يوم الأحد الماضي، اجتمعت 70 دولة ومنظمة دولية في باريس في محاولة أخيرة لإنقاذ شيء كان القادة الفلسطينيون يسعون إليه منذ عقود: حل دولتين للصراع مع إسرائيل.
وفي مؤتمر صحفي قبل مؤتمر باريس، قال محمد اشتية، أحد كبار مستشاري رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لشؤون المفاوضات: “اليوم، وجود دولتين أمر ممكن؛ غداً… قد يكون متأخراً جداً، لأن إسرائيل تنزلق إلى وضع سوف تكون وفقه دولة فصل عنصري بحكم القانون وبحكم الأمر الواقع”.
ولكن، وحتى مع أن البيان الختامي للمؤتمر حث الإسرائيليين والفلسطينيين على “إعادة التأكيد رسمياً على التزامهما بحل الدولتين”، فإن 2 من أصل كل 3 فلسطينيين يقولون أن هذا النموذج لم يعد صالحاً، وفقاً لاستطلاع للرأي صدر مؤخراً عن المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (PCPSR) في رام الله.
يقول نشأت صالحية، وهو لاجئ يعيش في مخيم الأمعري للاجئين، على بعد أميال قليلة من مقر السيد عباس في رام الله: “نريد حل الدولة الواحدة حيث نعود إلى أرضنا. أريد أن أعود إلى بلدي. لا يهمني من هو الذي سيحكمني. سوف تكون هناك انتخابات، وسوف يكون لي صوت”.
بعد سنوات من المفاوضات غير المثمرة، أصبح 36 في المائة من الفلسطينيين يؤيدون الآن حلا على أساس الدولة الواحدة. ومن بين هؤلاء، يقول البعض أنهم سيكونون على استعداد للعيش تحت الحكم اليهودي، ويقولون أنهم كانوا يعيشون بشكل أفضل قبل مجيء السلطة الفلسطينية، وأن رؤساء العمل الإسرائيليين عاملوهم بشكل أفضل وكانوا يدفعون لهم رواتبهم في الوقت المحدد.
يعرف هؤلاء أن من المستبعد جدا أن توافق إسرائيل أبدا على قيام دولة ثنائية القومية، لأسباب أمنية. ولكن حقيقة أن يتم التعبير عن هذه المشاعر علناً هنا تؤكد حجم الإحباط الذي أصاب الفلسطينيين من السلطة الفلسطينية التي تعاني بعد أكثر من 22 عاماً من الحكم من الانقسامات الداخلية، واقتصاد فلسطيني محتضر، ومزاعم واسعة النطاق بالفساد.
من المؤكد أن احتلال إسرائيل للضفة الغربية، بما في ذلك السيطرة على جميع الشحنات والتنقل إلى داخل المنطقة وخروجاً منها، يحد بشكل كبير من قدرة السلطة الفلسطينية على إدارة الأراضي، ويثير حنقا وازدراء واسعي النطاق بين الفلسطينيين.
ولكن، حتى لو وافقت إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، فإن عدداً ليس قليلاً من السكان في مخيم الأمعري يشككون في أن تكون السلطة الفلسطينية قادرة على إدارة هذه الدولة –إذا لم يتم إصلاح هذه السلطة على الأقل. وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، يرغب 64 % من الفلسطينيين في رؤية عباس وهو يتنحى، ويعتقد نحو 8 من كل 10 بأن السلطة الفلسطينية فاسدة.
يقول جهاد طملية، وهو عضو سابق في المجلس التشريعي الفلسطيني، والذي أقيل من منصبه في خريف هذا العام بسبب تنظيم اجتماع لدعم منافس الرئيس عباس في المنفى، محمد دحلان: “لو أن الأكاديميين وأصحاب الكفاءات والأساتذة والعاملين المهرة في فلسطين مُنحوا الفرصة ليكونوا جزءا من السلطة الفلسطينية، لكانت لدينا مؤسسة قادرة يمكن أن تحكم الناس. لكن هذا لم يحدث، لسوء الحظ، على مدى السنوات العشرين الماضية”.
متلهفون على جيش مثل جيش الصين
كانت مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية في الخطوط الأمامية للانتفاضة الأولى التي دفعت القادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات –وهو ما مهد الطريق لاتفاق أوسلو للسلام في العام 1993 وإنشاء السلطة الفلسطينية في العام التالي.
أما الآن، فقد تحول مخيم الأمعري، الذي يشكل موطنا لأكثر من 10.000 نسمة، إلى بؤرة من الاستياء ضد السلطة الفلسطينية وعباس. وكان السيد دحلان، الذي أطاح به عباس في العام 2011، يحصل على الدعم في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، من خلال رعاية شحنات المواد الغذائية، وتوزيع الحقائب المدرسية، وإقامة حفلات الزفاف الجماعية، وتمويل حتى علاجات العقم. وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، ذكر عدنان أبو عامر، الأستاذ الجامعي والكاتب في “المونيتور”، أن دحلان يقوم أيضاً بتقديم الأسلحة إلى المخيمات التي انخرطت بشكل متكرر في اشتباكات عنيفة مع قوات الأمن الفلسطينية.
