تونس – فاجأ محمد صوان رئيس حزب العدالة والبناء الليبي الذي يُعد الجناح السياسي لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، بإقرار أن حزبه يعاني من انقسامات وخلافات، نتج عنها انسلاخ عدد من قادته عنه.
وقال في تصرحات نشرت الجمعة، إن “هناك أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا انسحبوا من الحزب، نظرا للمواقف التي اتخذها إزاء بعض القضايا، لا سيما منها المشاركة في الاتفاق السياسي المنبثق عن اتفاقية الصخيرات المُوقعة في 17 ديسمبر من العام 2015”.
وأضاف “… لقد ظهرت الكثير من الاختلافات في المواقف بين الحزب وجماعة الإخوان، وهذا أمر معروف لكل متابع، ما دفع الكثير من الإخوان، وغيرهم إلى الانسحاب من الحزب”.
ولكنه شدد في تصريحاته على أن حزبه العدالة والبناء، هو “مؤسسة مستقلة عن أي جهة، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين كجماعة دعوية”، واصفا الانسحابات بأنها “ظاهرة صحية تُحسب لحزب العدالة والبناء”.
غير أن ذلك لم يُقنع الأوساط السياسية الليبية، باعتبار أن الجميع يعرف أن حزب العدالة والبناء ليس سوى الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، كما أن تلك الانسحابات هي مقدمة على دخول هذه الجماعة مرحلة التفكك والانهيار.
بل إن إقرار محمد صوان بوجود خلافات وانقسامات داخل حزبه، دفع المراقبين إلى القول إن ما يجري داخل هذا الحزب كان متوقعا بالنظر إلى جملة التطورات التي يشهدها الوضع الليبي، والتي فرضت حسابات ومعادلات جديدة على علاقة وثيقة بالأزمة الليبية.
وربط البعض من المتابعين للشأن الليبي هذا الوضع الجديد الذي سعى فيه محمد صوان إلى النأي بحزبه عن جماعة الإخوان المسلمين، بالتحولات السياسية محليا وإقليميا ودوليا، التي تؤشر على أن مرحلة التوقف عن المراهنة على الإسلام السياسي بدأت ملامحها تتشكل بسرعة.
كمال مرعاش: المخاض السياسي الراهن فرض على محمد صوان حسابات جديدة
وفي هذا السياق، ذهب كمال مرعاش المحلل السياسي الليبي المُقيم في العاصمة الفرنسية، إلى القول إن ما ورد على لسان محمد صوان، يؤشر بوضوح على أن مرحلة تفكك وانهيار تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا قد بدأت، ما يعني أن مصير هذه الجماعة سيكون مثل مصير جماعات الإخوان سواء كانت في مصر أو في الأردن، وغيرهما من فروع هذا التنظيم الأخطبوطي.
وقال في اتصال هاتفي مع “العرب”، “دون شك أن هذا التطور يؤكد هذا التفكك، بل سيؤدي إلى اضطرار جماعة إخوان ليبيا إلى تقديم تنازلات كبيرة ارتباطا بالمتغيرات الإقليمية والدولية، وخاصة منها استلام الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لمهامه رسميا، وهو الذي له موقف واضح من هذه الجماعة بمختلف فروعها في المنطقة العربية”.
وتابع المحلل السياسي الليبي قائلا “إن المُتمعن في تصريحات محمد صوان، يجد فيها الكثير من التودد إلى مصر، وهو ما يدفع باتجاه القول إن بداية ابتعاد حزب العدالة والبناء عن تنظيم جماعة الإخوان في ليبيا التي هي مرتبطة ارتباطا عضويا بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، قد بدأت وبخطى سريعة، وبتصريحات قوية”.
وفسر مرعاش هذا التطور في مواقف حزب العدالة والبناء الليبي الذي يعاني من الانشقاقات والانقسامات، بالإشارة إلى أن “المخاض السياسي الراهن يفرض حسابات جديدة، منها على وجه الخصوص الابتعاد السياسي والتنظيمي عن جماعة الإخوان التي تبدو في هذه المرحلة قد دخلت في زاوية مظلمة قد تهدد استمرار نشاطها وتأثيرها”.
ولفت في هذا السياق إلى أن عددا من الدول الغربية “بدأت في إعادة تقييم علاقاتها مع تنظيمات الإسلام السياسي، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، وبدا ذلك جليا في بريطانيا رغم أنه لم يأخذ الوتيرة السريعة اللازمة، بالإضافة إلى التلميحات الصادرة عن الإدارة الأميركية الجديدة بأنها ستصنف جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي”.
وفيما اعتبر كمال مرعاش أن محمد صوان الذي بات يخشى تداعيات وانعكاسات هذا التوجه الغربي الجديد عليه وعلى حزبه العدالة والبناء، سارع بتصريحاته المذكورة إلى أخذ مسافة عن جماعة الإخوان التي دعاها ولأول مرة أن تكون حركة دعوية وليست سياسية، لم يتردد عزالدين عقيل رئيس حزب الائتلاف الجمهوري الليبي، في القول إن محمد صوان يكون بتصريحاته قد قفز من مركب تنظيم الإخوان لتجنب عواقب المرحلة القادمة التي لن يكون لتلك الجماعة أي دور سياسي فيها بليبيا، وبقية دول المنطقة.
وقال لـ“العرب”، إن ما أقدم عليه محمد صوان “كان متوقعا”، وربط ذلك بملامح السياسة الخارجية الأميركية الجديدة تجاه ليبيا التي حددها ترامب في 3 نقاط نشرها في تغريدات سابقة، شملت جماعة الإخوان.
وأشار إلى أنه من هذه الزاوية التي تكشف أن الغرب لن يُراهن مجددا على تنظيمات الإسلام السياسي، فإن صوان يريد من خلال تلك التصريحات تفادي أي انعكاسات سياسية، إلى جانب سعيه إلى التموقع من جديد في المشهد السياسي الليبي من خلال تمسكه بضرورة استمرار العمل بالاتفاق السياسي المُنبثق عن اتفاقية الصخيرات، والتقرب من الأحزاب التي يُرجح أن تكون لها أدوار سياسية هامة في قادم الأيام.
العرب اللندنية