ازدراء الأديان أو التجديف هو إساءة أو استخفاف يصدره شخص أو هيئة ما بشأن معتقدات وأفكار ديانة ما، وقضيته مثار جدل بين كثيرين؛ فبينما يرى البعض في ذلك حقا يتعلق بحرية الرأي والتعبير تجب حمايته، يقول آخرون إنه يعزز الكراهية الدينية بين البشر وبالتالي يطالبون بمنعه قانونا ومحاسبة فاعليه.
تنديد وتأييد
رغم جدلية تحديد مفهوم “ازدراء الأديان” في مختلف الأوساط الدينية والفكرية والحقوقية العالمية؛ فإنه يقصد به بشكل عام عدة أشياء من بينها: تعمّد النيل من الأديان ومعتقداتها وشخصياتها المقدسة لدى أتباعها، وإشاعة الأفكار النمطية السلبية بشأنها، وتبني مواقف متعصبة أو تمييزية في مجال الديانات والمعتقدات.
ففي العالم الإسلامي مثلا تتبنى عدة دول تجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها في الأماكن العامة أو بواسطة المكتوبات ووسائل الاتصال السمعية والبصرية والإلكترونية، فتحظر الإساءة إلى الذات الإلهية، أو التطاول على أحد الأنبياء أو الرسل أو الكتب السماوية، أو الأديان أو الطوائف المنتمية إليها أو دور العبادة، أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذهب أو الملة أو الطائفة.
وتعتبر مسألة ازدراء الأديان من المواضيع التي أثارت جدلا واسعا بين الحقوقيين وعلماء الدين ورجال القانون، بدءا من إشكالية ضبط المفهوم وتحديد دلالاته، وانتهاء بمشمولات بنود القوانين المتعلقة به وكيفية استخدامها.
فالمعارضون لتجريم ازدراء الأديان يبدون خشيتهم من أن يقود ذلك إلى التضييق على حرية الرأي والتعبير، والتحكم في النقاش المدني المفتوح، وقمع المخالفين وتعزيز التطرف والتعصب الديني؛ كما أنه قد يعطي للحكومات الحق في تحدید الأفكار المقبولة وغير المقبولة أخلاقيا، وهو ما قد يفتح الباب أمام “خنق نقد الأديان والمؤسسات الدينية” ومضایقة المعارضین والأقلیات الدینیة.
ويشيرون أيضا إلى أن “الأدیان تقدم ادعاءات متضاربة حول الحقیقة”، ويقولون إن لفظ “الازدراء” مصطلح غامض وغیر محدد مما يجعل القوانين التي تحظره “قابلة للتوسع بشكل عام” وللتطبیق “بشكل انتقائي وتعسفي وتمییزي”. إضافة إلى أن هذا المصطلح “ليس له أي أساس في القانون الوطني أو الدولي”.
ويردّ مؤيدو سن قوانین منع ازدراء الأدیان بأن الهدف من التجريم هو “حماية المقدسات الدينية” وتطويق مشاعر الكراهية للأديان، لأن انتشارها يهدد التعايش بين الأمم والحضارات بخطر كبير، إذ يؤدي إلى الإخلال بالسلم الدولي، ويشكل “مساسا خطيرا بالكرامة الإنسانية”، ويفرض قيودا على الحرية الدينية للمؤمنين بها.
ويضيفون أنه لا ينبغي النظر إلى تجريم ازدراء الأديان وكأنه تقييد لحرية الفكر أو كبت للحق في التعبير الذي يجب ألا يستخدم لأذى الآخرين وإهانتهم، بل “كآلية للوقاية من التطرف والفتن” الدينية والطائفية في المجتمعات البشرية التي يسببها التحريض على الحقد الديني والعنف.
صراع التقنين
حاولت منظمة التعاون الإسلامي في 1999-2011 الحصول على دعم الأمم المتحدة لفرض حظر على ازدراء الأديان، فقدمت مشاريع قرارات بهذا الشأن إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لكن الدول الغربية -التي أزيل حظر التجديف تدريجيا من معظم قوانينها- رفضت مرات إقرار هذه المشاريع، قائلة إنها تشكل “تهديدات محتملة لحرية التعبير”.
