وصف مستثمرون توجه الحكومة المصرية نحو إلغاء نظام المناطق الحرة الخاصة، بأنه ضربة جديدة للاقتصاد من شأنها زعزعة ثقة المستثمرين الضعيفة أصلا في المناخ العام الذي يعملون في كنفه. وأكدوا أن هذا التوجه دليل على عدم وجود استقرار تشريعي يضمن جذب رؤوس الأموال الأجنبية للبلاد.
ورفضت وزارة الاستثمار الاستجابة لطلبات منظمات الأعمال بالإبقاء على هذا النظام في مشروع قانون الاستثمار الجديد، الذي أرسلته للبرلمان مؤخرا وفق رؤيتها فقط، والذي تنص المادة الثانية من مواد الإصدار فيه (الفقرة الأخيرة) على إلغاء هذه المناطق.
وتؤكد جمعية رجال الأعمال المصريين أن نحو 230 مصنعا أجنبيا ومصريا تعمل في هذه المناطق باستثمارات تتجاوز 10 مليارات دولار، ويصل عدد هذه المناطق إلى نحو 223 منطقة حرة خاصة، إلى جانب 9 مناطق حرة عامة.
وقال خالد حمزة، رئيس لجنة الاستيراد والجمارك بالجمعية، إن “إلغاء المناطق الحرة الخاصة يعد أمرا كارثيا على البلاد لأنه يهدد استثمارات قائمة منذ أكثر من 20 عاما”.
وأوضح لـ“العرب” أن تلك المشروعات تدفع عوائد سنوية لمصر بالعملات الحرة، ما يفقد البلاد موردا من العملة الحرة “في الوقت الذي نواجه فيه أزمة خانقة بسبب عدم القدرة على توفير العملة الأجنبية”.
خالد حمزة: خاطبنا البنك المركزي كون القضية تهدد شركات تأسست منذ 20 عاما
وأكد أن اللجنة خاطبت البنك المركزي أيضا بالتدخل معنا في تلك القضية، لأنه سيفقد موردا من العملة الأجنبية، وبالتالي فإن المشكلة ستطاله هو أيضا. ونظام المناطق الحرة الخاصة معمول به في العديد من الدول في العالم، حيث يتم تأسيس الشركات التي ترغب في الإنتاج بهدف التصدير للخارج في أي مكان تراه مناسبا بالبلاد، على أن تصدر كامل إنتاجها مقابل حصول الحكومة على نسبة من صادرات تلك الشركات.
وتصل تلك النسبة في مصر إلى نحو 1.5 بالمئة من حصيلة الصادرات ويتم تحصيلها بالدولار أو باليورو في حال التصدير، ومقابل هذا يحرّم على الشركة طرح منتجاتها في السوق المحلية، وفي حال رغبتها في ذلك تتحمل ضريبة جمركية أسوة بالمنتجات التي يتم استيرادها من الخارج.
وتصاعد الجدل خلال الفترة الماضية، بسبب عدم خضوع هذه الشركات للنظام الضريبي داخل البلاد، مما حدا بوزارة المالية إلى شنّ هجوم على هذا النظام فاستجابت وزارة الاستثمار لطلبها وتم إلغاؤه في مشروع القانون.
وأكد أنيس أكليمندوس، رئيس الغـرفـة الأميركية بالقاهرة، أن وزارتي المالية والاستثمار أرجعتا سبب إلغاء نظام المناطق الحرة إلى زيادة معدلات التهريب من تلك المناطق إلى داخل البلاد.
وقال لـ“العرب” إن “هذا السبب ليس كافيا، بل كان من الأولى أن يتم اتباع وسائل رقابية تمنع عمليات التهريب وليس إلغاء النظام نفسه لأنه سيحرم البلاد من ميزة استثمارية كبيرة”.
وتفرض الحكومة ضريبة موحدة حاليا على جميع الشركات بنسبة 22.5 بالمئة على صافي الأرباح، وتم إلغاء الحوافز التي كانت مقررة في مشروع قانون المناطق الاقتصادية الخاصة، حيث كانت تفرض عليها ضريبة بنحو 10 بالمئة على صافي أرباحها.
وقال فتح الله فوزي، رئيس جمعية الصداقة المصرية-اللبنانية، “إننا مقبلون على الدخول في عدد من الاتفاقيات الهامة ومنها الانضمام لاتفاقية طريق الحرير مع الصين”.
ولفت لـ“العرب” إلى أن هذه الاتفاقية تحتاج إلى إنشاء مناطق متخصصة لبعض الأنشطة والصناعات، في ظل الإعلان عن بدء تنشيط طريق الحرير الذي يبدأ من الصين وينتهي في مصر.
فتح الله فوزي: مصر بحاجة إلى المناطق الحرة الخاصة لتعزيز التعاون مع طريق الحرير
ودشنت مصر مؤخرا هيئة للمنطقة الاقتصادية بمحور قناة السويس بهدف ضخ استثمارات تعتمد في المقام الأول على إعادة التصدير للخارج، إلا أن مشروع قانون الاستثمار لم يمسّها، حيث أن قانون الهيئة يمنع تدخل أي جهة في نطاق عملها سوى وزارات الدفاع والداخلية والعدل والخارجية. ووصلت صادرات المناطق الحرة الخاصة خلال العام الماضي إلى نحو 1.7 مليار دولار والتي تمثل 10 بالمئة تقريبا من إجمالي صادرات البلاد، علاوة على 700 مليون دولار صادرات السوق المحلية سنويا، وتعتبر إحلالا محل الواردات.
واستنجد مستثمرون بالبرلمان المصري لفض هذا الاشتباك، لأنه الملاذ الأخير للفصل في تلك القضية، ورفعت لجنة الاستيراد الجمارك في جمعية رجال الأعمال واتحاد الصناعات المصرية، مذكرة تفصيلية بالمميزات التي ستفقدها البلاد نتيجة هذا الإصرار.
وحرر البنك المركزي سعر صرف الجنيه أمام جميع العملات في نوفمبر الماضي نتيجة عدم قدرته على ضخ دولارات في السوق للحفاظ على توازن العملة المحلية في سوق الصرف، وهو ما ترتب عنه انخفاض في قيمته بأكثر من 100 بالمئة أمام مختلف العملات الأجنبية.
وقدر صندوق النقد الدولي حجم الفجوة التمويلية بمصر خلال السنوات الثلاث المقبلة بنحو 35 مليار دولار. واقترضت القاهرة نحو 12 مليار دولار من الصندوق على ثلاث سنوات، ووصلت الشريحة الأولى من القرض في نوفمبر الماضي والتي بلغت قيمتها 2.75 مليار دولار.
العرب اللندنية