة وحساباتها وأصبح أكثر حرية في التصرف بعد هزيمة حزبه في الانتخابات النصفية لأعضاء الكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
في خطابه عن حال الاتحاد الذي ألقاه في 20 كانون الثاني (يناير)، تحدى أوباما الحزب الجمهوري الفائز بالانتخابات النصفية وأطلق أجندة محلية قوية موجهة لمصلحة الطبقة المتوسطة. وساهم هذا في ارتفاع شعبيته الى نحو 50٪ بعد أشهر طويلة من نسب الشعبية المنخفضة جداً. ولو استطاعت هيلاري كلينتون أن تتبنى هذا البرنامج الذي أوجزه أوباما في 20 كانون الثاني في حملتها الانتخابية، فسيكون لديها فرصة جيدة للفوز بالرئاسة في عام 2016.
ولكن يبقى للسياسة الخارجية دور مهم في الحملات الرئاسية القادمة، وقد تحدد مواقف المرشحين في الشأن الدولي من سيدخل البيت الأبيض في كانون الثاني 2017.
هناك إجماع متزايد في أوساط معظم المرشحين الديموقراطيين والجمهوريين على أن نهج اوباما المتردد في مناطق الصراع الخطيرة مثل تلك الموجودة في سورية والعراق، وتفاؤله غير الواقعي حول نوايا خصوم مثل بوتين في روسيا وخامنئي في إيران، خلقت عالماً أقل استقراراً وأكثر خطورة.
في الشرق الأوسط، فقد أوباما الأمل في الملفين الفلسطيني- الإسرائيلي والربيع العربي، ويركز في ما تبقى من عهده على إبرام صفقة نووية مع إيران وإضعاف «داعش» في العراق واحتوائه في سورية، وفي ما عدا ذلك،فإن المعركة ضد تنظيم «القاعدة» ستستمر، من خلال التعاون الاستخباراتي وهجمات الطائرات من دون طيار.
يجادل منتقدو أوباما في الولايات المتحدة أنه حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، فستبقى لديها القدرة على المضي قدماً في بناء أسلحة نووية عندما تشاء. والأهم من ذلك، أن هذا التركيز الضيق على البرنامج النووي قد يسمح لإيران بزيادة تدخلها في العالم العربي من العراق إلى سورية ولبنان واليمن، إذا لم نقل البحرين ومناطق أخرى في الخليج أيضاً.
ويجادل منتقدو أوباما أيضاً أن تردده في دعم المعارضين في سورية أو الضغط بجدية على نظام الأسد، أدى إلى تمكين كل من إيران وحلفائها من جهة و «داعش» من جهة أخرى، كما ساهم استعجاله في سحب جميع القوات الأميركية من العراق عام 2011 في تفكك هذا البلد وتركه ضعيفاً عندما جاء تنظيم «داعش» يطرق أبوابه في عام 2014.
ستتم مناقشة وصياغة الخطوط العريضة لسياسة أميركا الخارجية المستقبلية خلال الحملات الرئاسية التي انطلقت بالفعل. على الجانب الديموقراطي، يبدو أن هيلاري كلينتون ستقود السباق بالتزكية وبلا منازع تقريباً. ويمكنها البناء على سجل إنجازات أوباما الداخلية في تحقيق اقتصاد متنام، وانخفاض نسب البطالة، وبرنامج الرعاية الصحية الشاملة، والمزايا التي توافرت للطبقة الوسطى، وسياسته المنفتحة في قضية الهجرة.
أما على صعيد السياسة الخارجية، فقد أوضحت هيلاري كلينتون أنها تختلف عن أوباما، وأنها ستكون أكثر تشدداً. كتبت في مذكراتها أنها نصحت أوباما بتقديم الدعم المالي والعسكري الجدي للمعارضين السوريين المعتدلين في أواخر عام 2012، وأنها حذرته من خطورة صعود الرئيس بوتين قبل أزمة شبه جزيرة القرم. وقد تضطر في الأشهر القادمة إلى اتخاذ مواقف إضافية لتميز نفسها عن أوباما ولتبرز استعدادها للتشدد في السياسة الخارجية.
