الموصل (العراق) – يساهم طول معركة استعادة مدينة الموصل العراقية من تنظيم داعش في إطالة معاناة سكان هذه المدينة، وخصوصا جزءها الغربي الذي لا يزال خاضعا للتنظيم المتشدّد بشكل كامل مع دخول الحملة التي أطلقت في السابع عشر من أكتوبر الماضي، شهرها الرابع.
وبعد مئة يوم من المعارك العنيفة والحصار أصبح الوضع الإنساني لسكان النصف الغربي من الموصل على شفا الانهيار بعد قطع خطوط إمدادهم بالمستلزمات الحياتية الأساسية بالتزامن مع استمرار القصف الجوي لطيران التحالف الدولي وتوقف المرافق الخدمية عن العمل بشكل تامّ.
ولخّصت سيدة من سكان الضفة الغربية لنهر دجلة الوضع في ذلك القسم من المدينة بالقول إنّ الخوف من الحياة يفوق الخوف من الموت، في إشارة إلى المعاناة الشديدة التي تواجهها العوائل لتوفير الحد الأدنى من ضرورات الحياة.
وقالت المرأة لوكالة الأناضول عبر الهاتف إن “الوضع الإنساني منهار بشكل تامّ، فلا ماء ولا غذاء ولا دواء، والسكان يموتون جوعا ويضطرون لأكل أوراق الأشجار والاعتماد على الأمطار في الحصول على المياه من أجل العيش”.
وأضافت أن أسعار المواد الغذائية القليلة المتوفرة في الأسواق قفزت إلى أربعة أضعاف سعرها الحقيقي، وأن السلع الأساسية مفقودة بشكل تامّ.
وأشارت إلى أن الحرب والحصار الخانق جعلا من الحياة شبه مستحيلة في أحياء الموصل الغربية.
وتقول المرأة المسؤولة عن إعالة أولادها الستة بعد موت زوجها إثر قصف جوي على المدينة مطلع عام 2015، إنها منذ خمسين يوما تقدم وجبة واحدة لأبنائها خلال اليوم تتألف من التمر وخبز الشعير وفي بعض الأحيان من الطماطم المشوية على نار الخشب لعدم وجود الوقود وزيت الطهي. وختمت السيدة شهادتها بالتوجّه إلى حكومة بغداد بالقول “على المعنيين تحريرنا أو قتلنا”.
رجال يجوبون الشوارع ويبحثون في القمامة عن بقايا الطعام وهم يضعون اللثام على وجوههم كي لا يتعرف عليهم الناس
ومن جانبه يقول الناشط الموصلي لقمان عمر الطائي إنّ الأسعار ارتفعت بشكل جنوني، والأهالي يعتمدون على ما قاموا بتخزينه استعدادا لمثل هذه الأيام، لكن يبدو أن الخزين المنزلي من الأطعمة وغيرها سينفد قبل أن تنتهي الحرب.
وبحسب الطائي فإن سعر البيضة الواحدة يبلغ ما يعادل دولارا أميركيا، وسعر الكليوغرام من السكر 10 دولارات، وهو نفس سعر الكيلو الواحد من الطحينية -مستخلص من بذور السمسم- ويعد غذاء رئيسيا للموصليين في أوقات الأزمات حيث يتناولونه مع الدبس -مستخلص التمر- والذي يبلغ سعر الكيلو الواحد منه ما يعادل 8 دولارات.
ويضيف الناشط أن الأهالي يعانون من شحّ مالي كبير ولا يمكن لأكثريتهم شراء الوقود وباتوا يعتمدون على الأخشاب في الطهي والتدفئة في ظل الانخفاض الحاد بدرجات الحرارة.
وكشف الشاب محمد خليل الذي يمتهن بيع المواد الغذائية في منطقة باب السراي التجارية بالنصف الغربي من الموصل،
عن نفاد البقوليات ومستلزمات الطهي والدقيق والسكر والرز من الأسواق بشكل تامّ بعد قطع الطرق التي تربط الموصل بكل من تركيا وسوريا من جهة وإقليم كردستان العراق من جهة أخرى، ورفض سواق سيارات النقل والشاحنات سلك الطرق الصحراوية لجلب البضائع وإدخالها إلى المدينة لخطورة تلك الطرق واستهداف المركبات من قبل الطيران الحربي في الكثير من الأحيان.
ويقول خليل إن الكثير من الرجال في الموصل يخرجون إلى الشوارع وهم يضعون اللثام على وجوههم كي لا يعرفهم أحد من أجل البحث عن بقايا الطعام بين أكوام النفايات.
وكانت الأمم المتحدة قد حذرت من أن عملية استعادة الموصل وهي أكبر معقل حضري لتنظيم داعش في العراق قد تشرِّد ما يصل إلى مليون شخص، واختار معظم الناس البقاء في ديارهم أو الانتقال بشكل مؤقت للإقامة عند أقارب لهم في أحياء أخرى. ومنع مقاتلو داعش آخرين كثيرين من الفرار واتخذوهم دروعا بشرية.
ويفوق قطع الماء والطاقة الكهربائية عن المشافي والمراكز الصحية والمشاريع الخدمية في الجانب الغربي للموصل خطر شح المواد الغذائية بحسب الناشط الموصلي فاضل عباس الجبوري الذي اعتبر أن الحرب المعلنة على عدد محدود من عناصر داعش تحوّلت إلى حرب على قرابة المليون مدني لا يزالون عالقين بغرب المدينة.
وبين الجبوري أن انعدام المياه يدفع بالسكان إلى التوجّه نحو نهر دجلة لجلب المياه رغم أنها غير نظيفة وغير معقّمة وقد تسبب استخدامها في ظهور حالات مرضية عديدة.
وتابع أن ما يفاقم معاناة السكان هو أن المشافي والمراكز الصحية أعلنت عجزها عن استقبال المرضى مهما كانت حالتهم الصحية بعد أن انقطعت عنها الطاقة الكهربائية وتوقفت الأجهزة عن العمل ونفدت الأدوية من المخازن.
وأكّد الجبوري تسجيل حالات مأساوية مزرية خلال الشهرين الأخيرين بغرب الموصل من بينها إقدام العائلات على ذبح القطط وأكلها، والبحث عن بقايا الطعام بين النفايات وعمل الحساء من أغصان الأشجار.
واتهم المحلل السياسي عبدالرؤوف طلال العقاد الحكومة المركزية في بغداد والتحالف الدولي بـ”إبادة الآلاف من المدنيين العزل دون مراعاة لأوضاعهم الإنسانية”، قائلا إنّ من واجب الحكومات مراعاة مواطنيها وحمايتهم والحفاظ عليهم من الأزمات قدر الإمكان، لا التسبب بزيادة معاناتهم وتجويعهم والدفع بهم نحو ارتكاب الجرائم المختلفة
العرب اللندنية