يستمر النفوذ، والتمدد الايراني داخل العراق، وبخاصة في شؤونه الداخلية، وتحرص ايران على استباق الأحداث؛ لكي تأخذ اجهزتها الامنية والاستخباراتية الايرانية موقعها، ومكانتها في حال تبدل الاوضاع داخل العراق البلد المهم لايران، والذي يشكل عمقا ممتدا لسياستها ومنهجها في التوسع نحو تنفيذ مخططها بالسيطرة على المنطقة العربية، واعتباره بداية وممرا مهما يساعدها ويسهم في تعزيز مكانتها الاقليمية التي تسعى؛ اليها لبسط نفوذها وايجاد موقع لها بين دول منطقة الشرق الاوسط، بحيث تكون مؤثرة في صنع القرار السياسي، وادامة زخم العلاقات الاقليمية والدولية في منطقة تعد من أكثر المناطق أهمية في الصراع الدولي، وتنفيذ سياسة الدول الكبرى ومصالحها .
ومن هنا يأتي قرار الحكومة الايرانية بتعيين المستشار الاعلى لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني العميد (ايرج مسجدي) سفيرا لطهران في بغداد بدلا من (حسن دانائي) الذي انتهت مهام عمله في العراق .
وتبدو ابعاد القرار في ظاهرها دبلوماسية، ولكنه يخفي الكثير من الدلائل والمعطيات التي تمكن قراءتها كالاتي :
1-ان تطور الاحداث يشير بدقة الى نهاية وجود قيادات ومقاتلي داعش على أرض العراق وان هناك مستقبلا سياسيا سيعيشه العراق وشعبه، ومتغيرات اجتماعية وديمغرافية من الممكن أن تؤثر على طبيعة السياسة الاقليمية في المنطقة .
2- يتمتع السفير الجديد مسجدي بعلاقات واسعة وكبيرة، ومؤثرة مع جميع قادة المليشيات المسلحة داخل العراق، والمدعومة من النظام الايراني وأجهزته الامنية والاستخباراتية، وهو من أبرز الوجوه القريبة لقادة المليشيات العراقية، وله رأي يطاع في توجيههم، مما أنتج وجودا قويا للمليشيات في البلاد انعكس سلبا على طبيعة الصراع الطائفي والسياسي داخل العراق ومدنه، وبين أبناء شعبه .
3- يمتلك (مسجدي) خبرة واسعة في مجال العمل الامني والاستخباراتي، وبحكم وجوده وعمله مستشارا لقاسم سليماني، اكتسب خبرة ميدانية واسعة في التعامل مع الملف العراقي، وحيثيات التطورات السياسية والامنية داخل العراق؛ مما يؤهله للتعامل مع المرحلة المقبلة التي سيعيشها العراق وشعبه .
4- الامتيازات والمؤهلات التي يتمتع بها (مسجدي) أهلته للترشح لهذا المنصب الدبلوماسي الرفيع؛ مما يدل على مدى حرص حكومة طهران على وجود قيادات ايرانية بهذا المستوى في التعامل مع حكومة بغداد بما يخدم مصالح ايران، وسياستها في المنطقة العربية ودول الشرق الاوسط .
5- سيعمل (مسجدي) بتوجيه خاص يخدم مسار عمله الاستخباراتي والامني داخل العاصمة بغداد، ومدن العراق الاخرى، وينعش الدور الذي تقوم به المليشيات المسلحة المدعومة من قبل النظام الايراني، وسنشهد لايران دورا مميزا على الساحة العراقية، يكون سببا مباشرا في تأثيراتها على صنع القرار السياسي العراقي، وتحديد مسارات العمل المستقبلي للبلد .
6- ان تكليف (مسجدي)بادارة مهام عمل سفارة طهران في بغداد يؤكد حقيقة راسخة، وهي: ان الايرانيين يسعون دائما الى اعتبار سفارتهم في العراق واحدة من أهم المناصب الاستراتيجية في توجهاتهم، وبرامجهم السياسية .
7- سبق للسفير الايراني الجديد أن خدم، وشارك الجيش الايراني في حربه ضد العراق في الثمانينيات من القرن الماضي، وله مساهمات قتالية في معارك عديدة، وأصيب في معارك ديزفول عام 1981 عندما كان مقاتلا في الحرس الثوري الايراني .
8- شارك وساهم في ادارة معركة الفلوجة الاخيرة، ومواجهة عناصر داعش فيها، ومن أقواله التي تؤكد حقيقة عمله وتوجهاته الاستخبارية الداعمة للحفاظ على الامن القومي الايراني: “ان دخول الحرس الثوري بضباطه في معركة الفلوجة كان من أجل أن تبقى ايران مركزا للتشيع في العالم، وتعد هذه المشاركة دفاعا عن ايران وحدودها “.
9- لدى (مسجدي) نظرة استراتيجية في كيفية التعامل مع أعداء ايران اكتسبها من خدمته في العمل الامني والاستخباراتي، والتي يؤشرها في تحديد مسار المواجهة بقوله: “من أكبر الاخطاء الاستراتيجية محاربة عدوك داخل حدودك الجغرافية، ويجب أن ننقل معاركنا مع الدول العربية من ايران الى داخل حدود أراضي العدو، وتدمير قوته كاملة حتى لا تصل التهديدات الى داخل حدود ايران”، وهذا مؤشر واضح وصريح الى طبيعة السياسة الايرانية في مواجهتها المقبلة داخل (العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان؛ مما يؤكد حقيقة النهج والدور الايراني تجاه الاقطار العربية، وسعيها لفرض نفسها قوة اقليمية ذات أبعاد، ومنهج مستقبلي مهمته الهيمنة، وبسط النفوذ على العرب .
10- أما عن دور(مسجدي) وتعامله مع أبناء الشعب العراقي، ونظرته لكيفية قيادة المجتمع العراقي، وجعله جزءا من الهيمنة الايرانية، فيظهر بوضوح في تأكيده:” أن تدخل ايران عسكريا في العراق، يهدف الى تكريس هيمنة طهران ليس في المناطق الجنوبية والفرات الاوسط، فحسب، بل لإخضاع العرب السنة ومناطقهم؛ حتى لا يكون لهم دور سياسي مؤثر في العراق، وسياسته في المستقبل” .
هذه ملامح تعيين السفير الايراني الجديد في بغداد وأهدافه، وسنرى في الايام المقبلة ما يؤكد حقيقة ما ذهبنا اليه، وكيفية التعامل مع الملف العراقي، وآفاق العلاقات الايرانية –العراقية، ومنهج ادارتها وأسلوبها، بما يحقق أكبر قدر ممكن من المصالح الايرانية داخل العراق .
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية