دمشق – قررت فصائل المعارضة السورية بعد اجتماعات محمومة احتضنتها العاصمة التركية أنقرة الموافقة على المشاركة في مؤتمر أستانة الذي سينعقد الاثنين المقبل لبحث الأزمة السورية.
وسيركز المؤتمر، الذي تحتضنه العاصمة الكازخستانية ويضم ممثلين عن الفصائل وعن الحكومة، على مسألة وقف إطلاق النار الهش، بما يمهد الطريق لبحث العملية السياسية في جنيف في فبراير المقبل.
وجاءت موافقة الفصائل المسلحة بعد اجتماعات مع مسؤولين أتراك، اتسمت، وفق مصادر مطلعة، بأجواء مشحونة جراء الضغوط التي سلطت على هذه الفصائل للقبول بالمشاركة دون شروط.
وكانت الفصائل قد وضعت جملة من المطالب كإجبار النظام على وقف الخروقات خاصة في ريف دمشق، فضلا عن نشر مراقبين دوليين على خطوط التماس، بيد أن الضغوط التركية أجبرت الأخيرة على تأجيل طرح هذه المطالب على المؤتمر.
وقال محمد علوش، القيادي البارز في جيش الإسلام، أحد أبرز الفصائل الإسلامية النافذة في ريف دمشق، “كل الفصائل ستذهب. الكل موافق”، مؤكدا أنه من سيتولى قيادة الوفد.
وأضاف علوش أن المحادثات “عملية لوقف سريان الدم من جانب النظام وحلفائه. نريد وقف هذا المسلسل الإجرامي”.
ومحمد علوش يعتبر من المحسوبين على المملكة العربية السعودية وكان يشغل منصب كبير المفاوضين في وفد الهيئة العليا للمفاوضات (موجود مقرها في الرياض) إلى جنيف. ويعتبر البعض أن تمكينه من قيادة وفد المعارضة مرتبط بإرضاء السعودية التي تعد أحد الأطراف الرئيسة الداعمة للمعارضة السورية.
بالمقابل يرى آخرون أن أمر توليه قيادة الوفد، طبيعي باعتباره الفصيل السوري الأبرز بعد “أحرار الشام” التي يبدو أنها خيرت الابتعاد عن الواجهة لعدة اعتبارات لعل أهمها الانقسامات التي تشهدها في صفوفها حول المشاركة في أستانة.
وأكد أحمد عثمان، القيادي في فرقة “السلطان مراد”، وهو فصيل معارض تدعمه أنقرة وينشط في شمال سوريا، أن “الفصائل أخذت قرارها بالذهاب إلى المحادثات ضمن ثوابت الثورة”.
ويستثني وقف إطلاق النار الذي جاء بناء على اتفاق تركي روسي وبدأ تطبيقه في 30 ديسمبر التنظيمات المصنفة “إرهابية” وعلى رأسها تنظيم الدولة الاسلامية. كما يستثني وفق موسكو ودمشق جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) التي تسيطر مع فصائل موافقة على الهدنة على محافظة إدلب (شمال غرب).
وقال أسامة أبوزيد، المستشار القانوني للفصائل المعارضة الاثنين إن وفد أستانة يمثل “جميع الفصائل المعتدلة باستثناء تلك المرتبطة بتنظيم القاعدة أي جبهة فتح الشام”.
وتبذل موسكو مع أنقرة جهودا حثيثة لإنجاح محادثات أستانة بين ممثلي النظام والفصائل الذين سيجلسون وجها لوجه حول طاولة واحدة، وفق ما رجحت مصادر معارضة وأخرى قريبة من النظام بعدما كانت المفاوضات السابقة التي استضافتها الأمم المتحدة في جنيف عبارة عن محادثات غير مباشرة.
وأوضح أبوزيد “على رغم من الخروقات الوقحة المرتكبة خصوصا من الميليشيات الإيرانية في وادي بردى وريف دمشق فإن ما دفعنا إلى الموافقة على الذهاب إلى أستانة هو أن أجندة المرحلة الأولى تتضمن تثبيت وقف إطلاق النار حصرا”.
وأضاف “انطلاقا من ذلك، من الطبيعي أن يكون الوفد عسكريا فقط” على أن يرافقه “وفد تقني” من الهيئة العليا للمفاوضات و”يعمل تحت مظلته”.
ويأمل السوريين في أن تحدث الفصائل المسلحة اختراقا نوعيا في اتجاه حل الأزمة السورية، بعد أن عجز السياسيون عن فعل ذلك على مر المؤتمرات التي عقدت في جنيف خلال الست سنوات الماضية.
ومعلوم أنه في السابق تم اعتبار الفصائل مجرد ملحق أو تابع رغم أنها هي من يمسك بالأرض، بيد أن هذا المنطق أثبت عقمه، والدليل فشل تلك المؤتمرات.
ورأى رئيس تحرير صحيفة “الوطن” السورية القريبة من دمشق وضاح عبدربه، الاثنين، أن “المقاربة الروسية الإيرانية التركية هي العكس تماما لما حصل سابقا في جنيف، حيث تنطلق الأمم المتحدة من مبدأ أنه إذا توصلنا إلى حل سياسي، فسينعكس ذلك على توقف المعارك”.
أما في أستانة، فسيتم الانطلاق وفق عبدربه من وجوب “تسوية الوضع الميداني تمهيدا لفتح الطريق أمام المفاوضات السياسية، لأن روسيا أدركت أن ممثلي المعارضة الذين شاركوا في المفاوضات السابقة لم يكن لهم أي تأثير في الميدان”.
العرب اللندنية