واشنطن – كان الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب أكثر وضوحا حين قال مخاطبا العالم إن رئاسته ستحدد المسار لأميركا والعالم “لسنوات عديدة مقبلة”، مشددا على أن مصالح أميركا قبل كل شيء، أمنيا وسياسيا، وأن الولاء لها وحدها.
وتعهد ترامب خلال أدائه اليمين الدستورية بتوفير الوظائف للأميركيين، وتحسين التعليم ليصل إلى الجميع، رافعا شعار الحمائية في إشارة إلى حماية الاقتصاد الأميركي من المنافسة الاقتصادية الخارجية.
وأعلن الرئيس الجديد أن هدفه سيكون محاربة التطرف الإسلامي والقضاء عليه من على وجه الأرض.
وقال ترامب بينما كان يضع يده على نسخة من الإنجيل الخاص بالعائلة وآخر استخدمه الرئيس إبراهام لينكولن “أقسم (أو أؤكد) أنني سأنفذ مخلصا مهام منصب رئيس الولايات المتحدة، وسأعمل بأقصى ما لدي من قدرة على صيانة وحماية دستور الولايات المتحدة، فلتساعدني يا الله”.
وكان ترامب محاطا بأفراد عائلته بينما كان الرؤساء السابقون، والرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما وأعضاء الكونغرس ينظرون إليهم.
وجاء هذا التنصيب في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة حالة من الشك والانقسام حول فترة حكم ترامب.
وقال استطلاع رأي الجمعة إن 76 بالمئة من الأميركيين يعتقدون أن الولايات المتحدة منقسة بشأن الرئيس الجديد.
وغادر الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما صباح الجمعة المكتب البيضاوي للمرة الأخيرة قبل أن يتجه إلى استقبال ترامب وزوجته ميلانيا في البيت الأبيض.
ودخل أوباما المكتب البيضاوي حاملا رسالة للرئيس الذي سيخلفه ووضعها على المكتب الذي يستخدمه الرؤساء المتعاقبون ويعود إلى القرن التاسع عشر.
ومن التقاليد أن يترك الرئيس المنتهية ولايته رسالة شخصية لخلفه. وتوافدت حشود من مؤيدي ومعارضي ترامب إلى متنزه ناشيونال مول بوسط واشنطن.
وقام المئات من الملثمين يرتدون زيا أسود برشق الحجارة وتحطيم النوافذ في وسط واشنطن. واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.
في المقابل، ارتدى الكثيرون قبعات حمراء كتب عليها “سنجعل أميركا عظمى مرة أخرى”، معربين عن حماسهم بشأن ما يرونه حقبة جديدة في السياسة الأميركية تركز على توفير فرص العمل والقضايا الأخرى.
ورغم الجانب الاحتفالي لعملية التنصيب فإن كافة التعليقات المناوئة أو المؤيدة للرئيس الجديد تجمع على دراماتيكية الحدث وما يفرضه من انفعالات داخل المجتمع الأميركي.
ويلاحظ المراقبون حالة الانقسام التي مازالت تضرب البلاد منذ الإعلان عن فوز دونالد ترامب على منافسته هيلاري كلينتون، وهو أمر قلما حدث في انتخابات سابقة.
وترى هذه الأوساط أن التظاهرات التي خرجت غداة الانتخابات مستنكرة انتخاب ترامب، تكررت في يوم تنصيبه، على نحو يعكس حالة امتعاض لا تتّسق مع ما يفترض أنه يوم احتفالي أميركي سعيد.
وفيما يعكس غياب شخصيات سياسية كبرى عن حفلة التنصيب حدة الانقسام على مستوى النخبة السياسية، سجل أيضا غياب نجوم السينما والموسيقى عن الحفل بما يوحي باستياء إحدى أهم الرافعات الأميركية من تزعم ترامب للبلاد.
ورغم وعود ترامب بالعمل على تمتين الوحدة الداخلية، يشكك المراقبون في إمكانية ذلك بالنظر إلى شخصيته وطباعه التي تميل إلى الصدام والاستفزاز.
ويلفت خبراء أميركيون في شؤون الحكم وعلاقات المؤسسات الدستورية إلى أن حالة من عدم اليقين وغياب الوضوح تمنع استشرافا واعدا للطريقة التي سيدير بها ترامب ملفات البلاد الداخلية كما ملفات موقع الولايات المتحدة في العالم وعلاقاتها مع القضايا الدولية الساخنة.
ويذكر دبلوماسيون أميركيون سابقون أن حدث انتخاب ترامب يمثل سابقة في تاريخ العالم الحديث.
ويضيف هؤلاء أن تموضع العواصم حيال الانتخابات الرئاسية الأميركية يتم عادة وفق المعطيات المتوفرة عن شخصية الرئيس ووزنه داخل الحزب الذي ينتمي إليه أو داخل مؤسسات الحكم كما سمعته لدى المنابر الدولية.
وتلاحظ هذه الأوساط أن هذا الأمر لم يتوفر في حالة ترامب، بحيث أن كل العواصم علّقت تموضعها بانتظار أن تفهم خطط واستراتيجيات الرئيس الأميركي، بما يتجاوز المزاج المُعبّر عنه عبر تغريداته على موقع تويتر.
ولم يستطع المعلقون في العالم عدم إجراء مقارنة بين مزاج الولايات المتحدة والعالم يوم حفل تنصيب باراك أوباما قبل 8 سنوات ومزاج حفل تنصيب ترامب. ودخل أوباما البيت الأبيض ومعه 7 وزراء سياديين فيما لم يوافق الكونغرس حتى الآن إلا على وزيرين للرئيس ترامب.
وبينما رفعت المناسبة الأولى من مستويات التفاؤل في هيمنة قيم إنسانية حديثة، صاحبت المناسبة الثانية مع تراجع لتلك القيم وتدهور في مستوى الخطاب السياسي في الولايات المتحدة وانسحاب ذلك نحو بعض العواصم الأوروبية، وفق دعوات إلى التمييز بين المواطنين والأجانب والتفريق بين الأديان والطوائف والتهديد برفع الأسوار بين الدول وتشجيع تفكيك تجمعات إقليمية لا سيما الاتحاد الأوروبي، لطالما اعتبرت إنجازا إنسانيا حضاريا ضامنا للسلم في العالم.
واعتبرت صحيفة التايمز البريطانية أن عصر ترامب يؤشر على بدء نوع جديد من الرئاسة في الولايات المتحدة، من دون أن تتردد في ذكر المخاطر الكبيرة، ولكن احتمالات النجاح ممكنة أيضا، إذا عمل بالنصيحة واعتمد على حدسه.
ويستعمل ترامب لغة مختلفة عن لغة سلفه، باراك أوباما، الذي وعد بالكثير في 8 أعوام من الحكم ولكن لم يقدم إلا قرارات خجولة وعنفا ودما في الربيع العربي، أما وعود ترامب فهي أقل بكثير، ولكنه سيكون أقوى بفضل الكونغرس.
ورأت صحيفة الغارديان أنه لا أحد يعرف ما الذي سيفعله ترامب في البيت الأبيض.
وقالت إن أصدقاء الولايات المتحدة وخصومها في العالم سيدققون في كل كلمة قالها ترامب في خطاب حفل التنصيب، لأنه أثار الكثير من التساؤلات. حيث تعتزم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وحكومتها دراسة خطاب تنصيب الرئيس الأميركي الجديد باهتمام.
العرب اللندنية