قالت مجلة الإيكونوميست البريطانية إن صراعا على السلطة يحتدم في بغداد بين الأطياف السياسية، بينما تواجه المعركة لاسترداد الموصل من داعش صعوبات؛ إذ تبدو المدينة عصية على السقوط حتى الآن.
ومع أن القيادة العراقية وعدت باسترداد المدينة بحلول أعياد الميلاد، فإن رئيس الوزراء حيدر العبادي بدأ يوعز بأن معركة الموصل قد يطول أمدها حتى عيد الفصح في منتصف أبريل/نيسان المقبل.
وتوقفت المعركة نحو شهر عند الضفة الشرقية التي تعدها المجلة البريطانية الجزء الأسهل في القتال، مشيرة إلى أن التكاليف لاستعادة ثانية كبرى المدن العراقية بدت باهظة؛ فقد انهار خمس قوات النخبة، حسب ما ذكرته تقارير صحفية.
وبدعم من قوات أميركية خاصة إضافية، أطلق العبادي مرحلة ثانية من حملته العسكرية، أسفرت عن سيطرة قواته على المنطقة الصناعية للمدينة.
لكن ما يناله الجنود العراقيون نهارا من مناطق سرعان ما يسترده مقاتلو داعش ليلا، بفضل شبكة الأنفاق التي حفروها تحت خطوط المواجهة.
واكتسب ما تصفه الإيكونوميست بالتمرد زخما جديدا في أنحاء العراق؛ فقد تسارعت وتيرة التفجيرات الانتحارية مرة أخرى في الأحياء التي يقطنها الشيعة في بغداد وجنوبي البلاد، وفي محافظتي الأنبار وصلاح الدين اللتين تسيطر عليهما الحكومة منذ وقت طويل بدأ داعش يستعرض عضلاته فيهما.
وتحمل العملية العسكرية في طياتها تبعات سياسية على العبادي، الذي طالما سعى لإظهار نفسه بمظهر القائد المظفر بارتدائه الزي العسكري. وإذا صادف رئيس الوزراء حظا عاثرا آخر فإن خصومه في بغداد يتربصون به الدوائر للانقضاض على السلطة.
ومن بين هؤلاء سلفه نوري المالكي وعصبته من مليشيا الحشد الشعبي، وهو كان وراء تشكيلها عندما كان رئيسا للوزراء. ومع تباطؤ تقدم القوات العراقية نحو الموصل، فإن المالكي وأنصاره يطالبون بنشر ألوية عسكرية بدعم إيراني.
ولما كانت قوات الجيش والشرطة العراقية تعاني نقصا في الرجال، فقد أبدى بعض القادة العسكريين الأميركيين ترحيبهم الآن بالاستعانة بتلك الألوية.
غير أن المجلة رأت أنه إذا أُطلق العنان للجماعات الشيعية، فإن مجازر طائفية أخرى ستحدث. وقد يدفع ذلك تسعمئة ألف سني -هم كل ما تبقى في الموصل- إلى الالتحاق بداعش، ثم إن من شأن تعزيز دور الجماعات الشيعية تلك أن يضعف الدولة العراقية ويقوي الحشد الشعبي.
من جانبه، فإن المالكي ينوي على ما يبدو إنشاء حرس ثوري على غرار ذلك الذي يحكم قبضته على الأمور في إيران المجاورة. وفي المقابل، فإن حيدر العبادي يستغل قانون قوات الحشد الشعبي لخطب ود المليشيات السنية التي أقصاها المالكي عندما كان رئيسا للوزراء.
فقد أدرج العبادي آلاف الضباط والجنود السنة الذين خدموا في جيش الرئيس الراحل صدام حسين، في كشوفات الرواتب الحكومية، ووضعهم تحت إمرة محافظ الموصل السابق أثيل النجيفي، كما أسقط بهدوء تهم الإرهاب الموجهة إلى خميس الخنجر -وهو سياسي سني قالت الإيكونوميست إنه يحظى بدعم دول الخليج.
وبمباركة العبادي نفسه، ذهب عمار الحكيم -الذي يتزعم أكبر كتلة شيعية في مجلس النواب (البرلمان)- إلى العاصمة الأردنية عمان والعاصمة اللبنانية بيروت للتفاوض حول شروط عقد مصالحة وطنية، من بينها العفو عن شخصيات سنية في المنافي.
وبرأي المجلة، فإن الأمل معقود على انضمام البعثيين السابقين والجماعات الإسلامية السنية الأخرى في القتال من أجل التخلص من داعش إذا تلقوا وعدا بأن يكون لهم وضع داخل العراق في المستقبل.
وقال دبلوماسي في بغداد إن “بعض الشيعة بدأ يدرك أنهم إن لم يستوعبوا السنة والأكراد فإن ما تبقى من العراق قد يصبح ولاية أخرى من ولايات إيران”.
ورغم كل الانتكاسات التي تعرض لها، استطاع العبادي أن يسترد كل الأراضي التي فقدها المالكي. فقد ضمن دعما عسكريا أميركيا جديدا زاد إثره عدد القوات الأميركية المنتشرة في العراق إلى أربعة أضعاف العام الماضي. وعلى الجانب الاجتماعي، بدأت بغداد تستعيد بعض مظاهرها الطبيعية.
كما أن الاقتصاد العراقي في طريقه للخروج من الأزمة التي نجمت عن تراجع أسعار النفط وزيادة الإنفاق على المجهود الحربي.
المصدر : مجلة الإيكونوميست
ترجمة مركز الروابط للابحاث والدراسات