شكل استعادة قوات النظام مدينة حلب نقطة فاصلة في المشهد السوري عسكريا وسياسيا، وجاء “إعلان موسكو” ليعيد رسم خارطة الحل وفق منطق روسيا التي أنقذت نظام بشار الأسد من الانهيار.
غير أن الوصول إلى حل جذري للمعضلة السورية لا يزال بعيدا بحسب تقدير الخبراء الأمنيين، حيث ستكون معركة إدلب (شمال غرب) أصعب بكثير من معركة حلب، مع تفاقم الأزمات الإنسانية المتعلقة بالنازحين واللاجئين.
وقد أعلن جيش النظام السوري استعادته السيطرة على كامل مدينة حلب، معتبرا أن “هذا الانتصار يشكل تحولا إستراتيجيا ومنعطفا هاما في الحرب على الإرهاب”.
وقال الرئيس السوري بشار الأسد إن “تحرير حلب من الإرهاب ليس انتصارا لسوريا فقط، بل لكل من يسهم فعليا في محاربة الإرهاب وخاصة لإيران وروسيا”.
إعلان موسكو
وأضاف أن الانتصارات الميدانية “خطوة أساسية في طريق القضاء على الإرهاب في كامل الأراضي السورية، وتوفير الظروف الملائمة لإيجاد حل ينهي الحرب”.
ويعتبر “إعلان موسكو” نقطة تحول ذات أهمية كبيرة في الأزمة السورية، ولا سيما أنه ركز على منح الأولوية لمواجهة الإرهاب وليس إسقاط النظام.
وتضمن الإعلان ضرورة تعميم وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية لكل الأراضي السورية، وإيجاد حلٍّ شامل للأزمة في سوريا.
ومع عودة مدينة حلب إلى كنف النظام، سيتركز وجود فصائل المعارضة في محافظة إدلب ومناطق في بعض المحافظات، مثل ريف حلب وحماة وحمص ومناطق في درعا (جنوب) التي كانت مهد الانتفاضة ضد النظام، وفي ريف دمشق حيث تراجعت الفصائل أيضا مع خسارة اثنين من معاقلها، داريا ومعضمية الشام.
وتخضع إدلب لسيطرة “جيش الفتح“، بينما يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة الرقة.
من جانبه، يقول أستاذ تسوية النزاعات في معهد الدوحة للدراسات العليا إبراهيم فريحات -بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية- إن “سقوط حلب يضعف موقف المعارضة السورية وحلفائها في المفاوضات” مع النظام.
ونقل المصدر ذاته عن المحلل والخبير في شؤون الخليج نيل بارتريك أن الدول الخليجية خلصت إلى أن روسيا هي اللاعب الرئيسي في سوريا، وأن واشنطن قد تحاول التوصل إلى اتفاق مع موسكو حيال المرحلة المقبلة.
وتساءل مساعد رئيس تحرير صحيفة ذي غارديان البريطانية سايمون تيسدال، “ثم ماذا بعد بالنسبة لسوريا؟”، قبل أن يجيب أن الصراع ربما يكون قد مال على نحو حاسم في غير صالح المعارضة المسلحة المدعومة من الغرب والسعودية وشركائها الخليجيين، لكنه لم ينته بعد.
ستمرار الحرب
وأضاف تيسدال أنه رغم ذلك، يبقى نظام الأسد “ضعيفا ومدينا بالفضل لقوى أجنبية”، وثمة مؤشرات على أن حلفاءه “الظافرين” بدؤوا يتناحرون “كما اللصوص الذين يتشاجرون حول الغنائم”.
كما أن مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي أي) جون برينان، أكد أن سقوط شرق حلب في أيدي قوات النظام السوري لن يضع حدا للعنف في البلاد.
وقال برينان إن “سقوط حلب بالنسبة لي ليس علامة على أنه ستكون لهذا الصراع في سوريا نهاية، لأنني مقتنع بأن الكثير من المعارضين الذين يحاولون استعادة بلدهم من أجل عائلاتهم وجيرانهم وأطفالهم، سيواصلون القتال”.
ومع توجه الأنظار إلى إدلب -محطة المواجهة الجديدة- يرى متابعون أن طبيعة المعركة فيها تختلف بشكل كبير عن طبيعة المعركة في حلب.
ويقول الخبير العسكري والإستراتيجي مأمون أبو نوار إن إدلب تتمتع بعدة ميزات لصالح المعارضة، بينها الفضاء الريفي المفتوح، وصعوبة حصار المعارضة في منطقة ضيقة نتيجة اتصالها المباشر مع الحدود التركية، مضيفا أن القوة الجوية الروسية لن تكون بذات الفعالية التي كانت عليها في حلب بسبب الاتساع الجغرافي.
الجزيرة