لندن – لا يبدو أن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب لديه من الاستعداد للدخول في تفاصيل الفروق الصغيرة بين المؤسسات الدينية الرسمية في العالم الإسلامي وبين مختلف الحركات التي تقول إنها معتدلة وتلك التي هي أكثر تشددا أو الأخرى التي تصنّف كإرهابية، ما يجعل الجميع في مرماه خلال المرحلة القادمة.
يأتي هذا فيما تنتقل الإسلاموفوبيا من حركة شعبوية يمينية إلى مؤسسة حكم في الولايات المتحدة كأكبر بلد غربي، ما يجعل الأمر أكثر تحديا لدى الجاليات المسلمة في أوروبا والولايات المتحدة.
وقال مرصد “الإسلاموفوبيا” التابع لدار الإفتاء المصرية (حكومي)، السبت، إن “توجهات الإدارة الأميركية الجديدة وآراءها تجاه العالم الإسلامي تكشف عن حجم الأفكار المغلوطة فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين ومدى الخلط بين الإسلام الصحيح الذي ينتهجه معظم مسلمي العالم وبين ما تروّج له التنظيمات الإرهابية التي تدعي انتماءها للإسلام”.
وأشار المرصد إلى أن “اتجاهات الرأي لدى الإدارة الأميركية الجديدة فيما يتعلق بالإسلام تدفع المسلمين نحو بذل مزيد من الجهود الحثيثة لإيضاح الصورة الصحيحة”.
وأوضح المرصد أن “مخاوف مسلمي الولايات المتحدة تزايدت مع تولي ترامب مقاليد الحكم، خاصة في ظل التصريحات المعادية لهم والتي صدرت عن أعضاء إدارته”.
ووضع ترامب مكافحة “التطرف الإسلامي” في صلب سياسته الخارجية مع بداية توليه مهامه الجمعة، حيث تعهد بالعمل مع حلفاء بلاده للقضاء على تهديدات المتشددين.
وقال في خطاب التنصيب “سنعزز التحالفات القديمة ونشكل تحالفات جديدة ونوحّد العالم المتحضر ضد (الإرهاب الإسلامي المتطرف) الذي سنزيله تماما من على وجه الأرض”.
وسبق لترامب وخلال سعيه للحصول على ترشيح حزبه الجمهوري لانتخابات الرئاسة أن أكد أن وقف انتشار “التطرف الإسلامي” سيكون أولوية إدارته في حال فوزه بمنصب الرئيس.
وقال ترامب وقتها، في كلمة شرح فيها سياسته الخارجية، إن “احتواء انتشار التطرف الإسلامي هو أحد أهم أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة وكذلك العالم”.
وفي مارس 2016، نقلت عنه “سي إن إن” قوله إنه من الصعب التفريق بين الإسلام والإسلام المتطرف.
ومن الواضح أن الرئيس الأميركي الجديد يعتبر أن المؤسسات الدينية الرسمية والشعبية والحركات الإسلامية بجميع أشكالها هي صانعة مناخ التشدد مهما كانت رسالة الاعتدال التي تحاول تقديمها، وهذا يجعل الجميع في مرماه.
وقال مراقبون إن رؤية ترامب تضع الجميع أمام امتحان غير مسبوق مثلما يضع الدول التي تتهاون في التعامل مع مؤسساتها الدينية وتترك لها فرصة التدخل في الشأن الاجتماعي والسياسي، أمام غضب رئيس أميركي من الواضح أن لديه الاستعداد لفعل أيّ شيء.
واعتبر المراقبون أن تحدي ترامب امتحان داخلي لإعادة المؤسسات الدينية إلى دورها الإنساني التوعوي البعيد عن السياسة والتدخل في الشأن العام، سواء انحناء للعاصفة أو مراجعة حقيقية وعميقة لدور المؤسسة الدينية في العالمين العربي والإسلامي.
وتواجه دول عربية مركزية صعوبات حقيقية في التواصل مع الرئيس الأميركي الجديد برغم وزنها وحاجة واشنطن للتحالف معها في مواجهة إيران، وذلك في ظل التوظيف الرسمي لأفكار دينية محافظة والرهان على شخصيات وجماعات تتبنى فكرا عنيفا وذلك بمواجهة الحركات المتشددة.
وستكون جماعة الإخوان المسلمين، التي راهنت عليها إدارة باراك أوباما، على رأس قائمة المستهدفين، كما أن إدارة ترامب قد تبادر إلى إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية، وفق ما رشح من تسريبات في الفترة الأخيرة.
وستجد بعض الدول الإقليمية الداعمة لها نفسها مجبرة على التبرؤ من الجماعة، وطرد قياداتها ووقف الدعم الموجه لها، فضلا عن تفكيك شبكاتها المالية، وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى بعض الدول الأوروبية التي ما تزال مترددة بشأن حظرها وإغلاق الجمعيات والمدارس والأنشطة التابعة لها.
ومن الصعب أن تنجح الجماعة في خداع ترامب وإدارته بخطاب الاعتدال والدفاع عن الديمقراطية مثل ما حصل مع سلفه أوباما.
وسعى رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي السبت إلى التخفيف من حدة المخاوف التي تنتاب الإسلاميين من مرحلة ترامب بقوله إنه “لا خطر على المسلم الملتزم بدينه” من الرئيس الأميركي الجديد.
وتثير أنشطة الجماعة في أوروبا شكوكا حول دورها في تربية أبناء الجالية على التشدد ما يسهّل عمليات الاستقطاب التي تتولاها تنظيمات متشددة أخرى لشباب الجالية والزج بهم في العراق وسوريا.
ويرى محللون أن صعود ترامب إلى الرئاسة، وتعهده بفتح حرب واسعة لمحو الإسلام المتطرف من على وجه الأرض، داعم قوي للإسلاموفوبيا التي لم تعد حركة محدودة التأثير، بل صارت مؤسسة حكم في أكبر دولة غربية، أي الولايات المتحدة.
وأشار المحللون إلى أن الفترة القادمة ستكون مسرحا لمعارك الهويات الدينية والثقافية في الغرب، ما سيزيد من الضغوط على الجالية المسلمة والتضييق عليها.
العرب اللندنية