قبَل أيام فقط من عيد الميلاد، وبينما كان صناع القرار في الولايات المتّحدة يستعدّون للأعياد، أجرت إيران مناورات حربيّة واسعة النطاق، كما تفاخر أحد كبار قادتها العسكريّين بأنّ الخليج العربي/الفارسي هو ضمن “نطاق” قواتها القتاليّة. وفي الوقت نفسه تقريباً، قام قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، قاسم سليماني، بمسح البقايا من مدينة حلب التي تعرضت للقصف الشديد. ويبدو أن سليماني يظهر حالياً بشكلٍ بارز حيثما ينشر الإيرانيّون ميليشيات شيعيّة لإضعاف الدول والأنظمة القائمة في الشرق الأوسط الأوسع. وسواء كانت إيران تهدّد بإشعال الخليج أو تستخدم الميليشيات الشيعيّة كأداة لبسط سلطتها، فإنّ الولايات المتحدة تشهد نمطاً من العدوان الإيرانيّ الذي تسارع خلال العام الأخير منذ بدء تنفيذ الاتّفاق النووي مع إيران.
وبينما تستعرض طهران قوّتها العسكريّة وتهدّد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ظلّ رَدّ واشنطن، للأسف، صامتاً. وتجاهلت إدارة أوباما مراراً وتكراراً الطبيعة الشاملة للتهديد الإيرانيّ وتصرّفت ببرود إزاء العقوبات غير النوويّة، خشية أن تتخلى إيران – على ما يبدو – عن الاتّفاق النووي. وكنتيجة لذلك، أصبح قادة إيران أكثر جرأة، وأخذت بصمات البلاد تزداد باطّراد في جميع أنحاء المنطقة، الأمر الذي يثير قلق حلفاء أمريكا التقليديّين.
لقد تحدّثنا علناً في الماضي عن مساوئ «خطة العمل المشتركة الشاملة» التي لم توقف في النهاية مسار إيران النوويّ بل أجّلته فقط – وعن الثمن الباهظ في التخلّي عن النفوذ الغربيّ ضدّ إيران. ولكي تردّ إدارة دونالد ترامب بفعالية، لا ينبغي عليها أن تمزّق الاتّفاقيّة في اليوم الأوّل. فمن شأن ذلك أن يجعل الإجراءات الأمريكيّة هي المسألة [التي تثير إشكالاً] وليس السلوك الإيرانيّ المهدد والمزعزع للاستقرار. على الولايات المتحدة أن تعزل إيران، وليس نفسها. لكن عليها أن ترفع تكاليف استمرار التعنت الإيراني – وتحقيقاً لهذه الغاية، على إدارة ترامب اعتماد استراتيجيّة أكثر توسّعاً حيال طهران: وبالتحديد من خلال معالجة تلك القضايا الحيويّة خارج نطاق الاتّفاق، وبشكلٍ خاصّ تدخّل إيران المزمن في المنطقة.
وبينما كان يجري التفاوض حول «خطة العمل المشتركة الشاملة» وتنفيذها، اندفق المستشارون الإيرانيّون إلى جانب الميليشيات الشيعيّة من مناطق بعيدة كأفغانستان إلى سوريا، مما يمنح طهران محيطاً عسكريّاً لنفوذها يمتدّ إلى البحر الأبيض المتوسّط. ومؤخّراً، قامت أيضاً أحد عشر دولة عربيّة باتّهام إيران برعاية الإرهاب والتدخّل في شؤونها الداخليّة، وكل ذلك بينما أضحى الاتّفاق النووي حقيقة واقعة. وتوصّلت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة إلى استنتاج مماثل في حزيران/يونيو، عندما جدّدت تصنيف إيران كدولة رائدة في مجال رعاية الإرهاب في العالم، ذاكرةً “مجموعة واسعة من الأنشطة الإيرانيّة الهادفة إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.“
إن تبنّي حملة ضغط جديدة على إيران يمكن أن يساعد على عكس مجرى الأحداث. ولا تعاني الولايات المتّحدة من نقص في الوسائل للتأثير على سلوك إيران. ويشكّل فرض بنية العقوبات القائمة، بقوّة، وسيلة جيّدة كبداية.
