في الثلاثين من ديسمبر2006 وبينما كان المسلمون يحتفلون بشعائر عيد الأضحى المبارك، ويؤدون مناسك الحج، وينحرون الأضاحي، كان هناك نحر من نوع آخر ينفذ في مبنى المخابرات العراقية بالعاصمة بغداد على يد ثلة من المرتزقة الطائفيين، بمعية جنود الاحتلال الأمريكي، ومع إشراقة فجر العيد كانت الفاجعة خبراً رئيسياً على وسائل الإعلام العربية والعالمية.
مشهد إعدام صدام حسين كشف الكثير من الحقائق التي يعيشها العراق اليوم، فعدم وجود ممثل للمكون السني لحضور مراسم الإعدام وهتافات الطائفية التي ظهرت بوضوح لم تكن عفوية بقدر ما كانت رسالة بأن أصحابها هم من سيحكمون العراق.
الطاغية والديكتاتور والقاتل المستبد والظالم المتجبر كما يسميه خصومه رحل بصمت تاركاً خلفه ابتسامة عريضة بعد أن نطق الشهادتين بثبات، وأسلم روحه إلى بارئها، في مشهد صمود وثبات قلما تجده في عالم العمالة، والتصفيق للمحتل، ثبات العملاق الذي أغاظ من قتلوه، فلم يكتفوا باغتياله بل مثلوا بجثمانه، وقطعوا حنجرته حتى لا يعود للحياة مرة أخرى.
مشهد إعدام صدام حسين كشف الكثير من الحقائق التي يعيشها العراق اليوم، فعدم وجود ممثل للمكون السني لحضور مراسم الإعدام وهتافات الطائفية التي ظهرت بوضوح لم تكن عفوية بقدر ما كانت رسالة بأن أصحابها ومن ورائهم أسيادهم هم من سيحكمون العراق بعيداً عن أي دور للمكون السني، وهذا ما يعيشه العراق حالياً، كما أن حضور السفير الإيراني والأمريكي لعملية تنفيذ الجريمة، كانت الرسالة الثانية في المشهد والتي كشفت الصفقة الأمريكية الإيرانية، بتسليم العراق لإيران وتحويلها إلى مقاطعة إيرانية وليست دولة مجاورة، واليوم وبعد عشر سنوات من المشهد التاريخي، تعتبر إيران العراق عاصمة لها لا أكثر!
الدكتور خليل الدليمي رئيس هيئة الدفاع عن صدام حسين في كتابه “هذا ما حدث” أكد وجود جنرالات عسكرية إيرانية أثناء تنفيذ حكم الإعدام بحق صدام، من بينهم الجنرال قاسم سليماني، وأنهم خاطبوا صدام باللغة الفارسية في رسالة فحواها أن مصير العراق أصبح بيد إيران بحسب الدليمي، واليوم نجد سليماني يسرح ويمرح من بغداد إلى حلب ومن الموصل إلى صنعاء، في حركة دؤوبة لنشر الثورة الخمينية بين أوساط الأرض العربية، فالعراق لم تكن سوى بداية المشروع وللقصة ما بعدها.
إعدام صدام لم يكن حدثاً عابراً انتهى قبل عشر سنوات، وإنما حمل في طياته الكثير من التداعيات الخطيرة التي لايزال العرب يعانون منها حتى اللحظة بسبب تورطهم في التآمر عليه، وعدم اكتراثهم لمرحلة ما بعد صدام التي شهدت توسع وتمدد للمشروع الفارسي الذي اتخذ من عباءة الثورة الإسلامية منطلق لتصدير أفكاره، وشعائره المنحرفة، ولذلك كان من البديهي أن تختار إيران الشعبة الخامسة من مبنى المخابرات العراقية مكاناً لتصفية صدام، كون هذه الشعبة لعبت دوراً في تزويد الجيش العراقي بالمعلومات خلال الحرب مع إيران.
كان النظام العراقي السابق سداً منيعاً في أمام النفوذ الإيراني وحامياً للبوابة الشرقية التي انهارت بعد رحيل صدام، وانطلقت منها الجحافل الإيرانية باتجاه سوريا ولبنان واليمن بعد أن التهمت العراق، ونفذت فيه أعمال انتقامية ثأراً لحرب الثماني سنوات التي اندلعت بين الطرفين في ثمانينات القرن الماضي.
