أيقنت دول العالم نتيجة تجاربها الطويلة في إدارة دفة اقتصادها الكلي أنه لا مخرج من حلقة الفقر، والنهوض بمفاصل الاقتصاد الوطني وجعل خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبرامجها موضع التطبيق العملي الا من خلال توسيع تشكيلة الايرادات العامة بتنمية مصادر إيراداتها التقليدية، وايجاد مصادر جديدة لرفد الخزينة.
ولكن الوضع الاقتصادي العراقي يسير بالاتجاه المعاكس للتنمية؛ اذ يعاني خطرا كبيرا، يرجع الى عدم تنوع مصادر ايراداته، وانخفاض الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي من العملات الأجنبية إلى مستوياته متدنية ، اذ بلغ في شهر سبتمبر/أيلول 2016 نحو 52 مليار دولار، فيما بلغ 68 مليار دولار في الشهر ذاته من عام 2015 ، بانخفاض بلغ 16 مليار دولار، وبنسبة تراجع 23.5% خلال عام.
وقالت مصادر ان الانخفاض في العام الحالي وصل الى 50 مليار دولار امريكي، مشيرة الى ان من اسباب استمرار الوضع الاقتصادي الخطر في العراق حماية الفساد وتستره بالطبقة الفاسدة من السياسيين والحكام ومن يرتبط بهم من مسؤوليهم واحزابهم و الأجهزة الرقابية والهيئات المختصة بالنزاهة والتفتيش والقضاء او المحاكم التابعة سياسيا لطبقة الساسة المتنفذين وبطانتهم و الذين يقعون تحت ضغوطاتهم وتدخلاتهم.
وقال اقتصاديون ان حجم الاحتياط تعبير عن رصيد سيادي للدولة وغطاء للعملة المحلية وتناقصه يعني انخفاض قيمة العملة المحلية، وان عملية بيع البنك المركزي العراقي للعملة الاجنبية تسبب استنزافا وهدرا لثروات العراق اذ بلغ انخفاض الاحتياطي النقدي من العملة مستويات متدنية تنذر بكوارث خطيرة على المدى البعيد والقريب، وتهدد العراق بالإفلاس، واغراقه بالديون الخارجية والتبعية الاقتصادية .
وانتقد ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي، مزاد بيع العملة، قائلا: إن “إدارة أسعار صرف الدولار في السوق المحلية هي نافذة الفاسدين الذين يعيشون على الفرق بين سعر الصرف الرسمي مع الأسواق الموازية”.
وذكر أن ما يسمى بـ”مزاد العملة” هو:” ممارسة غير موجودة في الدول التي تعتمد اقتصاد السوق، وأثبتت بالتجربة أنها تؤدي إلى هدر المال بلا رقابة”.
وذلك لان الفرق بين السعر المعتمد بالسوق المحلية والسعر لدى البنك المركزي يسمح للمفسدين، ومن يسندهم بحرمان الحكومة من الضريبة والكمرك ، اضافة الى حرمان المواطن العراقي من الاستفادة من سعر الصرف الحقيقي .
وفي سياق معاكس يقول سياسيون، وصندوق النقد الدولي :” ان الخزين ( احتياطي البنك المركزي ) يعد مطمئنا في الوقت الراهن لانه يغطي الاستيرادات” ، ولكن الواقع الاقتصادي يؤكد انه اذا استمر الانخفاض بالاحتياطي مع تدني مستوى اسعار النفط ، فان الوضع سيكون غير مطمئنا؛ لان سعر الصرف الدينار العراقي منخفض لارتباطه بالاستقرار السياسي والامني.
ففي الوضع الامني مازالت الدولة وقوى الامن والجيش والحشد تحارب داعش بكل قوتها واستطاعت استرداد مساحات واسعة من الاراضي المغتصبة الامر الذي يتطلب انفاقا مستمرا للمعركة، اضافة الى تأثير الهجرة الداخلية حيث توقفت اعمال الكثير من العراقيين وورشهم، واضطروا الى الهجرة الداخلية والخارجية، وتحويل موجوداتهم الى عملة اجنبية على الا تتجاوز 10 الاف دولار وهو الحد المسموح به حسب قانون مكافحة غسيل الاموال، وهذا بدوره يزيد من الطلب على الدولار بالسوق السوداء .
ووفقا لمسؤول بوزارة المالية ” فان إدارة البنك المركزي ورئاسة مجلس الوزراء العراقي يحرصان على عدم الكشف عن التقارير الرسمية، خلال الفترة الأخيرة، بسبب الانخفاض المقلق والكبير في احتياطيات العراق من العملة الصعبة”، مشيرة إلى أنها تبلغ 52 مليار دولارا حالياً، بعد اقتراض الحكومة مبالغ كبيرة من صندوق النقد الدولي البنك الدولي من دون أن تعيدها، وكانت القروض تستهدف شراء سلاح وتمويل صفقات الذخيرة للجيش، ودفع مرتبات الموظفين وأفراد القوات المسلحة ومليشيات الحشد الشعبي.
و مزاد بيع العملة اليومية التي يقوم بها البنك المركزي ، لا يخلو من شبهات تلاعب بالسعر الذي يبيع به مع السعر في السوق وهذا ما اثبتته وثائق رسمية كشف عنها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية في دراسات سابقة .
