يشكل الجهد الروسي والتركي الحالي لوقف إطلاق النار في سورية محاولة من روسيا لفرض هزيمة سياسية نهائية على الثوار، ومحاولة تركية للتركيز على القضاء عسكريا وسياسيا على الأكراد في سورية. كما تضغط تركيا بحدة أيضا على الإدارة الأميركية الجديدة طلبا للمساعدة. وتعول صفقة وقف إطلاق النار على بربرية روسيا ونظام الأسد والرد الواهن من الغرب. وهذا هو نوع السلام الذي كانت روما قد فرضته على قرطاج المنهكة. ويسلط تصويت مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بالإجماع على المصادقة على الاقتراح الروسي التركي الضوء على وحشية أحد الجانبين، والفراغ الأخلاقي لدى الجانب الآخر. لكن حاجة تركيا تمس إلى إعادة الانخراط مع الولايات المتحدة بشكل جاد حول تشارك أصيل للمصالح إذا هي أرادت أمناً طويل الأمد في المنطقة. وتحتاج أميركا إلى عمل المزيد لمنح تركيا النفوذ الذي تستحقه في المنطقة.
بينما يعتبر الروس أقرب إلى تحقيق النجاح من أي وقت مضى على صعيد تحقيق أهدافهم الخاصة، فإن الأتراك قد يواجهون تحديات على صعيد حملتهم لسحق الأكراد السوريين وتأسيس هيمنة في منطقة شرق نهر الفرات. وسوف يقرر الروس بشكل كبير ما تستطيع تركيا عمله بحرية في سورية. لكن على روسيا توضيح نهجها فيما يتعلق بالأكراد الذين يقاتلون “داعش”. وسوف تواجه تركيا مشاكل عملياتية في إدامة جهدها الرئيسي في سورية لوحدها. ويعكس طلب تركيا دعما جويا أميركيا للاستيلاء على مدينة الباب نقاط ضعف أنقرة واستراتيجيتها لاقناع واشنطن بالتخلي عن الأكراد.
قد يكون ذلك صعبا. فالهدفان الرئيسيان الحاليان للولايات المتحدة هما استعادة الموصل والرقة، حيث تشكل القوات الكردية عنصرا رئيسيا لكلا الحملتين. وإذا قاد وقف إطلاق النار في نهاية المطاف إلى تسوية، فستكون بشكل رئيسي وفقا لشروط روسيا ونظام الأسد. أما إذا انهار وقف إطلاق النار، وقد ينهار، فستعود روسيا والأسد إلى استئناف الحرب. وعلى أمل رعاية وقف إطلاق النار وتطويره إلى مفاوضات سلام، تعتقد تركيا بأن التنازل عن هدفها الأصلي المتمثل في إسقاط الأسد قد يقود في الحصول على دعم روسي لهدف تركيا المعادي للأكراد.
وفي الأثناء، تقوم تركيا برفع رهانها في جهدها على إدراج الولايات المتحدة في خططها. وهي تطالب الإدارة الأميركية المقبلة بأن توفر لها دعما جويا أميركيا حصريا للأتراك في سورية، بينما تدعي بأن الرئيس أوباما يصطدم مع “داعش”. ولو كان الأتراك قد ساعدوا الولايات المتحدة ضد “داعش” قبل عدة سنوات، لما كانت الولايات المتحدة قد التفتت إلى المقاتلين الأكراد المحليين للتعامل مع التهديد المتزايد. والآن، وللمرة الأولى، يقول وزير الخارجية التركي أن ثمة أزمة بسبب التواجد الأميركي في قاعدة انجرليك الجوية التركية، بهدف إجبار الإدارة الجديدة على الخضوع للمطالب التركية. ولا يجب أن يكون هذا النهج غير متوقع: فالمطالبات العامة أحادية الجانب للحصول على امتيازات ليست غير مألوفة بالنسبة للدبلوماسية التركية الراهنة. والسؤال هو ما إذا كان الأتراك سيختلفون بحدة مع رئاسة ترامب إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم.
غني عن البيان أن هذا التغير التعسفي لإرضاء تركيا، بالإضافة إلى التخلي من الناحية الفعلية عن الأكراد وسط الهجوم على الموصل، من الممكن أن يعيقا إلى حد كبير وأن يقوضا زخم الحرب الأميركية ضد “داعش”. وإذا نجحت تركيا، فقد تحاول روسيا وتركيا حتى إدراج الولايات المتحدة عن طريق الانضمام إلى ائتلافها “المعادي للإرهاب” وبذلك تمنحان واشنطن الفرصة لتبرير تركيز أضيق على “داعش” عسكريا، وتوضيح موقفها أيضا من عدم الانخراط بشكل جدي في أي عملية تسوية سلمية.