وللمباشرة بذلك، تستطيع إدارة ترامب ابتداءً من يومها الأوّل، التحرّك بسرعة من خلال الضغط على فرض الحظر الذي وضعته الأمم المتّحدة على سفر شخصيّات أساسيّة في القيادة الإيرانيّة، مثل قاسم سليماني، الذي تمّ تصويره في حلب والفلّوجة وبالقرب من الموصل، والذي التقى مؤخّراً بنظرائه في روسيا. بالإضافة إلى ذلك، باستطاعتها اتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران لإطلاقها صواريخ بالستيّة واستمرار شحنات الأسلحة التي ترسلها إلى اليمن، منتهكةً بذلك الحظر المفروض من قبل الأمم المتحدة على نقل الأسلحة إلى تلك البلاد. ومثل هذا السلوك يتحدّى مباشرةً قرار الأمم المتّحدة رقم 2231 الذي يرسّخ الاتفاق النووي، ويُعد مثالاً على افتقار إيران إلى المساءلة. وإذا ما استمرّت إيران في انتهاك حَرفيّة الاتّفاق النووي وروحيّته، على الولايات المتّحدة أن تكون مستعدة للتخلي عن الاتّفاق.
يتعيّن على الإدارة الأمريكية الجديدة التحرّك بسرعة أيضاً لقطع الإمدادات الماليّة الإيرانية. يجب على “مكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة” التابع لوزارة الخزانة الأمريكيّة أن لا يزوّد شركتي الطيران “بوينغ” و”إيرباص” بِرُخَص [لبيع طائرات إلى إيران]، إلى أن تمتنع طهران عن استخدام الخطوط الجويّة الإيرانيّة وشركات طيران أخرى لنقل الأسلحة والأفراد إلى نظام الأسد و «حزب الله» في لبنان. يجب على الولايات المتّحدة أيضاً أن تستخدم نفوذها لدى الحكومة العراقيّة للحد من المجال الجوي الذي تستخدمه إيران لهذه النشاطات.
يتعيّن على الإدارة الجديدة أيضاً وضع خطوط حمراء واضحة أمام المضايقات الايرانية المستمرة لسُفُن البحريّة الأمريكيّة في الخليج، ولشحن الأسلحة إلى اليمن وغيرها من الأنشطة الشائنة. ووفقاً للجيش الأمريكي، صعّدت إيران من مضايقاتها لسفن البحريّة الأمريكيّة في الخليج. ففي مطلع هذا الشهر، أُجبِرَت سفينة “يو أس أس ماهان” الأمريكيّة على إطلاق طلقات تحذيريّة بعد أن وصلت زوارق «الحرس الثوري» الإيراني إلى مقربة 900 ياردة (2700 قدم) من المدمّرة البحريّة ولم تستجِب لطلبات التباطؤ. ووفقاً للبنتاغون، اعتُبر ما مجموعه 35 تفاعلاً مع القوات البحريّة الإيرانيّة كـ “غير آمن وغير مهني” في عام 2016 – وفي النصف الأوّل من عام 2016، كان عدد المواجهات ضعف العدد الذي حصل في الفترة نفسها تقريباً من عام 2015. إنّ منح البحريّة الأمريكيّة سلطة جديدة وأكثر قوة للرد على الاستفزازات الإيرانيّة سيكون بمثابة خطوة أولى هامّة.
وأخيراً، على الولايات المتّحدة أن تصبح أكثر صرامة أيضاً في استهداف الاعتداءات الإيرانيّة في الشرق الأوسط. ينبغي دعم الجهود الجديدة التي يبذلها كلا الحزبَين في الكونغرس، لقلب قواعد اللعبة المزعزِعة للاستقرار التي تمارسها إيران. إنّ قانون “منع زعزعة الاستقرار في العراق وسوريا“ لعام 2016 الذي يرعاه عضوَا مجلس الشيوخ الأمريكيّ ماركو روبيو وبوب كيسي، يشكّل أساساً قوياً لذلك. فمن شأنه أن يمنح السلطة لفرض عقوبات على المنظّمات الإرهابيّة والدول الأجنبيّة، مثل إيران، “التي تهدّد سلام العراق أو سوريا، أو استقرارهما.” وينبغي أيضاً توسيع هذه الإجراءات لتشمل حلفاء أساسيين آخرين للولايات المتّحدة في المنطقة، وبالتحديد إسرائيل والبحرين والمملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة. وسيكون لزاماً على الإدارة الجديدة الحفاظ على إجماع الحزبَين في الكونغرس بأنّ الوضع الراهن في دمشق وبغداد – والدور الذي تلعبه إيران هناك – غير مقبول.
يجب على إدارة ترامب أن توسّع أجندتها المتعلقة بإيران، لتشمل سلوك طهران العدائيّ وانخراطها غير الملائم في شؤون الشرق الأوسط. وستستطيع واشنطن أن تثبت لإيران أنّها تواجه مخاطر كبيرة إذا لا تغيّر سياساتها وإذا ما حاولت استئناف تسلّحها النوويّ، فقط من خلال قيام الولايات المتحدة بحملة ضغوط جديدة عليها. ومن المُرَجَّح أن تؤدي السياسات الأكثر تشدداً التي تُتبع حالياً إلى تقليل مخاطر تصعيد النزاع لاحقاً.
دينيس روس
معهد واشنطن