في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، أقر البرلمان العراقي قانوناً يدمج قوات الحشد الشعبي رسمياً في قوات الأمن العراقية. وتضم منظمة الميليشيا المظلة هذه عدة مجموعات من الميليشيات المتباينة، وسوف تعمل الآن رسمياً بالتوازي مع الجيش العراقي.
برزت هذه الميليشيات على الساحة بسبب النجاحات الميدانية التي أحرزتها ضد “داعش” بعد انهيار الجيش العراقي في العام 2014. وقد تم حشد أكثر من 100.000 مقاتل شيعي (وبعض العرب السنة) من أجل ملء الفراغ الأمني، وتلقت المساعدة من المصادقة الدينية لآية الله العظمى علي السستاني، رجل الدين الشيعي البارز في العراق.
سرعان ما لقت هذه الخطوة العديد من الانتقادات لأنه ينظر إليها على أنها تقوض عملية المصالحة الطائفية، ولأن ميليشيات الحشد الشعبي اتهمت بارتكاب فظائع طائفية. ومع ذلك، كان إضفاء الطابع المؤسسي عليها قادماً منذ فترة طويلة، حيث كانت لقوات الحشد الشعبي تفاعلات وتداخلات طويلة الأمد مع الدولة العراقية، وعملت مع قوات الأمن الاتحادية خلال مسار حملة مكافحة “داعش”، بما في ذلك العملية الحالية الجارية في الموصل.
ظهور الميليشيات الشيعية
على الرغم من أن بعض مكوناتها الرئيسية تتبع اسميا فقط رئيس الوزراء حيدر العبادي، كانت قوات الحشد الشعبي مسبقا قوة مُجازة من الحكومة وتتحالف نحو نصف ميليشياتها بشكل وثيق مع الحكومة الاتحادية.
تم دمج بعض من أقوى الميليشيات (وأكثرها استقلالاً)، مثل منظمة بدر، بشكل كبير في قوات أمن الدولة على مدى العقد الماضي. ويزدهر هؤلاء اللاعبون عندما تكون الدولة العراقية معتمدة على العمل مع الجماعات المسلحة الفرعية شبه الحكومية، أو حيث تكون غير قادرة على ضبط المساحة التي تعمل فيها الجماعات المسلحة العنيفة.
مع ذلك، المشكلة هي أن هذه المجموعات من الميليشيات لا يمكن هزيمتها عسكرياً، -ليس عندما يجلب ذلك كلفاً أعلى من الفوائد إلى مجتمع مزقته الحرب ودولة عراقية ضعيفة. وبالإضافة إلى ذلك، لن تذهب هذه المجموعات إلى أي مكان في أي وقت قريب، بالنظر إلى تخندقها في المجتمع العراقي.
بشكل عام، تسيطر فئتان من الميليشيات على المناخ السياسي والأمني العراقي: الميليشيات التي تشكلت لمعارضة نظام البعث السابق في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، والتي سيطرت على الدولة العراقية منذ العام 2003 (مثل بدر)؛ والميليشيات التي انبثقت عن الفوضى والفراغ اللذين أعقبا حرب العام 2003 (مثل جيش المهدي والتيار الصدري والجماعات المنشقة عنهما، مثل ميليشيا عصائب الحق).
في حين اعتبرت الفئة الأخيرة من الميليشيات مجرمة ووكيلة لإيران، يأتي مقاتلو وأعضاء هذه الميليشيات من جيل من الشيعة المعدمين الذين تشكل وعيهم السياسي في حقبة التسعينيات من الوحشية البعثية، والسياسات المناهضة للشيعة، والفقر. وقد تمت تعبئتهم ومنحهم متنفساً لمواطن شكواهم ومظالمهم من قبل التيار الصدري، الذي أنشأه آية الله محمد صادق الصدر، الذي يقود ابنه، مقتدى، الحركة الآن.