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد، الجنرال مايكل فلين، قد حبذ أصلا موقفا أميركيا أكثر دعما لتركيا. وكان السيد ترامب قد أوضح نواياه حول إقامة علاقات أفضل مع روسيا. ومع ذلك، ستكون المشكلة بالنسبة للإدارة الجديدة أنه بينما لدى الروس جيش الأسد ولدى الأتراك جيشهم لقتال “داعش”، فإنه لا يتبقى لدى الولايات المتحدة سوى قوات سوريا الديمقراطية -الائتلاف الذي يهيمن عليه الأكراد.
تدور إشاعات مؤداها أن الرئيس ترامب قد يرغب في إقحام قوة تتراوح بين 20.000 إلى 30.000 جندي لتعجيل انهيار “داعش”. وكان هناك وقت عندما كانت مثل هذه الخطوة تشكل خيارا قابلا للحياة. كان ذلك بين كانون الثاني (يناير) 2014 عندما بدأت هجمات “داعش” الرئيسية وبين التدخل الروسي في أيلول (سبتمبر) من العام 2015. والآن، ستأتي في أعقاب الهزيمة الكارثية للثوار في حلب والتي أزالت أي أمل بأن تفضي أي هزيمة لـ”داعش” للسماح للغرب بالالتفات إلى تغيير في النظام في دمشق. وسوف تتم في وجه شروط سلام أملتها روسيا. فهل ستكون الولايات المتحدة مستعدة للظهور بمظهر شريك نشط لروسيا في انتصار نظام الأسد؟ وفي المقابل، هل ستتدخل الولايات المتحدة لمجابهة روسيا مباشرة ومحاولة قلب الحقائق على الأرض، بما في ذلك وقف إطلاق النار الأوَّلي وعملية السلام الجارية؟
ثمة طريقة أفضل بالنسبة لتركيا والولايات المتحدة، والتي تكمن في تحقيق تفاهم واضح مع أنقرة منذ البداية -يعني الآن- للحفاظ على المصالح الأميركية ولتطوير مجالات جديدة للتعاون. ويحتاج الأميركيون إلى القضاء على خلافة “داعش” بالسرعة الممكنة والحفاظ على العراق وتعزيز قوته ولعب دور إيجابي في تسوية سلمية سورية. ولا يجب التضحية بهذه الغايات على مذبح طموحات أنقرة الأكثر ضيقاً في سورية. ومن الممكن أن تكون مزايا تعاون أميركي تركي أفضل كبيرة.
بينما قد يكون قصد تركيا من الاجتماعات التركية العراقية يوم السابع من كانون الثاني (يناير) المزيد من حشر الولايات المتحدة في الزاوية حول سياسة تركيا تجاه الأكراد، فإنها تستطيع في الحقيقة تقوية فرص التعاون التركي- العراقي- الأميركي في سورية ضد “داعش”. ويجب أن يساعد تفهم تركي-عراقي لتواجد قوات تركية في العراق القتال ضد “داعش”. وفي الأثناء، تلزم الولايات المتحدة نفسها بإضعاف تهديد حزب العمال الكردستاني لتركيا، وهي تحتاج إلى تعاون تركي-عراقي للمساعدة في إضفاء الاستقرار على المنطقة. وكانت تركيا قد أساءت عرض وجهات نظرها من قبل مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بنواياها الفعلية في دبلوماستها، مما جعل الولايات المتحدة تنظر الآن مرتين في التحركات التركية. وإذا كانت تركيا راغبة في الدخول بجد في شراكة مع واشنطن، يستطيع كلا البلدين مراجعة أخطائهما السابقة للتركيز على تحقيق تقدم متين لكليهما. وسوف يكسب من ذلك كلا الرئيسين ترامب وأردوغان على حد سواء.
يجب على الولايات المتحدة دعم اهتمام الأتراك المشروع في حكم الموصل المستقبلية، وفي إضعاف أي دعم كردي عابر للحدود لحزب العمال الكردستاني في تركيا. وستظل سورية غير مستقرة لوقت طويل، وسيظل الأمن على حدود تركيا الجنوبية مفضلاً كثيراً على أمن دمشق أو موسكو أو طهران. وسيمنح التعاون مع الولايات المتحدة الأتراك قوة موازية لروسيا: حيث تلقت روسيا الكثير وأعطت القليل لتركيا في تعاونهما الجيوسياسي الحالي. وتتوجس تركيا محقة من إيران في أي مفاوضات سلام سورية ومن نفوذ إيران في بغداد. وتستطيع الولايات المتحدة مد يد المساعدة في هذا الإطار.
تمنح البداية الجديدة مع رئيس جديد فرصة أفضل لمحاولة حل الخلافات والتوصل إلى سياسات داعمة. وتستطيع الولايات المتحدة دعم تواجد تركي قوي في منطقة غير مستقرة مطلقاً من دون التهرب من تصميمها على تدمير “داعش” بالسرعة الممكنة، واستعادة دور أساسي للاستقرار في الشرق الأوسط الأوسع. ويعتمد الكثير على الكيفية التي سترد من خلالها رئاسة ترامب على الضغط التركي.
دبليو روبرت بيرسون
صحيفة الغد