وأكد محافظ البنك المركزي:” أن احتياطي العراق من العملة منخفض لكنه يتماشى مع المعايير العالمية وضوابط صندوق النقد الدولي، مدللا على كفاية الاحتياطي وفق المعيار الدولي المتمثل بوجود كمية من النقد الأجنبي تغطي حجم العملة المحلية المتمثلة بالدينار”، وفي الوقت نفسه حمّل محافظ البنك المركزي مجلس النواب والحكومة مسؤولية انخفاض الاحتياطي بسبب مصادقتهما على موازنة مالية فيها عجز، اذ ان حجم الاحتياط تعبير عن رصيد سيادي للدولة وغطاء للعملة المحلية وتناقصه يعني انخفاض قيمة العملة المحلية.
وكان البنك المركزي العراقي رفض في 13/ كانون الثاني/ 2016، توجه الحكومة للسحب من الاحتياطي المالي؛ لأن القانون “لا يسمح” للحكومة بذلك، داعيا لإصدار سندات وبيعها على المصارف.
وحذر البنك من ان تغطية عجز الموازنة العامة بحوالات أو سندات دون وجود غطاء يكفي من العملة الأجنبية يؤثر سلبا على الاقتصاد العراقي .
وكان صندوق النقد الدولي وافق في الوقت ذاته على برامج الحكومة العراقية الخاصة بتمويل عجز الموازنة الاتحادية من احتياطياتها للعملة الصعبة كشرط مسبق لإقراضه الحكومة، مبيناً أن ذلك سيؤدي إلى خفض تلك الاحتياطيات إلى اقل من 43 مليار دولار ، بعدما كانت قبل ثلاث سنوات تتجاوز 80 مليار دولار.
وادى استمرار مواجهة العراق لانخفاض اسعار النفط وعجز الموازنة بسبب هبوط إيرادات النفط. الذي يؤدي الى انخفاض احتياطات النقد الأجنبي، ادى الى حصول الى ازمة اقتصادية مالية صعبة .
وقال مختصون بالشأن الاقتصادي والمالي العراقي ان سبب الازمة المالية واستمرار انخفاض اسعار النفط في الاسواق العالمية والاعتماد على الاحتياط النقدي في سد العجز المالي والحاصل في الموازنة العامة للدولة، و تمويل النفقات التشغيلية سيؤثر بشكل مباشر على الوضع العام بالبلد مسببا العجز الدائم بالموازنة و التقشف المنهك للمواطن واذا استمر الوضع على ما هو علية فسيؤدي الى عدم مقدرة الحكومة على دفع رواتب موظفيها مستقبلا وهذا كارثة اقتصادية.
وادى انخفاض الاحتياطيات لدى البنك المركزي العراقي الى تراجع قيمة الدينار امام الدولار في تعاملات بورصة الصيرفة المالية العراقية وصلت الى 1331 دينارا للدولار الواحد بعد ان كانت على مدى اكثر من عام مستقرة بين (1230-1290) دينارا للدولار الواحد.
وقد اقرت اللجنة المالية النيابيـة بتراجع حجم الاحتياطي النقدي للعراق من العملة الصعبة بعد استنزاف 30 مليار دولار جراء الازمة الاقتصادية، والتلكؤ والفساد وروتين الاجراءات الادارية للجهات الحكومية والفساد في جباية تلك الايرادات وايداعها خزينـة الدولـة اثرت سلبا على اقتصاد العراق .
ولمواجهة الانخفاض في الاحتياطيات لدى البنك المركزي العراقي يجب على الدولة اخذ خطوات جادة في تعظيم مواردها وتقليل اعتمادها على الإيرادات النفطية فقط، وتنمية القطاعات الانتاجية (الزراعية والصناعية والسياحية)؛ اذ ان اسعار النفط المتذبذبة ادت الى تفاقم الازمة المالية في العراق.
وتقول احصائيات ان ايرادات العراق من النفط تبلغ 95% فيما تبلغ 5% من الموارد الداخلية وهذا يعد حالة غير متوازنة اقتصاديا اذ ان الحالة الطبيعة للاقتصاد المتوازن تتحقق بتساوي الايرادات الداخلية والخارجية.
كما ان الحكومة بحاجة لوضع خطة واضحة وشاملة ومستدامة لإصلاح ماليتها ، و يدرك رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ووزير المالية ومحافظ البنك المركزي أنهم بحاجة لأخذ قرارات صعبة وسيأتي القرض الكبير المقدم من صندوق النقد بشروط تتعلق بالسياسات الاقتصادية من بينها خطوات تتخذها بغداد لخفض دعم الطاقة وإصلاح الشركات المملوكة للدولة وهي خطوات قد تكون صعبة من الناحية السياسية.
كما يمكن للعراق ان ينجح كما نجح في ظروف عاشها وتجاوزها وهي أصعب بكثير مما يمر به اليوم، لو توفرت حسن الإرادة والإدارة الصحيحة،
شذى خليل
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
المصادر
https://www.alaraby.co.uk/economy/2016/9/6
مدى برس/ بغداد
العربي الجديد 6 سبتمبر2016
رويترز2016
الصباح
رووداو – اربيل