في 22 تشرين الثاني (نوفمبر)، أعلنت القيادة العامة للجيش السوري عن تشكيل أول قوة عكسرية قائمة على التطوع: “الفيلق الخامس اقتحام”. ووصف البيان الرسمي الفيلق بأنه قوة كوماندوز تهدف إلى “مكافحة الإرهاب”، والتي سيتم نشرها إلى جانب وحدات الجيش الأخرى والقوات الحليفة الأجنبية (وإنما لم يحدد أين). ومن بين قطاعات السكان المستهدفة بالتجنيد، المدنيون غير المطلوبين مُسبقاً للخدمة العسكرية، والفارون من الجيش، والعاملون في الحكومة.
ويقدم الفيلق الخامس للمجندين مرتبات شهرية، ويعرض تسوية لأوضاع أولئك الذين فروا من مواقعهم العسكرية. ويُمنح المتطوعون من ذوي الوظائف الحكومية عقوداً لمدة سنة، بينما يستمرون في تلقي رواتبهم وامتيازاتهم الحكومية بالإضافة إلى رواتبهم من الفيلق الخامس. وهناك صفحة على “فيسبوك” تزعم أنها الصفحة الرسمية للقوة، وتسمى “الجيش العربي السوري -الفيلق الخامس”، والتي لديها مُسبقاً أكثر من 8.000 إعجاب، وتحتوي على رقم هاتف ليتصل به المجندون المحتملون للتعرف إلى مزايا الانضمام.
يلقي تشكيل الفيلق الخامس وتكتيكات تجنيده العسكرية غير المسبوقة مدى التعقيد الذي يميز وضع جيش النظام في سورية. وبإنشاء قوة جديدة، يحاول النظام معالجة مشكلتين رئيسيتين: النقص في اليد العاملة الأصيلة مقارنة بالتواجد الأجنبي الكثيف المناصر للأسد؛ والحاجة إلى إضفاء الطابع المؤسسي على القوات الإضافية الرديفة ودمجها في الجيش. وسوف تحدد كيفية تجسد ذلك على الأرض مستقبل الجيش السوري، وكذلك العلاقات الروسية-الإيرانية، وقدرتهما على التعاون ومواقفهما في سورية ما بعد الحرب.
الوضع الحالي لجيش الأسد
على مدى السنوات الخمس الماضية، فقد النظام السوري قوى عاملة كبيرة. وفي تموز (يوليو) 2015، قبل شهرين فقط من التدخل العسكري الروسي، قال الرئيس بشار الأسد إن جيشه كان يواجه “نقصاً في القدرات البشرية”. وقد تمكنت القوات الروسية من سد هذه الفجوة؛ حيث ساعدت قوات النظام بكثافة في محاربة المعارضة، وتمكنت في غضون عام واحد من تحويل ميزان القوى على الأرض.
قبل الحرب، كانت أعداد الجيش السوري يقدر بحوالي 300.000 مقاتل، وكان مكوناً بشكل أساسي من الشباب المنخرطين في الخدمة الإلزامية. وبحلول تشرين الأول (أكتوبر) 2015، قُدر أن عدد الجيش أصبح يتراوح ما بين 80.000 و100.000. وجاء هذا الانخفاض الهائل نتيجة للانشقاقات الجماعية (التي بدأت مباشرة بعد أن تلقت القوات المسلحة الأوامر بمهاجمة المحتجين السلميين في العام 2011)، وارتفاع حصيلة القتلى والمتهربين من الخدمة. ومع هذه الأعداد، لم تكن قوات الأسد لتتمكن من اجتياز الحرب من دون دعم الميليشيات المحلية والأجنبية، وكذلك المساهمات العسكرية من إيران وروسيا.
هناك ثلاثة مصطلحات يتم استخدامها الآن في وسائل إعلام النظام الرسمية الناطقة بالعربية لوصف القوات المؤيدة للأسد على الأرض: “القوات المسلحة” -المصطلح الذي يشير إلى الجيش القائم على المجندين الإلزاميين؛ “القوات الرديفة” -الذي يشير إلى الميليشيات المحلية القائمة على التطوع، مثل قوات الدفاع الوطني؛ و”القوات الحليفة” -الذي يشير إلى القوات الأجنبية، مثل قوات حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية الإيرانية والعراقية، والقوات الروسية.
تم تأسيس الميليشيات المحلية لتعمل بشكل أساسي في المجتمعات التي يسيطر عليها النظام والمهمة بالنسبة إليه، مثل اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة والعاصمة دمشق. وبالإضافة إلى ذلك، لا تعمل هذه الميليشيات بالضرورة تحت سيطرة النظام المباشرة، ويأتي الكثير من تمويلها من رجال أعمال ظليين موالين للنظام؛ حيث يتم التجنيد على أسس طائفية. وبالنظر إلى الدافع الديني وراء تشكيل مثل هذه المجموعات، فإن أغلبيتها معروفة بالعمل تحت قيادة فيلق الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني. وبالإضافة إلى ذلك، يُتوقع من القوات المحلية أن تقاتل في مناطق قريبة من بلداتها الأصلية، مما يحد من انتشارها ويسمح للنظام بالاحتفاظ بالسيطرة، ولو من خلال وكلاء، على قاعدة دعم الأسد في المناطق الساحلية والغربية الوسطى.