وفي 26 مارس/آذار 2009 اعتمد المجلس (بأغلبية 23 صوتا مقابل 11 صوتا وامتناع 13 عن التصويت) قرارا غير ملزم تقدمت به باكستان باسم منظمة التعاون الإسلامي، ويهدف إلى “مكافحة إهانة وازدراء الأديان”. وقد عارضت هذا القرار دول أوروبية (بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا) وكندا وتشيلي، ومن الدول التي امتنعت عن التصويت عليه الأرجنتين والبرازيل والهند.
ولكن دعم هذا النوع من القرارات تراجع في مناقشات المجلس باطراد إلى ما يزيد قليلا على 50% بحلول عام 2010 وذلك بسبب المعارضة الغربية القوية خاصة من المنظمات الحقوقية، مما دفع الأمين العام السابق للمنظمة أكمل الدين إحسان أوغلو إلى اتهام الغرب بعرقلة التوصل إلى اتفاق أممي لفرض حظر على ازدراء الأديان.
وفي يناير/كانون الثاني 2015 دعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى إصدار “قانون أممي يجرّم ازدراء الأديان جميعاً” من خلال مؤتمر عالمي يناقش بنوده بحرية كاملة، وقال إن الدين الإسلامي لا يحرم فقط الازدراء بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وإنما يحرّم كذلك ازدراء جميع الأديان والأنبياء والمقدسات، واقترح إصدار “ميثاق شرف للتعايش السلمي بين الأمم”.
وبالنسبة للقوانين القُطرية التي تحظر التجديف أو ازدراء الأديان؛ فإن بعض الدول التي تتبناها أكثر تشددا أخرى في تنفيذها، كما أنها تتباين في عقوباتها ما بين الغرامات المالية وأحكام الإعدام (التي نادرا ما تنفذ)، وذلك طبقا لدراسة لتلك القوانين أجرتها منظمة “فريدوم هاوس” الأميركية المعنية بحقوق الإنسان، وشملت كلا من الجزائر ومصر واليونان وإندونيسيا وماليزيا وباكستان وبولندا.
وأوضحت المنظمة أن القوانين المناهضة للاستخفاف بالمقدسات غالبا ما تُصاغ لحماية معتقد أغلبية السكان في البلد المعني؛ فقد وجدت أن قوانين ازدراء الأديان في اليونان مثلا “تُستخدم فقط في مقاضاة حالات يُعتقد أنها تنطوي على ازدراء للكنيسة الأرثوذكسية”، وفي إندونيسيا “تُستغل غالبا ضد الافتراء على الإسلام”.
وأضافت أنها اكتشفت -من واقع دراستها لكل دولة على حدة- أن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان الدولية هي السمة السائدة في تلك الدول، لأن مثل هذه التشريعات غالبا ما تستغلها الحكومات لقمع حرية التعبير وحرية الأديان.
وفي يناير/كانون الثاني 2011 أثار بابا الفاتيكان السابق بنديكت السادس عشر جدلا كبيرا حين أغضب الباكستانيين بدعوته إلى إلغاء قانون المعاقبة على التجديف في بلادهم، وادعى أن “السبب الأهم لذلك هو أنه من الواضح أن هذا القانون بات يستخدم ذريعة لأعمال ظلم وعنف ضد الأقليات الدينية”. وهو ما اعتبرته هيئات إسلامية باكستانية “خرقا لميثاق الأمم المتحدة للسلام”.
ومن أبرز الاتهامات بازدراء الأديان عربياً؛ تحقيق نيابة أمن الدولة العليا المصرية في فبراير/شباط 2013 مع الروائي يوسف زيدان، إثر رفع دعوى تتهمه بازدراء الأديان في كتابه “اللاهوت العربي وأصول العنف الديني” (صدرت طبعته الأولى نهاية عام 2009)، وذكر زيدان أن المحققين اتهموه بالإساءة للديانات السماوية الثلاث.
وكانت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية اتهمت زيدان بالإساءة الى المسيحية في روايته “عزازيل” التي صدرت عام 2008 ونالت جائزة “البوكر” العربية. ويحظر القانون المصري الإساءة إلى أديان الإسلام والمسيحية واليهودية.
الجزيرة