كان ما صنع هذه الميليشيات هو اضطراب النظام السياسي في العراق بعد العام 2003. وقد مهد انهيار الدولة بعد الغزو الأميركي في العام 2003 الطريق أمام تشكيل هياكل أمنية محلية. وكانت المجتمعات تحتاج إلى الحماية والخدمات والقيادة. وعندما فشلت الدولة بعد العام 2003، جاء التيار الصدري ليملأ الفراغ عن طريق إنشاء مكاتب الصدري المحلية والدوريات المحلية، وكذلك الخدمات الاجتماعية والدينية.
تتكون العديد من الميليشيات الشيعية في العراق من انشقاقات عن التيار الصدري. وتؤكد الميليشيات الشيعية التي ظهرت من هذه الحركة على السلطة الأخلاقية نفسها: لقد كانت هذه الميليشيات ومجتمعاتها هم الذين قاوموا النظام البعثي، في حين كانت المعارضة الشيعية والطبقة السياسية تتمتعان بحياة الترف في الخارج، ثم عادت إلى العراق على ظهور الدبابات الأميركية والبريطانية. وبعبارات أخرى، تنظر هذه الميليشيات إلى نفسها على أنها الوريثة الشرعية وصاحبة الحق في العراق الجديد.
الدمج المطلوب لقوات الحشد الشعبي
يمكن أن تساعد مأسسة قوات الحشد الشعبي على جلب بعض النظام إلى الهياكل الأمنية الصغيرة في العراق من خلال المساعدة على وضع حدود لاختصاصاتها. وعلاوة على ذلك، فإن الدمج الرسمي للميليشيات الشيعية في الدولة العراقية يساعد على إقامة حوار اجتماعي والتوصل إلى العقد الذي يمكن أن يولد الثقة وحسن النوايا.
في غياب هذا الدمج، ليس هناك الكثير لكبح الجماعات المسلحة التي لديها -وسوف تستمر- في الحصول على المقاتلين والمناصرين، وكذلك الأسلحة والأموال -مع أو بدون الاندماج في الدولة.
وعلاوة على ذلك، سوف تستمر هذا الجماعات في الحصول على راعٍ في شكل إيران التي تطلعت تاريخياً إلى استخدام التشرذم والانقسام كوسيلة لكسب السيطرة والنفوذ في العراق.
لا يعني دمج ميليشيات الحشد الشعبي في الدولة نهاية العراق، حتى لو أنه يشير إلى إعلان وفاة الجيش العراقي، الذي عانى تاريخياً من سوء الاستخدام، وعجز المصداقية والفساد المستشري.
ولكن، ما يزال لدى الدولة العراقية الكثير للجيش. فقد كسبت قوات مكافحة الإرهاب (المعروفة باسم “الفرقة الذهبية”) إشادة واسعة النطاق من جميع أنحاء الطيف العرقي والديني في العراق. ويأتي مقاتلوها الذين قوامهم 10.000 من المجتمعات الكردية، والعربية السنية والشيعية، كرمز للوحدة الوطنية، وكانت رأس الحربة في كل معركة كبرى منذ جاء “داعش” إلى المشهد قبل عامين.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للبنادق والمال أن تعمل الكثير لأعضاء الميليشيات الشيعية، الذين يتطلعون إلى الانتخابات الوطنية في السنوات المقبلة كوسيلة لاكتساب الشرعية والدعم.
أدى ظهور “داعش” وقوات الحشد الشعبي إلى إحداث تغيير كبير في التشكيلات السياسية والأمنية في العراق، ولكنه قد ينتج أيضاً سلسلة من التفاعلات في خط المواجهة بين القوى المختلفة المتحالفة مع الحكومة أو مع غير الحكومة، وبين الطوائف العراقية المختلفة. ويمكن أن تقطع هذه التفاعلات شوطاً طويلاً نحو تعزيز الاستقرار والوحدة الوطنية والهوية الوطنية. في النهاية، لم يُفقد كل شيء بعد بالنسبة للعراق.
رانج علاء الدين
صحيفة الغد