بغداد – دعا مجلس شيوخ عشائر البصرة الحكومة العراقية إلى التدخل الفوري للكشف عن الجماعات المسلحة التي تمارس عمليات القتل والخطف شمالي المدينة.
وبحسب مقطع فيديو تداوله نشطاء على مواقع التواص الاجتماعي، فإن مجلس عشائر البصرة أمهل حكومة العبادي 30 يوما للتدخل العاجل، للكشف عن الجماعات المسلحة التي نفذت عمليات القتل والخطف.
وأكد شيخ عشائري أن العشائر قررت إمهال الحكومة المركزية شهرا قبل التدخل وإلا فإنه يجوز لها بعده حمل السلاح ومطاردة المجرمين وتنفيذ العقاب بها، محذرا من أن يصل الأمر إلى العصيان المدني في مختلف أرجاء المدينة.
وتشهد مناطق شمالي البصرة عمليات خطف وقتل ونزاعات عشائرية بين القبائل.
وتظاهر المئات قرب ديوان محافظة البصرة، الجمعة الماضي، للمطالبة بإجراء إصلاحات تشمل محاكمة المسؤولين المتهمين بالفساد المالي والإداري.
وتبدو مدينة البصرة، الغنية بالنفط، جنوب العراق، غارقة في نزاع معقد حول السلطات بين عدة أطراف، ما أحال مصطلح “هيبة الدولة” إلى مفهوم لا قيمة له.
وبينما تحاول الحكومة الحزبية، التي يقودها المجلس الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، تثبيت أركانها عبر نشر ممثليها في مختلف الدوائر الخدمية، يتعاظم النفوذ العشائري في المدينة، حتى باتت القبيلة أقوى سلاحا من الأجهزة الحكومية.
وبموازاة خطي الحكومة المحلية والعشائر، تواصل ميليشيات مسلحة، يرتبط بعضها بأحزاب والبعض الآخر برجال دين، توسيع مساحة انتشارها لتشمل التحكم بنمط الفعاليات المسموح بممارستها من قبل السكان في هذه المدينة.
وينتج هذا الخليط من القوى الحاكمة في البصرة، وضعا فوضويا، فيما يعاني السكان من سوء الخدمات وانفلات سلاح الميليشيات والعشائر، في مقابل تراجع كبير في دور قوى الأمن، التي تخشى المس بأي من مراكز القوى الكبيرة.
والبصرة هي صاحبة إطلالة العراق الوحيدة عبر ميناء أم قصر، الذي يمثل أهم منفذ لتوريد بضائع العراق، كما تتولى المدينة إنتاج الجزء الأكبر من النفط الذي يصدره العراق، بمعدل يومي يفوق الثلاثة ملايين برميل.
وبينما تهيمن بعض العشائر على تجارة السلاح في البصرة، توزع دور الميليشيات بين التحكم في الإتاوات المفروضة على التجار الذين يوردون بضائعهم عبر ميناء أم قصر، والانخراط في تجارة نوع محدد من المخدرات يدعى “الكريستال”، وبات منتشرا بين شبان المدينة.
سكان محليون يؤكدون أن جزءا كبيرا من عناصر أجهزة الأمن في المدينة مرتبط بميليشيات تدين بالولاء لرجال دين
وغالبا ما تتسلل هذه المواد إلى العراق عبر الحدود مع إيران المجاورة، وشكلت مؤخرا مصدرا لإدمان مراهقين كثيرين بعد منع بيع المشروبات الكحولية في المدينة من قبل الميليشيات المدعومة من الأحزاب الدينية التي تهيمن على السلطة في البصرة.
وخلال السنوات القليلة الماضية اجتاح وباء المخدرات مدينة البصرة عبر مسحوق الميثامفيتامين، الذي يعرف شعبيا بالكريستال، ويتم إنتاجه في إيران قبل تهريبه بكميات كبيرة عبر الحدود.
ويقول مسؤولون أمنيون إن الاستهلاك يتضاعف عاما بعد عام، مستهدفا بشكل أساسي مناطق عشوائية يسكنها الفقراء وتخضع لسيطرة ميليشيات مسلحة.
وإزاء انشغال الأطراف الحاكمة في البصرة بمصالحها، نشطت عصابات الجريمة المنظمة، فيما يقول سكان محليون إن جزءا كبيرا من عناصر أجهزة الأمن في المدينة مرتبط بميليشيات مسلحة، منها بدر بزعامة هادي العامري وسرايا السلام بزعامة مقتدى الصدر، لذلك لا يمكن أن يقوموا بواجبهم في حفظ الأمن. ولوحت عشائر في المدينة بالعصيان مهددة بتشكيل أفواج عسكرية لضبط الأمن.
لكن عضو مجلس النواب العراقي مازن المازني، يقول لصحيفة “العرب” إن الحديث عن انفلات الوضع الأمني في البصرة “مبالغ فيه”، ولم يقدم تفاصيل إضافية.
ومن جهته نفى جبار العبادي، شيخ عشيرة العبادة في البصرة، وجود “نية لتحرك عشائري في المحافظة”. وقال لـ”العرب” إن “المحافظة شهدت الجمعة إقامة مأدبة غداء كبيرة في منزل شيخ عشيرة الجوارين في البصرة، حضرها عدد من أبرز شيوخ عشائر المحافظة ولم يطرح خلالها أي شيء من هذا القبيل”.
وكان أحد وجهاء البصرة، الذي تحدث شرط عدم الكشف عن هويته لـ”العرب”، عن أن تهديد بعض العشائر بتشكيل أفواج مسلحة لضبط الأمن في البصرة، يأتي “من باب الهذيان في هذا الزمان”.
ويضيف “صحيح أن الوضع الأمني مترديا والجرائم منتشرة والمخدرات متفشية في أوساط الشباب وصحيح أن الدولة غير قادرة على الحد منها، لكن كل ذلك سببه هؤلاء ‘المتشيّخون’ والعشائر التي انحط قدرها وباتت أحد مصادر الفساد والخراب في المجتمع”.
ويقول إن “الأشخاص الذين أطلقوا هذه التهديدات يعرفون تماما أنهم غير قادرين على فعل شيء إزاء وقف الجريمة، بل هم من يساعد المجرمين على ارتكاب جرائمهم من خلال (الفصول) العشائرية والدفاع عن المجرم عن طريق الضغط على المتضررين للتنازل عن حقهم الشخصي وحتى في بعض الأحيان رفع الشك والاشتباه عن مرتكب الجريمة إما بالتهديد وإما بدفع مبلغ تافه من المال”.
وتابع قائلا، “هناك استهتار من قبل أبناء العشائر خاصة لأنهم يملكون السلاح أولا، ولأنهم يستخدمون طرق الفساد لتخليص مجرميهم”.
وأضاف أن “الشيخ في البصرة أصبح فاقدا لدوره الروحي الأبوي وأصبح مسيرا، فهو إما شخصية ضعيفة وإما فاسدة منحطة. والتربية الدينية لم تعد تقوم بدورها المطلوب في توجيه الناس نحو القيم الرصينة والأخلاق السامية، بل انشغلت أيضا بالبكائيات والسياسة وأصبح كل معمم يشتغل بالسياسة وينتقد هذا وذاك من المسؤولين متسلحا بعمامته ومتملقا لود الناس لينتفخ جيبه، والحكومة منشغلة بنفسها”.
وختم قائلا، “إن مجتمع البصرة في مهب الريح ومنظومته الأخلاقية في انهيار سريع. وهذا ما عندنا اليوم. أما تهديدات هؤلاء، فكلام فارغ”.
العرب اللندنية