عشر سنوات مرت كانت كافية لأن يعرف العرب الكثير في فقه الواقع، ولعبة السياسة، لكن شيء من ذلك لم يحدث، بقدر ما كان إعدام صدام هاجساً مخيفاً لكراسي الحكم، وهو ما عبر عنه الراحل معمر القذافي في إحدى القمم العربية، عندما خاطب الزعماء قائلاً: الدور جاي على كل واحد منكم!
صدام حسين الحاكم لم يكن يتعامل مع شرائح الشعب وفق انتماءات ضيقة، بقدر ما كان يتعامل مع الشعب من نقطة الانتماء للعراق بعيداً عن المسميات الطائفية التي ظهرت إثر الاحتلال الأمريكي، وما تلاها من عمليات الذبح على الهوية، والقتل الطائفي الذي مارسته الميليشيات المرتبطة بإيران، وقتل خلالها الآلاف ممن لم يعرف قاتليهم ولا حتى هويتهم، لينتهي بها الأمر إلى خانة “مجهولي الهوية”.
لقد كانوا أغبياء عندما قرروا إعدامه بتلك الطريقة التي أضافت إلى شخصيته الكثير من الحب والتقدير ممن كانوا يكرهونه، ولم يدركوا جيداً أن تاريخ الرجل لايزال يذكر حتى يومنا هذا.
صدام حسين لديه عدد من الأخطاء والإخفاقات كأي رئيس، ولعل أبرزها اجتياح الكويت الذي كان مدبراً بعناية لاستنزاف العراق وقد اعتذر صدام عن هذا الخطأ بعد وقوع الفأس على الرأس، كما أن صدام أخطأ عند إيداعه عشرات الطائرات لدى إيران في إطار ما سماها حسن النوايا وطي صفحة الحرب معها، وهي الطائرات التي سرقتها سلطة الولي الفقيه ولم تعيدها حتى اللحظة، هذه الأخطاء وغيرها تستحق أن تكون تهم موجهة لصدام في ظل قضاء شرعي إن كان يستحق المحاكمة أصلاً، لكن شيء من ذلك لم يحدث فهم يرون أن صدام لديه طموحات تجعل من العراق بلداً متقدماً فضلاً عن كونه يشكل خطراً على الوجود الصهيوني، ولذلك فصدام استحق المحاكمة والإعدام لأنه قرر تأميم النفط العراقي، وسعى لتطوير البرنامج النووي العراقي، لأنه سمح للأمية في بلاده أن تصل إلى صفر بالمائة وقرر مجانية التعليم من الروضة وحتى شهادة الدكتوراة، لأنه قرر مجانية العلاج للعراقيين في المشافي العراقية رغم المؤامرات والحصار، لأنه حارب مظاهر الفسق والفجور في مدن العراق، و قصف الكيان الصهيوني بوابل من الصواريخ، لأنه هتف بالحياة للأمة وبالحرية لفلسطين، لأنه كان إسلامياً ولم يكن علمانياً، لذلك استحق الإعدام عقاباً لما ارتكبه من أخطاء في نظر أعداء العراق.
لقد كانوا أغبياء عندما قرروا إعدامه بتلك الطريقة التي أضافت إلى شخصيته الكثير من الحب والتقدير ممن كانوا يكرهونه، أغبياء لأنهم لم يدركوا جيداً أن تاريخ الرجل لايزال يذكر حتى يومنا هذا، يذكره العراقيون جيداً ويحنون كثيراً إلى ديكتاتوريته، يذكره العرب ويحنون كثيراً إلى عنفوانه وكبريائه في وجه عشرات الدول عندما كان العراق شامخاً وعظيماً لا يخضع لوصاية خارجية كما هو الآن.
الآن وبعد عشر سنوات على استشهاد صدام حسين -رحمه الله-، وسواء اتفقنا مع صدام أو اختلفنا معه، ما هو الإنجاز الذي تحقق على يد حكام العراق الذين جاؤوا للحكم على ظهر الدبابة الأمريكية، وتحت راية ولاية الفقيه؟ وهل فعلاً تحررت العراق كما يروج البعض أم أنها أصبحت تحت احتلالين؟ وهل كان الهدف اغتيال صدام أم اغتيال العراق؟
منذر فؤاد
مدونات الجزيرة