نعم، حقق «داعش» نجاحا سينمائيا إجراميا جديدا..
لنعترف بأننا شعرنا ولو للحظات بأن فيديوهات قطع الرؤوس أكثر رحمة من فيديو محرقة الطيار الأردني «معاذ الكساسبة».. هذا يشي بكم نجح «داعش» في أن يهزّنا، وكم نحن منجذبون إلى السيناريو الذي يرسمه التنظيم. للأسف، فإن كثيرين من رواد الإنترنت سيجدون هذا المستوى غير المسبوق من الاحتراف البصري في تقديم العنف وتمجيده أمرا مغويا للمشاهدة، حتى ولو من باب الإدانة..
إنها ببساطة الرواية وكيف قدمت.
وهنا لا يهتم كتاب السيناريوهات السينمائية الداعشية إن كنا ندين ما يرتكبونه. ما يهمهم هو أن نشاهد ونتألم ونخاف ونشعر أن جلدنا يحترق، كما شعر «معاذ الكساسبة» تماما.
نشاهد أو لا نشاهد.. ننشر أم لا..؟
ما بين هاتين الجملتين تأرجحنا الأسبوع الماضي، فهل يحق لنا أن نشاهد ونتأمل تلك الدقة الدرامية المتناهية في تصوير يأس الشاب وذهوله وعينيه الزائغتين وموته الدرامي الحارق..؟ هل لنا القدرة النفسية على مقاومة فضولنا ورغبتنا العميقة في التلصص على عذابات نتخيلها ونشعر بها في جلدنا..؟
وإن قاومنا المشاهدة والاستماع للتفاصيل؛ فماذا نحن فاعلون بخيالنا وتهيؤاتنا التي لا قدرة لنا على ضبطها؟!
لا شك أن النشر والمشاركة والمشاهدة تقدم لـ«داعش» ما يصبو إليه تماما من هذه الأفلام. فمن يشاهد يجد في نفسه نوعا من الانجذاب القسري لمعرفة إلى أي حد يمكن أن يصل إجرام هذه الجماعة. وهو انجذاب ممزوج بالانبهار أيضا، وهنا تكمن الخطورة. إلا أن كل تلك الحيرة لا تنفي أن من شاهد الفيديوهات فعل ذلك واعيا، وباختياره، وهذا ما يجعلنا نقع في دائرة التواطؤ والانصياع إلى السيناريو الداعشي.
جميعنا يواجه هذه المعضلة، كإعلام وكأفراد.
فقرار الامتناع عن بث الفيديوهات الداعشية ومثيلاتها إشكالية فعلية، خصوصا أن هناك قيمة خبرية في تلك المواد. لكن قرار نشر تلك الفيديوهات ومشاركتها يأخذنا إلى مستوى خطر من الإعلام والدعاية، وهو مستوى لا تعفي من مسؤوليته عبارات مرفقة عادة من نوع «صور قاسية» أو «يُنصح أصحاب القلوب الضعيفة بأن لا يشاهدوه».
إغواء الصورة العنيفة المشغولة باحتراف هوليوودي هو سلاح داعش الأول قبل أي شيء آخر.
يجادل البعض بأن النشر هو للتوعية أو لمعرفة الطبيعة الإجرامية لهذا التنظيم، لكن هل نحن فعلا بعد كل الوقائع التي تصل إلينا نحتاج إلى فيديوهات للتثبت من هذا الأمر؟!
جريمة داعش تبدأ بالقتل وبالتصوير، وجريمتنا تبدأ لحظة المشاهدة والنشر والمشاركة والتفاعل.
لقد قتل الآلاف في محيطنا بعيدا عن الكاميرات وبشكل وحشي مماثل، لكن لم تحضر في وجداننا، كما تفعل أفلام «داعش».
تلك الأفلام تحول مواقع الأخبار الإلكترونية وحتى صفحات التواصل الاجتماعي إلى أمكنة عامة قبيحة، إذ نجتمع لنشاهد الرعب، ثم نتفرق مشاركين بشكل آلي في دائرة الموت الداعشي، عبر الانخراط في لعبة الفعل وردة الفعل.
لا نحتاج أفلام «داعش» لنعرف كم هو عنيف ودموي، وإطالة النظر إلى تلك الأفلام والانبهار، ولو سلبيا بها، يجازف بحرفنا عن الانتباه لمعاناة كثيرين آخرين لم يكونوا نجوم موت احترافي كالذي يصوره «داعش».
نشر الفيديوهات يقوي «داعش».. قاطعوها.
ديانا مقلد
الشرق الاوسط