مع بداية العام 2017، تعود التصريحات المتضاربة من الأطراف العراقية والأميركية حول المدة التي يمكن أن تستغرقها المعركة للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الموصل، وإخراج مقاتليه من المدينة.
رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الذي كان يبدو متفائلاً عند بداية المعركة، قبل أشهر، بأنّها ستنتهي مع بداية العام الحالي، أعاد تقييم حساباته، ليقول إنّها تحتاج أشهراً أخرى، بينما التصريحات الصادرة عن المسؤولين العسكريين الأميركيين متفاوتة جداً، بين تخمينات بنهايتها قبل استلام الرئيس المنتخب الجديد، دونالد ترامب، مسؤولياته في منتصف يناير/ كانون الثاني الحالي، والحديث عن حربٍ طاحنة تستمر خمسة أعوام مع التنظيم في العراق وسورية على السواء.
لا يبدو الحال أفضل كثيراً فيما يتعلق بالرقّة، إذ اختفى الحديث عن تقدّم سريع لقوات سورية الديمقراطية، ذات الأغلبية الكردية. وفي مدينة الباب في الريف الشمالي لحلب، تعاني القوات التركية التي اضطرت إلى طلب المساعدة من طيران التحالف الدولي.
بالنتيجة؛ عدنا إلى “المربع الأول” في المعركة على تنظيم داعش، وانهارت الفرضيات المتفائلة بعدم جديّة التنظيم بالقتال حتى النهاية، وبأنه سيلجأ إلى استراتيجية “الانحياز”، أي إخلاء مناطق نحو مناطق أخرى، اقتصاداً في قواته وقدراته، إلاّ أنّ مئات العمليات الانتحارية عبر السيارات المفخخة، ومن يسمون الاندماجيين، أنهوا تماماً تلك الفرضية (الانحياز)، فهنالك اعتبارات رمزية واستراتيجية عليا تجعل معركتي الموصل والرقة مصيريتين للتنظيم، وتدفعه إلى القتال فيهما إلى ما لا نهاية.
أي تقدير للوقت هو تكهن وتخمين غير منطقي، ولا يوجد أي أساسٍ يسنده، نظراً للحجم الكبير من المتغيرات التي تدخل في عملية تحديد قدرة التنظيم على الصمود والقتال، وقدرة الأطراف الأخرى على الهجوم، وهي متغيراتٌ ليست فقط عسكرية، بل ديمغرافية وسياسية، محلية وإقليمية، نفسية ومادية..إلخ.
ما يبدو إلى الآن أنّ عملية إخراج “داعش” من الموصل (وسيكون الوضع في الرقة مشابهاً لذلك إلى درجة كبيرة) معقدة، وستكون مكلفة بشرياً وعسكرياً إلى درجةٍ كبيرة جداً، إذ تفيد التقديرات بأنّ التنظيم خسر، حتى اللحظة، آلافاً من مقاتليه، عدد كبير منهم من الانتحاريين (تتحدث مواقع مقربة منه عن إعداد 900 انتحاري)، وبأنّ الجيش العراقي تعرض إلى كارثة حقيقية في الخسائر، في الأرواح والمعدّات، ما يصل إلى 30 بالمائة من فرقة مكافحة الإرهاب، الأكثر تدريياً وتأهيلاً في الجيش العراقي، فضلاً عن خسائر الجيش العراقي الكبيرة.
ذلك كله والمعركة الكبرى لم تبدأ بعد.. نتحدّث عن كتلة سكانية كبيرة في المناطق التي يسيطر عليها “داعش” في المدينتين، وعن مجتمع داعشي (المقاتلين الأجانب والعراقيين المنضمين للتنظيم وعائلاتهم)، ما يجعل من أي حرب شوارع ومدن أشبه بالمجازر الحقيقية المروّعة. ومن شاهد الفيلم الذي أصدره التنظيم أخيراً، “حدثني أبي”، كيف يتم تعليم الأطفال، ومن يسميهم أشبال الخلافة على القتال والعمليات واستخدام السلاح، سيدرك تماماً أن القصة معقّدة وصعبة، وأنّ القوات الهجومية ستواجه أطفالاً ونساءً، مستعدين للقتال حتى النهاية.
الطريقة الوحيدة، ضمن المعطيات العسكرية الحالية التي يمكن فيها إنهاء التنظيم، هي الطريقة الروسية “الأرض المحروقة”، أي إبادة المدن وتدميرها على رؤوس السكان، وقد تبدأ بذلك القوات العراقية، بإشراف أميركي، إذا زادت حالة اليأس في المرحلة المقبلة. لكن عبر استراتيجية القضم، حيّاً وراء حيّ.
مع ذلك، يمثل ما قام به التنظيم في مدينة تدمر، من إعادة السيطرة عليها، مؤشراً آخر، على أنّ القضاء عليه بعد كلفة كبيرة في الموصل والرّقة، لن ينهي وجوده، بل سيلجأ إلى العمليات الأمنية وحروب العصابات، والسيطرة على مدن أخرى..
يعيدنا هذا وذاك إلى خط البداية في النقاش عن الاستراتيجية المثلى في القضاء على التنظيم، وتتمثل في الحل السياسي المجاور، بل الذي يسبق العمليات العسكرية أولاً، وما أسميناه سابقاً تفكيك التنظيم من الداخل، والتفاوض مع العناصر المسيّسة فيه، وهي النتيجة التي وصل إليها الأميركيون اليوم مع حركة طالبان، بعد قرابة 14 عاماً من الصراع.
رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الذي كان يبدو متفائلاً عند بداية المعركة، قبل أشهر، بأنّها ستنتهي مع بداية العام الحالي، أعاد تقييم حساباته، ليقول إنّها تحتاج أشهراً أخرى، بينما التصريحات الصادرة عن المسؤولين العسكريين الأميركيين متفاوتة جداً، بين تخمينات بنهايتها قبل استلام الرئيس المنتخب الجديد، دونالد ترامب، مسؤولياته في منتصف يناير/ كانون الثاني الحالي، والحديث عن حربٍ طاحنة تستمر خمسة أعوام مع التنظيم في العراق وسورية على السواء.
لا يبدو الحال أفضل كثيراً فيما يتعلق بالرقّة، إذ اختفى الحديث عن تقدّم سريع لقوات سورية الديمقراطية، ذات الأغلبية الكردية. وفي مدينة الباب في الريف الشمالي لحلب، تعاني القوات التركية التي اضطرت إلى طلب المساعدة من طيران التحالف الدولي.
بالنتيجة؛ عدنا إلى “المربع الأول” في المعركة على تنظيم داعش، وانهارت الفرضيات المتفائلة بعدم جديّة التنظيم بالقتال حتى النهاية، وبأنه سيلجأ إلى استراتيجية “الانحياز”، أي إخلاء مناطق نحو مناطق أخرى، اقتصاداً في قواته وقدراته، إلاّ أنّ مئات العمليات الانتحارية عبر السيارات المفخخة، ومن يسمون الاندماجيين، أنهوا تماماً تلك الفرضية (الانحياز)، فهنالك اعتبارات رمزية واستراتيجية عليا تجعل معركتي الموصل والرقة مصيريتين للتنظيم، وتدفعه إلى القتال فيهما إلى ما لا نهاية.
أي تقدير للوقت هو تكهن وتخمين غير منطقي، ولا يوجد أي أساسٍ يسنده، نظراً للحجم الكبير من المتغيرات التي تدخل في عملية تحديد قدرة التنظيم على الصمود والقتال، وقدرة الأطراف الأخرى على الهجوم، وهي متغيراتٌ ليست فقط عسكرية، بل ديمغرافية وسياسية، محلية وإقليمية، نفسية ومادية..إلخ.
ما يبدو إلى الآن أنّ عملية إخراج “داعش” من الموصل (وسيكون الوضع في الرقة مشابهاً لذلك إلى درجة كبيرة) معقدة، وستكون مكلفة بشرياً وعسكرياً إلى درجةٍ كبيرة جداً، إذ تفيد التقديرات بأنّ التنظيم خسر، حتى اللحظة، آلافاً من مقاتليه، عدد كبير منهم من الانتحاريين (تتحدث مواقع مقربة منه عن إعداد 900 انتحاري)، وبأنّ الجيش العراقي تعرض إلى كارثة حقيقية في الخسائر، في الأرواح والمعدّات، ما يصل إلى 30 بالمائة من فرقة مكافحة الإرهاب، الأكثر تدريياً وتأهيلاً في الجيش العراقي، فضلاً عن خسائر الجيش العراقي الكبيرة.
ذلك كله والمعركة الكبرى لم تبدأ بعد.. نتحدّث عن كتلة سكانية كبيرة في المناطق التي يسيطر عليها “داعش” في المدينتين، وعن مجتمع داعشي (المقاتلين الأجانب والعراقيين المنضمين للتنظيم وعائلاتهم)، ما يجعل من أي حرب شوارع ومدن أشبه بالمجازر الحقيقية المروّعة. ومن شاهد الفيلم الذي أصدره التنظيم أخيراً، “حدثني أبي”، كيف يتم تعليم الأطفال، ومن يسميهم أشبال الخلافة على القتال والعمليات واستخدام السلاح، سيدرك تماماً أن القصة معقّدة وصعبة، وأنّ القوات الهجومية ستواجه أطفالاً ونساءً، مستعدين للقتال حتى النهاية.
الطريقة الوحيدة، ضمن المعطيات العسكرية الحالية التي يمكن فيها إنهاء التنظيم، هي الطريقة الروسية “الأرض المحروقة”، أي إبادة المدن وتدميرها على رؤوس السكان، وقد تبدأ بذلك القوات العراقية، بإشراف أميركي، إذا زادت حالة اليأس في المرحلة المقبلة. لكن عبر استراتيجية القضم، حيّاً وراء حيّ.
مع ذلك، يمثل ما قام به التنظيم في مدينة تدمر، من إعادة السيطرة عليها، مؤشراً آخر، على أنّ القضاء عليه بعد كلفة كبيرة في الموصل والرّقة، لن ينهي وجوده، بل سيلجأ إلى العمليات الأمنية وحروب العصابات، والسيطرة على مدن أخرى..
يعيدنا هذا وذاك إلى خط البداية في النقاش عن الاستراتيجية المثلى في القضاء على التنظيم، وتتمثل في الحل السياسي المجاور، بل الذي يسبق العمليات العسكرية أولاً، وما أسميناه سابقاً تفكيك التنظيم من الداخل، والتفاوض مع العناصر المسيّسة فيه، وهي النتيجة التي وصل إليها الأميركيون اليوم مع حركة طالبان، بعد قرابة 14 عاماً من الصراع.
محمد أبو رمان
صحيفة العربي الجديد