حلب (سوريا) – يسابق تجار مدينة حلب الزمن من أجل إعادة فتح أبواب محلاتهم مرة أخرى، حيث بدأوا في إزالة الركام والنفايات من شوارع الأسواق القديمة، وسط جدران متفحمة ملأتها ثقوب الرصاص.
وكانت محافظة حلب قد طلبت من التجار إخراج الركام من متاجرهم لكي تأتي الشاحنات لاحقا وتقله قبل بدء أعمال التنظيف والترميم على أمل أن يعود السوق إلى سالف عهده.
وتعتبر حلب العاصمة الاقتصادية والمحرك الصناعي لسوريا، ففيها مدينة الشيخ نجار التي تعد من أكبر المدن الصناعية في المنطقة العربية، فضلا عن المدن الأخرى والمشاريع المتوسطة والصغيرة.
ومنذ سيطرة الجيش السوري قبل أكثر من شهر على كامل المدينة، يضطر أنطوان بقال يوميا إلى اجتياز أكوام الركام والنفايات ليصل إلى متجره لكي يبيع الأقمشة في سوق خايربك بحلب القديمة.
بشر اليازجي: نقوم بالتوثيق والمسح تمهيدا لإطلاق برنامج عمل تنفيذي لحلب القديمة
ويؤكد التاجر الستيني أنه كان أول من يدخل إلى خان خايربك، وأبدى سعادته لأن محلّه لم يتضرر وبقي صامدا رغم الأضرار. وقال “شجعت أصدقائي التجار على العودة حتى أني أرسلتُ لهم صورا لمحالهم. تحمّسوا جميعا، وجاؤوا الواحد تلو الآخر”.
وطيلة أربع سنوات من الحرب، غيرت المعارك معالم المدينة الأثرية القديمة المدرجة على لائحة التراث العالمي للإنسانية بأسواقها وخاناتها، بعدما تحولت إلى خط تماس بين طرفي النزاع.
ويبدو أن الحظ حالف تجار خان خايربك، أحد أشهر أسواق القماش في حلب القديمة، فبعكس أسواق أخرى دمرت بشكل شبه كامل، بقيت متاجرهم صامدة بالرغم من الأضرار. ويقول أنطوان “كنا نسمع أصوات القذائف تتساقط هنا، لكن سعدتُ كثيرا حين وجدت أنه بإمكاني إعادة إحياء المتجر. لا يوجد دمار كبير لكن نحتاج إلى تنظيف وترميم المكان”.
وفي متجره المظلم، ينحني التاجر على الأرض ويرفع مفكرة قديمة كتبت عليها فاتورة تعود إلى العام 2011، ثم يتفقد آلة لكي القماش عله يتمكن من إصلاحها للعمل مجددا.
وفي الخان الضيق ووسط قناطر أثرية تزين السوق، يتردد التجار تباعا لتفقد محلاتهم ومنهم من بدأ بمباشرة أعمال التأهيل لإعادة الحياة إلى سوق طالما تنوع زبائنه بين أهل المنطقة وآخرين من بلدان العالم.
ويقول زكريا عزيزة (55 عاما) بينما ينظر إلى صور متجره قبل الحرب على هاتفه الجوال “كان الخان مليئا بالأقمشة والبضائع حتى أنه كان يصعب التنقل بين المحال بسبب زحمة البضائع والزبائن.. أما اليوم، فيصعب المشي بسبب الركام والقمامة”.
وفي ساحة الخان، أشجار توت وليمون يابسة وإلى جانبها بركة على الطراز التقليدي جف ماؤها، وتحيط بها من كل حدب وصوب خردة ونفايات وأغصان شجر وكراس مكسرة وآرائك متسخة. ومن على إحدى شرفات الطابق الثاني في الخان، يرمي شابان الركام والنفايات في ساحة صغيرة لتجميعها تمهيدا لنقلها. ورغم اعتقاده بأن الأمر بحاجة إلى عام على الأقل لتأهيل السوق يقول عزيزة “لا بدّ من البداية، وها قد بدأنا”.
وتعود أسواق المدينة الأثرية إلى نحو أربعة آلاف عام وتضم أكثر من أربعة آلاف محل و40 خانا من الضرر والاحتراق. وفي العام 2013، أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) على قائمة المواقع العالمية المعرضة للخطر.
البنك الدولي: 102 مليار دولار قيمة خسائر مدينة حلب السورية بسبب الحرب
وعند مدخل الخان، يتفقد محمد نور ميمي (60 عاما) متجره لبيع الآلات الموسيقية. وقال “لم نتمكن من الانتظار، قررنا تنظيف السوق والمحلات، سوف يأتي التجار حتى لو لشرب القهوة أو النرجيلة فقط، سواء عاد السوق إلى العمل أو لا”.
وبحسب دراسة أعدها البنك الدولي العام الماضي، فإن الخسائر التي منيت بها “عاصمة الشمال” التي تبلغ مساحتها 10 بالمئة من مساحة سوريا، بلغت نحو 40 بالمئة من إجمالي الخسائر التي تكبدتها الدولة المقدرة وفق للعديد من المؤسسات المالية الدولية بنحو 275 مليار دولار.
وتتراوح خسائر حلب من مجموع خسائر الناتج الإجمالي المحلي تصل إلى نحو 102 مليار دولار، كما ارتفعت مستويات الفقر لتصل إلى 85 بالمئة، وبلغت نسبة البطالة حوالي 60 بالمئة.
وكشف وزير السياحة السوري، بشر اليازجي، في وقت سابق هذا الشهر، أن بلاده تدرس إمكانية إدخال تسهيلات للمستثمرين من أجل المساعدة في إعادة إعمار حلب وخاصة المدينة القديمة التي أصابها خراب كبير.
وقال في مقابلة مع وكالة “سبوتنيك” الروسية “ندرس بشكل دقيق التسهيلات الواجب تقديمها لتحقيق الفائدة المتبادلة بين الدولة وبين المستثمر الذي يدرك خصوصية حلب وعوائد العمل فيها”.
وأضاف “إننا نقوم بالتوثيق والمسح والتقييم للمنشآت والمواقع الأثرية السياحية والتحضير لورشة عمل يشارك فيها جميع المعنيين تمهيدا لإطلاق برنامج ومخطط عمل تنفيذي لمدينة حلب القديمة”.
العرب اللندنية