القاهرة- رغم صدور حكم قضائي جديد في مصر ببطلان توقيع الحكومة على اتفاقية تمنح بموجبها مصر السعودية السيادة على جزيرتين في البحر الأحمر، تحاول القاهرة الحفاظ على علاقتها مع الرياض، إنما تسعى في الوقت نفسه الى لحصول على داعمين جديد، بحسب خبراء.
وثبتت المحكمة الإدارية العليا في مصر الاثنين قرارا قضائيا سابقا ببطلان توقيع الحكومة على اتفاقية تمنح بموجبها مصر السعودية السيادة على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر. وكانت القاهرة والرياض وقعتا هذه الاتفاقية المثيرة للجدل اثناء زيارة مطولة للملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز إلى القاهرة في إبريل الفائت شهدت أيضا توقيعا على حزمة من اتفاقيات الاستثمار تجاوزت 16 مليار دولار.
وحصلت مصر منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم على مليارات الدولارات من المساعدات من السعودية، لكن العلاقات بين البلدين فترت خلال الاشهر الاخيرة، بسبب خلافات في بعض الملفات الاقليمية، لا سيما منهما السوري واليمني.
ولم تعد إمدادات شركة “أرامكو” السعودية بالنفط لمصر منتظمة خلال الفترة الاخيرة بعد ان ايدت مصر في مجلس الامن الدولي مشروع قرار روسي حول سوريا، ما دفع القاهرة للبحث عن بديل في مجال النفط. وقد يؤدي القرار القضائي الأخير لسكب مزيد من الزيت على النار بين البلدين.
لكن عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير السابق محمد أنيس سالم قال إن “علاقة مصر مع السعودية لا يمكن استبدالها بسهولة”. وتابع “العلاقة ليست فقط مساعدات. قلب العلاقة أن البلدين يلعبان دورا كبيرا ومهما في أمن الشرق الأوسط”.
مصر “تبرد” الأزمة
وشدد السيسي في حوار مع صحف محلية قبل قرار المحكمة، على “حرص مصر” على العلاقات مع السعودية. وقال ردا على سؤال بخصوص الأجواء غير المؤاتية بين البلدين “نحن حريصون على العلاقات مع أشقائنا ونقول إن أمننا مرتبط بتماسكنا وبوحدتنا ومرتبط بتفاهمنا مع بعضنا البعض.. وأقول هذا وقت التماسك”.
وقال مؤسس مركز الشرق الاوسط للدراسات اللواء السعودي المتقاعد أنور عشقي “لا توجد مشكلة بين السعودية ومصر” بخصوص قرار المحكمة الذي وصفه بأنه “أمر داخلي”. وأضاف أنه رغم أن البلدين لديهما “وجهات نظر مختلفة حول سوريا واليمن”، فإن ذلك يمكن حله بالمباحثات بينهما.
وأبدى عضو البرلمان المصري سمير غطاس اعتقاده بأن “القيادة المصرية ستحاول تبريد الأزمة وعدم تصعيدها”. وأشار غطاس، وهو من أشد معارضي الاتفاقية في البرلمان، إلى أن “السعودية بدأت بتصعيد العلاقات بقطع البترول عن مصر وبزيارة وفد سعودي لموقع سد النهضة” الإثيوبي.
وكان غطاس يشير إلى زيارة مثيرة للجدل قام بها مسؤولون سعوديون لموقع سد النهضة على النيل الأزرق في شمال غرب اثيوبيا. ويثير هذا السد أزمة بين أديس أبابا والقاهرة التي تخشى أن يؤثر على حصتها من نهر النيل، مصدرها الرئيسي للمياه.
وتتهم المعارضة المصرية الحكومة بأنها “باعت” الجزيرتين للسعودية لقاء الحصول على دعم اقتصادي وسياسي، مؤكدة ان هذه الاراضي تعود الى مصر تاريخيا ولم يسبق ان مارست السعودية عليها ايا من مظاهر السيادة.
ورغم هذه الانتقادات الحادة، مضت الحكومة المصرية قدما وأحالت في نهاية ديسمبر الفائت مشروع الاتفاق الى البرلمان رغم قرار القضاء بابطالها. وسبق وبررت الحكومة المصرية قرارها بالقول ان “العاهل السعودي الراحل الملك عبدالعزيز آل سعود كان قد طلب من مصر في يناير 1950 أن تتولى توفير الحماية للجزيرتين”.
ويقول استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد إن “الحكومة المصرية لن تألو جهدا لوقف تنفيذ هذا الحكم”، معتبرا انها تريد أن تثبت “حرصها على تنفيذ الاتفاقية وتجاهد لاثبات قانونيتها”. ويشير إلى “أن الحكومة السعودية سوف تأخذ لا شك هذا في الاعتبار”.
ورغم هذا الجهد الواضح، قال القاضي الاثنين في جلسة النطق بالحكم إن “الحكومة لم تقدم وثيقة تغيّر ما ينال من الحكم السابق”، مشددا أن “سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها”.
البحث عن بديل
ودفع الوضع الحالي المتأزم والمعقد بين البلدين خصوصا في مجال النفط، القاهرة للبحث عن بديل. ويقول الباحث الاقتصادي إبراهيم الغيطاني إن “الوضع تعقد أكثر. التعويل على السعودية كشريك اقتصادي لمصر بدأ يتلاشى”.
ويضيف “الحكومة بدأت بالفعل تبحث عن بديل في مجال النفط. هناك اتفاقية لتوريد مشتقات بترولية شهرية مع الكويت، وهناك مفاوضات في مرحلة متقدمة مع العراق”. ويشير إلى بحث القاهرة عن شركاء اقتصاديين كـ”الصين والاتحاد الاوروبي ودول شرق اوروبا”، وذلك خلال زيارات السيسي المتعددة حول العالم.
ولن تدخل الاتفاقية المصرية السعودية الحدودية حيز التنفيذ الا بعد عرضها على مجلس النواب المصري والحصول على موافقته. ولن يحول القرار القضائي دون حصول ذلك. وأبدت مسؤولة حكومية بارزة قلقها من أن تدهور العلاقات مع السعودية قد يضع القاهرة في “تحد اقتصادي صعب”. وأضافت ان “السعودية ومصر وقعتا 20 اتفاقية استثمارية في إبريل الماضي. إذا تصاعد التوتر، هل هناك بديل؟”.
العرب اللندنية