في الآونة الأخيرة، أكّدت مصادر مختلفة أنه سيتمّ تعيين العميد ايرج مسجدي من «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، وهو كبير مستشاري قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني ورئيس الأركان السابق لـ مقر «رمضان» في «الحرس الثوري»، ليصبح السفير الإيراني المقبل في العراق. إلا أن المنصب الدقيق الذي شغله مسجدي في «فيلق القدس» غير واضح؛ فقد زعمت بعض التقارير أنه تولى إدارة مكتب الشؤون العراقية. وما هو واضح، وفقاً لبعض التقارير، هو تورطه العميق في أنشطة «فيلق القدس» في العراق خلال السنوات العديدة الماضية، والتي أسفرت الكثير منها عن مقتل أو جرح أو اختطاف عدد من جنود القوات الأمريكية وقوات التحالف فضلاً عن اغتيال عدد من مسؤولي المحافظات في العراق الذين اختلفوا في الرأي مع طهران.
وسيخلف مسجدي حسن دانيفار، ضابط آخر من «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري». لكن في حين أمضى دانيفار معظم حياته المهنية كمهندس مدني وأخصائي لوجستيات، من المتوقع أن يستفيد السفير الجديد من خبرته في مجال العمليات والاستخبارات لزيادة وتيرة تحوّل المنظمات شبه العسكرية الشيعية في العراق إلى عناصر أكثر قوة من جهاز أمن الدولة، مع قدرة أكبر للتأثير على الانتخابات المقبلة والسياسة العراقية إلى حد بعيد.
ولـ «فيلق القدس» وجود كبير في العديد من البعثات الدبلوماسية الإيرانية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في مناطق الصراع. على سبيل المثال، عندما هاجمت قوات “طالبان” القنصلية الإيرانية في أفغانستان عام 1998، كان جميع الأحد عشر إيرانياً تقريباً الذين لاقوا مصرعهم من أعضاء «فيلق القدس». ولطالما رسخ السفراء الإيرانيون أيضاً وجود «فيلق القدس» في دول تتمتع بقيمة عالية من الناحية الإستراتيجية، مما دفع برئيس “مجلس تشخيص مصلحة النظام” الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني إلى التذمر من هيمنة «الفيلق» على كافة أوجه السياسة الإقليمية لإيران والشكوى بأنه قد تسبب بشلل كبير في وزارة الخارجية.
ويعود انخراط «الحرس الثوري» في العمليات الخارجية إلى عام 1980، عندما قام بتدريب المجاهدين الأفغان لمحاربة الغزات السوفيت. وفي وقت لاحق قام بتدريب شيعة لبنانيين، وأسّس «حزب الله» كمجموعة مظلة لعدة جماعات شيعية مقاتلة تحارب الجيش الإسرائيلي في لبنان.
وفي عام 1983، عندما كانت الحرب ضد العراق خلال عهد صدام حسين في ذروتها، شكلت طهران مقر «رمضان»، الذي سبق «فيلق القدس» الحالي. وتمّ تعيين مرتضى رضائي للإشراف على مهمة «الفيلق» الأساسية ألا وهي: تنفيذ عمليات بأسلوب الأحزاب/العصابات مع المتمردين الأكراد في جبال شمال العراق، فضلاً عن القيام بعمليات معهم لجمع المعلومات الاستخباراتية. وقد منحت هذه المقاربة إيران قدراً من المبادرة في الحرب. وتضمنت وحدات «الحرس الثوري» التابعة لـ مقر «رمضان» “الفرقة الخاصة السادسة”، و«فيلق بدر التاسع» (حالياً «منظمة بدر»)، الذي يضم منشقين عراقيين وسجناء حرب سابقين، و”لواء النخبة 66 المحمول جوَا”، ولواءي “ظفر” و”أبوزار”، علماً بأن الأخير شمل متطوعين أفغان. ولاحقاً، تمّ دمج “الفرقة السادسة” و”اللواء 66″ ليشكلا “فيلق ولي الأمر”، وهي وحدة كُلفت بحماية المرشد الأعلى علي خامنئي.
وفي مقابلة مع وكالة “مهر” الإيرانية للأنباء في حزيران/يونيو الماضي، تحدث مسجدي عن “المهمة التاريخية” للجمهورية الإسلامية المتمثلة بدعم كافة الدول الإسلامية والجماعات المقاتلة التي تحارب “الصهيونية والإمبريالية” لكي يمكن “تسريع” الهدف النهائي بتدمير إسرائيل. كما أشار إلى أن إيران تتبع دبلوماسية أجنبية على ثلاث جبهات متوازية: رسمية، وتنظيمية مسلحة (أو “ثورية”)، وشعبية، كما حدّدها المرشد الأعلى خامنئي. ووفقاً للعميد، هذا يعني أنه على الرغم من ممارسة إيران أعمالاً رسمية مع الحكومات الإقليمية، إلا أنها تحافظ أيضاً على روابط وثيقة مع الجماعات المسلحة والأحزاب من أجل التأثير على الأحداث المحلية والرأي العام.
ومن جهة أخرى، تَفاخر مسجدي بأنه بإمكان إيران إلحاق الهزيمة بتنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق خلال يومين إذا سُمح لـ «الحرس الثوري» الإيراني بنشر ثلاث فرق قتالية هناك. وعلى نطاق أوسع، يُعتبر مسجدي من دعاة زيادة عمق إيران الإستراتيجي عبر استمرار حملات الهيمنة في جميع أنحاء المنطقة. وحتى أنه دعا إلى شمل الضفة الغربية في هذا العمق الاستراتيجي. وفي العام الماضي، وخلال مؤتمر عُقد في طهران تحت عنوان “الجهاد سيستمر”، قال “علينا ردع إسرائيل من مهاجمة إيران عبر إبقائها منشغلة على حدودها الخاصة… علينا زيادة قوتنا في الضفة الغربية وقطاع غزة. ..علينا تسليح الضفة الغربية”.
وفي ظل تعيين مسجدي سفيراً في بغداد، من المحتمل أن تعزّز إيران دعمها المالي والمادي والتوجيهي لـ «منظمة بدر» و «وحدات الحشد الشعبي» (الشبكة الرسمية للميليشيات الشيعية). وهذان الوكيلان يديران حالياً مرافق تدريب في النجف والحلة، على التوالي، حيث يعدّان متطوعين عراقيين للقتال في العراق وسوريا. وتهدف طهران على الأرجح إلى إعدادهم للفترة التي تعقب هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق مباشرة، سواء كان ذلك يعني نشرهم في سوريا على نطاق أوسع، أو حتى إعادة تجميعهم لمواجهة إسرائيل.
فرزين نديمي
معهد واشنطن