في أحد الشوارع الرئيسية في المخيم، يشاهد شاب يدعى محمد القطري شريط فيديو على هاتفه النقال لجنود الجيش الصيني وهم يسيرون في انسجام وتزامن كاملين. ويقول إنه يود لو كانت لدى الفلسطينيين مثل هذه القوة. ويضيف: “ولكن، ليس لدينا أي شيء من هذا”.
ويقول مجدي القطري، ميكانيكي السيارات وقريبه الذي يقف معه: “منذ أربعة عشر قرناً فعلنا ذلك، عندما كان النبي محمد هنا”. ويقف خلف مجدي متجر مغلق عليه ملصقات تحمل صور ابن عمهما الراحل –الذي يتم تمجيده كشهيد، مثل الكثير من الشباب الفلسطينيين الذين فقدوا حياتهم في محاربة إسرائيل.
وبالإضافة إلى الشهداء من مخيم الأمعري، تم إيداع آخرين في السجون الإسرائيلية أو منعوا من العمل في إسرائيل لأسباب أمنية.
يقول أحد الشباب، والذي لم يشأ الكشف عن اسمه خوفاً من فقدان وظيفته في مدرسة في القدس، أن لديه أربعة أشقاء ألقي القبض عليهم في العام 2002، وهم يقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة. وقال أنه لم يؤمن أبداً بحل الدولتين، ولكن بعض أصدقائه كانوا يفعلون. ويقول: “كنت دائماً أقول لهم، أنتم مخطئون. والآن أصبحوا كلهم مثلي”.
ويضيف الشاب أنه يريد دولة واحدة –دولة فلسطينية من البحر إلى النهر، مستخدما مقطعا من أغنية فلسطينية عن الأرض الممتدة بين نهر الأردن والبحر المتوسط. لكنه يقول أنه يريد أن يديرها “قادة مختلفون كلية” عن هؤلاء الموجودين الآن في السلطة.
وتوافق روان، الشابة التي تحمل شهادة جامعية في الرياضيات ولا تستطيع العثور على وظيفة، على أن هناك حاجة إلى إجراء إصلاح شامل للقيادة. لكنها تضيف لمسة من عندها.
تقول روان، على الرغم من كونها مسلمة: “نريد رجلا مسيحيا -نعتقد أن مسيحيا يحكمنا سيكون أفضل من كل هؤلاء المسلمين”. وتشير إلى سرعة أعراب المسيحيين العرب في داخل إسرائيل عن تضامنهم مع العرب المسلمين عندما اقترحت الحكومة منع الدعوة إلى الصلاة، وتعرب عن شكوكها بأن المسلمين ربما يفعلون الشيء نفسه لو تبدل واقع الحال. وتضيف: “أنا أحترم (المسيحيين) على دعمهم، وأخلاقهم”.
مواجهة في محل الفلافل
لكن المشهد في محل الفلافل يوضح مدى صعوبة مناقشة مثل هذه المواضيع الحساسة علنا.
هناك، يتدخل ميكانيكي بابتسامة خبيثة، والذي يقول أن اسمه معتصم، ويعرض تقييمه الخاص:
“نحن (الفلسطينيين والإسرائيليين) عشنا مع بعضنا البعض طويلاً بحيث أننا لا يمكن أن ننفصل. أنا أؤمن بدولة واحدة مع إسرائيل، لأنه في رأيي، تحتاج الدولة الفلسطينية إلى أن تقوم على الدين، على الإسلام، وهذا لن يحدث”.
ثم يستدير رجل سمين في المكان، مصطفى الكفري، ويتهم بشدة الصحفية كاتبة هذا التقرير ومترجمها بأنهم عملاء للمخابرات. ويعود معتصم، الذي انسل مبتعداً خلال المواجهة الساخنة،–وإنما مع ما يبدو أنه موقف مناقض. يريد الفلسطينيون “كل (الأرض) من دون إسرائيل”. ويضيف: “إننا لا نستطيع أن نعيش مع الإسرائيليين لأنهم غير مرتاحين معنا ونحن غير مرتاحين معهم”، بحسب قوله.
كما يعود السيد الكفري، عامل البناء، أيضاً، ليشرح وجهات نظره القوية. ويقول أن جده كان قد قتل بينما كان يحاول الفرار من منزله في ما أصبح اليوم إسرائيل ذاتها، كما قتل شقيقه في العام 1999.
ويقول بحزم: “إذا قلتَ أنك تريد دولة واحدة مع الإسرائيليين. فإن هذا مثل بيعكَ شرفك”.
كريستا كيس براينت
صحيفة الغد