زواج روسيا وإيران (المضطرب)
في الوقت الحالي، يشن الأسد حربه ضد المعارضة بالقليل من قواته الخاصة. ومنذ دخلت روسيا الصراع السوري في أيلول (سبتمبر) 2015، ظلت روسيا قلقة من إجراء التخطيط العسكري والتنسيق مع المشهد الفوضوي من الميليشيات غير المؤسسية التي تسيطر عليها إيران. ويقال إن القادة الروس يفضلون العمل مع مؤسسات الدولة السورية. وفي استجابة للضغط الروسي، أسس النظام بعد شهر من دخول موسكو إلى سورية ما يسمى بـ”الفيلق الرابع”، الذي يضم قوات الدفاع الشعبي والمجموعات شبه العسكرية الأخرى.
كتبت كاتبة العمود الموالية للنظام، ميسون يوسف، في صحيفة “الوطن”، أن إنشاء الفيلق الرابع يثبت أن الجيش السوري “يمسك بالسلطة والسيطرة، وأنه قادر على إعادة تنظيم وإنشاء الوحدات”، مطمئناً “الصديقة (روسيا) بقدرته على السيطرة… على الظروف”. وأضافت الكاتبة أن النظام بفعله ذلك، يساعد داعميه الروس. وفي أعقاب إنشائه، أحرز الفيلق الرابع تقدماً ضد قوات المعارضة في حماة، مع دعم روسي جوي ملحوظ. ومع ذلك، وبالنظر إلى أن القوات الرديفة، مثل قوات الدفاع الشعبي، ما تزال ناشطة وحدها لأكثر من عام بعد تأسيس الفيلق الرابع ولم تندمج معه، فإن هذا يشير إلى أن التنسيق الكامل بين روسيا وإيران لم يكن ناجحاً، حتى الآن على الأقل، وأن الجيش السوري غير قادر على التأثير في كل القوى غير الحكومية بحيث تتماشى مع أهدافه الاستراتيجية الأوسع.
حاجة الأسد إلى القوات السورية الأصيلة
يشير إنشاء قوة عسكرية من المتطوعين تحت قيادة وزارة الدفاع إلى أن النظام يحاول كسب بعض السيطرة على القوى المحلية. وقد ذكرت العديد من وسائل الإعلام الموالية للنظام أن حزب الله وروسيا يتوليان أدوراً قيادة في تمويل “الفيلق الخامس”. ويعني هذا أن هناك محاولة جارية أخرى تبذلها روسيا وإيران لإضفاء الطابع المؤسسي على القوات المحلية. وبصفة عامة، فشل “الفيلق الرابع” في تحقيق هذا الهدف، لكنه أسس مُسبقاً لنوع من إشراف الجيش الرسمي على الجماعات الرديفة في اللاذقية وحماة. ويبذل جيش الأسد جهوداً كبيرة لجعل متطوعين جدد ينضمون إلى “الفيلق الخامس”، وهو شيء لم يكن جزءاً من خطة الفيلق الرابع، والتي ركزت فقط على الجماعات الرديفة المؤسسة مُسبقاً.
يوظف الجيش كل وسائل التعبئة تقريباً لاجتذاب المجندين الجدد. فبالإضافة إلى الراتب المذكور –والذي يشكل عرضاً عظيماً للشباب السوريين الذين يواجهون معدلات البطالة المرتفعة- تستخدم الحكومة الدعوات الدينية أيضاً للحث على التجنيد. وقد أمرت وزارة الأوقاف الأئمة الرئيسيين في مساجد المناطق التي يسيطر عليها النظام بتعبئة الشباب للانضمام إلى الفيلق الخامس. وفي 20 كانون الأول (ديسمبر)، حث إمام الجامع الأموي الكبير في دمشق علناً الشباب على الانضمام إلى الفيلق الخامس خلال خطبة متلفزة لصلاة الجمعة. وتم وضع منشورات تروج للقوة الجديدة في أكياس الخبر الذي تنتجه الدولة، وعُرضت الإعلانات على شاشة تلفزيون الدولة ونُشرت في الصحف. ويشير هذا كله إلى أن النظام لا يريد المزيد من الجنود فحسب، وإنما يحتاج إلى قوات سوريَّة على وجه الخصوص.
يبقى من غير الواضح مدى النجاح الذي يمكن أن يحققه “الفيلق الخامس”، أو ما إذا كان سيستطيع أن يتغلب على الخلافات الروسية-الإيرانية، لكن تأسيسه يشير إلى أن الوضع الحالي للجيش السوري ينذر بالخطر على عدة مستويات. ويجري تعزيز قوات الدفاع المستقبلية للبلد باستثمارات أجنبية طويلة الأجل. ويمنح الأسد لروسيا وإيران عقوداً طويلة الأجل للسيطرة على ما يتبقى من الجيش، وهو ما يمكن أن يعيق إصلاحات ما بعد الحرب لهذه المؤسسة الحكومية.
بالإضافة إلى ذلك، قام نظام الأسد على مدى العام الماضي بالمزيد من تعميق الانقسامات الطائفية في الجيش السوري. وسيكون من شأن إضافة قوة مثل “الفيلق الخامس” إلى الجيش، وإضفاء الطابع المؤسسي فعلياً على الجماعات الرديفة الطائفية، أن تعمق فقط من الطبيعة الطائفية للجيش، وهي حركة تشبه تماماً قرار العراق إضفاء الطابع القانوني والمؤسسي على وحدات الحشد الشعبي ذات القيادة الشيعية.
من الواضح، عند هذه النقطة، أن حالة الجيش السوري سوف تتأثر بنيوياً بالقوى الخارجية على المدى البعيد. ولن يقتصر تأثير النتيجة على إعاقة عملية السلام بين السوريين فحسب، وإنما على الاستقرار الإقليمي أيضاً؛ حيث من المرجح أن تستمر سورية في أن تكون ميدان المنافسة بين القوى الإقليمية والدولية المتخاصمة.
عبدالرحمن المصري
صحيفة الغد