واشنطن – سارع معظم العلماء الأميركيين في الأسابيع الماضية إلى حفظ نسخ آمنة لأبحاثهم، بسبب خشيتهم من اختفائها من خوادم الكومبيوتر العامة، بسبب إشارات الرفض والإنكار للأبحاث العلمية من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يصف على سبيل المثال، التغير المناخي بأنه “أسطورة صينية”.
وتسببت تعليقات ترامب منذ بدء حملته الانتخابية، وتصاعدت بعد تنصيبه في 20 يناير، في إشاعة الرعب بين العلماء والباحثين بشأن مستقبل حريتهم واستقلاليتهم.
ولا تنطلق تلك المخاوف من فراغ، حيث تترقب الأوساط العلمية أن تجرى تعديلات جوهرية على المناصب القيادية في كبرى المؤسسات العلمية والبحثية، خصوصا العاملة في مجال البيئة وبرامج الفضاء وصولا إلى الأبحاث الطبية المتعلقة بالخلايا الجذعية والفيروسات.
ويكتنف الغموض مستقبل جميع البرامج الكبرى لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) وما إذا كان سيكتب له الاستمرار في الفترة المقبلة، بعد أن اتسعت في عهد الرئيس باراك أوباما لتصل إلى مشاريع إقامة مستعمرات في الفضاء.
أما الآن فلم يعرف توجه الإدارة الجديدة، لكن المؤكد أن رحلات الفضاء التجارية، سوف تكتسب أهمية أكبر. لكن الشكوك بدأت تحاصر استمرارية مشروع إعادة توجيه المذنبات وغيرها من المشروعات التي محورها كوكب الأرض.
أما بشأن أسطول الأقمار الصناعية الأميركية، التابع للوكالات الحكومية مثل ناسا ووكالة الأرصاد الجوية، فقد أعلنت إدارة ترامب أنها بصدد تقليص ميزانياتها، وشككت بجدوى أبحاثها العلمية.
ميزانية وكالة الأرصاد الجوية البالغة 1.9 مليار دولار مهددة باستقطاعات كبيرة خلال العام الحالي
وتكتسب تلك الأقمار الصناعية أهمية كبيرة لدى الأوساط العلمية الأميركية والعالمية، لأنها تتعلق بمستقبل البيئة، إضافة إلى أبحاث الزراعة والنقل البحري وتوقعات الأرصاد والتحذير من الكوارث الطبيعية.
ويرحب المشككون في قضية التغير المناخي بوصول ترامب إلى البيت الأبيض، رغم دعوته إلى الحوار مع نشطاء بيئيين مثل نائب الرئيس الديمقراطي الأسبق، آل غور. وتشير التوقعات إلى أن وكالة الأرصاد الجوية ستتولى مسؤولية الأبحاث التي ظلت ناسا تقوم بها على مدار 8 سنوات في هذا المجال.
ومن المستبعد أن يتم تحويل إجمالي ميزانية 2017 التي كانت مخصصة لهذه المشروعات البحثية والبالغة 1.9 مليار دولار لوكالة الأرصاد بالكامل، إضافة إلى أنه بات في حكم المؤكد أن يقوم وزير الطاقة الجديد، ريك بيري باستقطاعات ضخمة من الموازنة السنوية المخصصة لأبحاث المناخ والبيئة.
وسوف تتأثر وكالة حماية البيئة، المعنية بالتدقيق الصارم في أمور تتعلق بحماية البيئة وضبط معايير الانبعاثات الضارة المتسببة في ظاهرة “الاحتباس الحراري” والتي سبق أن كشفت عن تلاعب شركة فولكس فاغن في الانبعاثات الصادرة عن سياراتها التي تعمل بالديزل.
ويتولى إدارة الوكالة حاليا، سكوت برويت، الذي سعى خلال فترة توليه منصب الناب العام لولاية أوكلاهوما للقضاء عليها، وهو يعتقد أن التغير المناخي لا علاقة له بقطاعي الغاز والبترول. ومن المتوقع بطبيعة الحال، تطبيق استقطاعات هائلة على ميزانية الوكالة خلال عهد ترامب. ويتسع تأثير سياسات ترامب حين يتعلق الأمر بالأبحاث الطبية المتعلقة بالخلايا الجذعية، في ظل سيطرة الجمهوريين على الكونغرس.
تراجع متوقع لدعم أبحاث المعهد الوطني للصحة، وخاصة المتعلقة بالخلايا الجذعية والسرطان
ومن المتوقع أن تتعثر أبحاث مهمة مثل الأجنة والخلايا الجذعية، حيث يسعى الكثير من النواب المسيحيين الإنجيليين في مجلسي الشيوخ والنواب للسيطرة على هذه الأبحاث والحد منها، لرفضهم إجراء أبحاث تستخدم فيها أنسجة أجنة حية.
كما سيتأثر المعهد الوطني للصحة، الذي يجري أبحاثا من أجل مقاومة عدة أمراض خطيرة من بينها السرطان. ومن المرجح أن يختفي الدعم الحكومي لمبادرة إنتاج مصل مضاد للسرطان يدعى “كانسر مونشوت 2020” التي أعلن عنها في عام 2015.
لكن المبادرة، التي تقوم على إنتاج مصل لتقوية جهاز المناعة عند مرضى السرطان، يمكن أن تجد تعويضا من دعم مؤسسة نائب الرئيس السابق، جو بايدن الخاصة، التي تحاول مواصلة تمويل المشروع.
وهناك أصوات تنتقد إجراء أبحاث حول التهديدات الشاملة التي تمثلها الكائنات الحية الدقيقة، مثل فيروس زيكا، رغم أن الخبراء يعتقدون أن مثل تلك الفيروسات تتسبب ضمن أضرار أخرى في تشوه نمو وصغر حجم رأس أجنة الأمهات المصابات بالفيروس.
وقد جاهر مايك ملفاني، أحد المسؤولين عن ملف الموازنة في إدارة ترامب، بإعلان شكوكه بتلك البحوث، متسائلا “هل نحتاج بالفعل إلى دعم حكومي لأبحاث في هذا المجال؟”.
ومن المتوقع أن ترحب وسائل إعلامية بهذا المناخ المعادي للعلم والعلماء، ومنها الموقع اليميني “بريتبارت نيوز” المملوك لستيفن بانون، أحد أهم المساعدين الاستراتيجيين لترامب.
وكان الموقع قد كتب مطلع الشتاء الحالي، ومع ميل درجات الحرارة للانخفاض “صمت ثلجي بين المحذرين من التغير المناخي”، في إشارة ساخرة من أنصار البيئة.
ويرى خبراء أن التراجع الكبير في درجات الحرارة خلال شهر نوفمبر بعد الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة على مدار أشهر الصيف الماضي، يرجع بالأساس إلى تأثير ظاهرة “لا نينيا” المناخية، إلا أن إدارة ترامب لها رأي آخر.
وكان الجانب الغربي من الكرة الأرضية قد عانى من تأثير ظاهرة مناخية أخرى نهاية التسعينات سميت بـ“النينيو” والتي صاحبتها موجات جفاف وارتفاع حاد في درجات الحرارة، مقابل موجات صقيع وسيول وأمطار وأعاصير وثلوج من ناحية أخرى.
العرب اللندنية