عجل الرحيل المفاجئ لرجل إيران القوي علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس «مجمع تشخيص مصلحة النظام» في إطلاق عشرات الأسئلة المكبوتة في صدور الإيرانيين، بعد أن غاب عامل التوازن والتماسك في النظام السياسي الإيراني، وبات هذا النظام معرضاً للاهتزاز لغياب العقل الحاكم والضامن للتوازن الدقيق الذي حمل مسؤوليته رفسنجاني بين عاملي المصلحة والأيديولوجيا الثورية.
غياب رفسنجاني فجر سؤالاً إلى أين تسير إيران؟، وما مصير الجمهورية الإسلامية؟ ومن سيخلف رفسنجاني ليس في مناصبه ومواقعه السياسية في مجمع تشخيص مصلحة النظام أو مجلس خبراء القيادة فقط، بل بدوره الوطني للحفاظ على التوازن بين الدفاع عن المصالح الوطنية دون تفريط في الالتزامات الأيديولوجية والثورية للنظام الإيراني؟. الأكثر من ذلك، فجر غياب رفسنجاني السؤال الأكبر، وهو من سيخلف خامنئي في موقع الزعامة؟، ومن الذي سوف يقوم بهندسة معالم الجمهورية الثالثة مع أفول حكم الجمهورية الثانية بغياب رفسنجاني ومؤشرات رحيل قد لا يطول لخامنئي؟.
كانت كل الاعتقادات تقول إن رفسنجاني هو وحده سيكون المسؤول عن اختيار وتنصيب خليفة خامنئي عندما يحين الوقت على نحو ما فعل مع خامنئي نفسه عقب رحيل الخميني، لكن رفسنجاني رحل ورحلت معه كل عوامل الاطمئنان والثقة في «خلافة سياسية» مؤتمنة بعد رحيل خامنئي. هذه المخاوف تتفاقم خصوصاً في ظل ما كشفت عنه جنازة رفسنجاني من انقسام قوي وحقيقي في صفوف القوى السياسية. فالتيار الإصلاحي المكبوت الذي فرضت الإقامة الجبرية على قيادته، خاصة مير حسين موسوي، ومهدي كروبي منذ عام 2011، وفرضت المقاطعة الرسمية على الرئيس الأسبق محمد خاتمي، قرر كسر كل القيود في جنازة رفسنجاني وأطلق شعارات كانت محرمة طوال السنوات الماضية، مثل: «وصية هاشمي دعم خاتمي» و«وداعاً هاشمي.. سلاماً خاتمي»، ومثل «يا حسين.. مير حسين». شعارات تعلي من شأن زعماء التيار الإصلاحي، خصوصاً مع انتشار معلومات عن منع الرئيس خاتمي رسمياً من المشاركة في جنازة رفسنجاني، لكن ما هو أهم، أنها ترفع بطاقة حمراء في وجه المرشد علي خامنئي وتيار المتشددين: (المحافظون الأصوليون والحرس الثوري)، تقول إن غياب رفسنجاني لن يكون النهاية لتيار الإصلاحيين، بل سيكون إعلاناً لعودة قوية للإصلاحيين سوف يفرضونها في الانتخابات الرئاسية في مايوالمقبل بدعم الرئيس حسن روحاني باعتباره خليفة رفسنجاني، ورمزاً للإصلاحيين .
إذا حاولنا قراءة المشاهد المحتملة لمرحلة ما بعد رحيل رفسنجاني، فإننا سنجد أن هناك اتجاهين مختلفين: الأول يرجح أن يؤدي رحيل رفسنجاني إلى إعادة التماسك بين تياري الإصلاحيين برموزهم المعروفة: محمد خاتمي ومير حسين موسوي ومهدي كروبي والزعامات الجديدة وتيار الاعتدال الوسطي الذي كان رفسنجاني أهم رموزه مع الرئيس حسن روحاني، في محاولة لملء فراغ غياب رفسنجاني، من خلال مبايعة روحاني زعيماً للتيارين بعد تقاربهما، وأن يتقوى موقف روحاني، ويخوض بقوة معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة.
الثاني، وهو الاتجاه الأقوى، يرى أن غياب رفسنجاني سيؤدي إلى إنهاء كل تقارب بين الإصلاحيين وتيار الوسط المعتدل لسببين: أولهما ضعف حسن روحاني وعدم وفائه بالتزاماته وتعهداته الإصلاحية، وإنهاء الحصار الإعلامي والسياسي المفروض على الرئيس الأسبق محمد خاتمي، ثانيهما أن حسن روحاني أظهر في الأشهر الأخيرة ميلاً للتباعد عن رفسنجاني، والتقارب مع المرشد خامنئي والمحافظين الأصوليين؛ حيث تعمد في الأشهر الأخيرة أن يرجع فوزه بالانتخابات الرئاسية إلى الإرادة الشعبية في إنكار ضمني لدور رفسنجاني وخاتمي.
هذا الاتجاه له ما يدعمه من أحداث وتطورات فرضت نفسها خلال السنة الماضية في أعقاب توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع «مجموعة 5+1» وظهور تحذيرات على لسان المرشد الأعلى خامنئي إلى جانب رموز المحافظين الأصوليين وقادة الحرس الثوري من أن يؤدي الانفتاح الاقتصادي على الاقتصادات الغربية والولايات المتحدة على وجه الخصوص إلى انفتاح سياسي وثقافي يهدد التماسك الثوري والأيديولوجيا الثورية للجمهورية الإسلامية، ومع الاستعدادات لخوض انتخابات مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة؛ حيث كان المرشد والحرس الثوري والمحافظون الأصوليون أكثر تحفزاً لمنع فوز الإصلاحيين، وأكثر حرصاً على احتكار الفوز بالمجلسين لضمان وجود قيادات ثورية قادرة على أن تدافع عن الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي يعني، أن المرشد ورجاله مع إعطاء الأولوية للأيديولوجية الثورية، الأمر الذي يعني أن رحيل رفسنجاني وغيابه عن المشهد السياسي سيكون فرصة مواتية للمحافظين الأصوليين والحرس الثوري ليسيطروا على السياسة والحكم في إيران.
د. محمد السعيد إدريس
صحيفة الخليج