أما على جانب الجمهوريين، فإنه على الرغم من أن لديهم إجماعاً ضد سياسات أوباما الداخلية، إلا أن ثمة خلافاً بينهم حول السياسة الخارجية، فبعض الجمهوريين، مثل جيب بوش وتيد كروز، يميلون نحو العودة الى موقف الجمهوريين التقليدي: بمعنى أن الولايات المتحدة يجب أن تكون أكثر حزماً في العالم وأقل تردداً في شأن استخدام القوة العسكرية.
ولكن من جانب جناح «حزب الشاي»، فإن المرشح راند بول، الذي يروق لكثير من الناخبين –وبالأخص الشباب منهم-، فإنه من بين الذين يريدون أن تكون الولايات المتحدة أقل لا أكثر تورطاً في العالم.
ويدعم راند بول نهج أوباما الناعم في السياسة الخارجية، ولا يريد للجيش الأميركي أن يتورط في صراعات متعددة في جميع أنحاء العالم، ويتفق مع أوباما على أن الدبلوماسية يجب أن تكون الأداة الرئيسية للسياسة الخارجية، مع بقاء خيار الحرب كمجرد حل أخير. وبهذا المعنى، فإن جناح اليمين من الحزب الجمهوري قريب جداً في قضايا السياسة الخارجية، من جناح اليسار في الحزب الديموقراطي.
قد يكون لجيب بوش، الشقيق الأصغر للرئيس السابق جورج دبليو بوش، الفرصة الأكبر بين الجمهوريين للفوز في الانتخابات. ولكن يواجهه التحدي المتمثل في التأكيد على صلابته في السياسة الخارجية، مع تجنب الانطباع بأنه سيكون متهوراً في هذه السياسة كما كان شقيقه.
ولا يزال رأي الأغلبية في الولايات المتحدة أن قرار الذهاب إلى الحرب في العراق كان قراراً كارثياً، وأنه جعل مشكلة الإرهاب أسوأ من قبل، وأن استخدام التعذيب في عهد إدارة بوش كان خاطئاً، ولذلك على جيب بوش محاولة أن يبدو أكثر تشابهاً مع والده جورج أتش دبليو بوش، الذي ما زال يحظى بتقدير إيجابي بسبب إشرافه الناجح على الانتقال السلس من انهيار الاتحاد السوفياتي إلى إعادة توحيد ألمانيا وعقد من الاستقرار النسبي في العلاقات الدولية.
يفاجأ البعض أن تصل الولايات المتحدة إلى تكرار تجربة سباق رئاسي بين عائلتي كلينتون وبوش. كان انتخاب أوباما في عام 2008 حدثاً عالمياً أظهر أن الديموقراطية الأميركية لا تزال تنبض بالحياة، وأنه يمكن سياسياً أسود يحمل اسم حسين الفوز بالرئاسة الأميركية. أما ان تنعدم أمام 320 مليون أميركي خيارات سياسية خارج أسرتي كلينتون وبوش، فإن ذلك قد ينذر بانحدار إلى صراعات نظام العائلات الحاكمة المعتاد ربما للناخبين في لبنان، أو في الهند أو باكستان، ولكنه نادراً ما يحصل في الديموقراطيات المسماة عريقة!
على أي حال، وفي حين يستمر أوباما في متابعة نهجه الدبلوماسي الخاص في ما تبقى من فترة ولايته، فالمرجح أن الرئيس القادم للولايات المتحدة سيقودها نحو العودة الى مواقف أكثر تشدداً في السياسة الخارجية، ولكن ليس باتجاه العودة الكاملة إلى سنوات جورج دبليو بوش الخطيرة، ولكن في مكان ما في منتصف الطريق بين بوش وأوباما.
بول سالم
الخليج الجديد