كان ذلك الوضع أفضل من أن يدوم. على مدى أسابيع بعد انتصار الرئيس ترامب الانتخابي المفاجئ، كان أنصار توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية يرحبون بقدوم فجر عصر جديد. ونشر البعض منهم ببساطة اقتراحات لضم أجزاء من الضفة الغربية. وبشر آخرون بنهاية حقبة حل الدولتين.
كما أكد الكثيرون أن الإدارة الجديدة سوف تكف عن انتقاد النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، على النحو الذي اعتادت عليه إدارة الرئيس باراك أوباما. وفي الكنيسيت، البرلمان الإسرائيلي، تم تقديم تشريعات بهدف إضفاء الشرعية على العشرات من البؤر الاستيطانية الأمامية التي بنيت بشكل غير قانوني على أراضٍ فلسطينية خاصة -في تعويض جزئي عن الإخلاء الذي أمرت به المحكمة لواحدة من هذه البؤر، عمونا.
وقد ناضل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لاحتواء حماس هذه الأصوات. وحث أصحابها على التخفيف من حدة الاحتفال، وأن يمنحوا الإدارة الجديدة الوقت لوضع سياساتها، وفوق كل شيء، إتاحة الفرصة له بالسفر إلى واشنطن لعقد أول اجتماع له مع الرئيس الجديد من دون تقويض قدرته على التوصل إلى تفاهم مشترك. وشعر بأن من شبه المؤكد أنه سيتوصل مع نظيره الجديد -إذا منح الوقت والفسحة- إلى ترتيبات يمكن أن يجدها معظم أنصار الاستيطان مرضية.
لكن شيئاً مضحكاً حدث على الطريق إلى تنصيب الرئيس الأميركي. فريق ترامب الذي كان راغباً في التحدث والانتقاد حول طيف عريض من قضايا السياسة الخارجية، ذهب في زمن النتائج المثيرة للحفيظة وغير المتوقعة إلى الاعتصام بالصمت بشكل ملحوظ حول القضايا المحيطة بالإسرائيليين والفلسطينيين. (أحد الاستثناءات الملحوظة كان دعوة الرئيس المنتخب إلى نقض قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334، الذي ينتقد المستوطنات الإسرائيلية، والذي امتنعت إدارة أوباما عن التصويت عليه، وسمحت له بالمرور).
في إسرائيل، شرعت المزيد من الأسئلة في الظهور عن نهج إدارة ترامب. هل سيعمد ريكس تيلرسون، وزير الخارجية القادم من صناعة الطاقة، والذي يحتفظ بعلاقات عميقة مع الحكومات العربية وبلا سجل حول إسرائيل، إلى المصادقة على سياسة تؤجل حل الدولتين وتضعه في الثلج؟ وماذا عن جيمس ماتيس، وزير الدفاع الذي عمل قائداً للقيادة المركزية الأميركية، والذي تحدث علناً عن الطريقة التي يؤثر بها الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني الملتهب على مكانة الولايات المتحدة في العالم العربي؟
كما طفت المزيد من مشاعر الدهشة أيضاً عندما قام الرئيس بتعيين صهره وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر، ليكون رجل الارتباط في العمل نحو تحقيق سلام في الشرق الأوسط، أو “الصفقة النهائية” كما وصفها ترامب. وأصبح الشك هو اليقين الوحيد، حتى بينما رحل ممثلو حركة المستوطنين الإسرائيلية إلى واشنطن للمشاركة في احتفالات التنصيب.
في أول أسبوعين لإدارة ترامب، كان لدى المتحدثين باسم البيت الأبيض القليل ليقولوه عن الشؤون الإسرائيلية-الفلسطينية. وعلى الرغم من ظهور خبرين عن الاستيطان، واللذين يتحدثان عن إقرار بناء ما يقرب مجموعها من 5.500 وحدة سكنية، لم تصدر الإدارة أي إدانات، ولا أي دعوات إلى ضبط النفس، وليس سوى بعض الإشارات الهادئة فقط إلى المحادثات المستقبلية بين ترامب ونتنياهو.
عندئذٍ، ساد افتراض معقول -أن نتنياهو، تحت ضغط من قادة الاستيطان عندما تم تنفيذ إخلاء عمونا الذي طال تأجيله في نهاية المطاف- قد منح الإذن بإصدار هذه الإعلانات التي ركزت على البناء في داخل الكتل الاستيطانية، بعد تنسيق مُسبق مع ترامب. ويمكن أن يفسر ذلك ردود فعل الإدارة المقتضبة.
ثم جاء يوم الخميس الماضي: بوم! ذكر صحفي “جيروساليم بوست” مايكل ويلنر، أن البيت الأبيض أراد من إسرائيل أن تتوقف عن إصدار إعلانات الاستيطان التي “من جانب واحد” والتي تقوم “بتقويض” جهود ترامب لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. وقال مسؤول رفيع في الإدارة للصحيفة إنها لم تتم استشارة البيت الأبيض في شأن الإعلانات الأخيرة عن البناء الاستيطاني.
ثم ذهب السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، شون سبيسر، إلى وصف رغبة الولايات المتحدة التي “لم تتغير”، في إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي حين أن وجود المستوطنات ربما لا يكون عقبة أمام السلام، كما قال، فإن “بناء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات القائمة إلى خارج حدودها الحالية ربما لا يساعد في تحقيق ذلك الهدف”.
ما الذي يقوله لنا هذا الفصل الصغير، في وقت مبكر جداً من عمل إدارة ترامب؟ إنه لا يقول لنا عما إذا كانت الإدارة ستعمل، أو كم هو صعب، أو بأي قدر من النجاح ستعمل من أجل الدفع بمحادثات سلام حول حل الدولتين، على الرغم من أنها تشير إلى أن البيت الأبيض يهتم بالمسألة. لكنه يخبرنا مع ذلك بأن المعارضة الأميركية المستمرة على مدى 50 عاماً للتوسع الاسيتطاني الإسرائيلي، كعامل سلبي في رحلة البحث عن السلام، هي مصلحة أميركية مفهومة على نطاق واسع، والتي لا تتغير وتنقلب بشكل كبير من إدارة إلى أخرى.
ولكن، انتظروا. في قاعة المرايا التي هي صنع السلام في الشرق الأوسط، ربما يكون قد تم تنسيق هذا التوبيخ الظاهري لإسرائيل مسبقاً مع نتنياهو بعد كل شيء. سوف يخبرنا الزمن عن ذلك، لكن هناك سبباً قوياً للاعتقاد بأن نتنياهو، بعد أن خسر الضغط القادم من أوباما كعذر لضبط الأعضاء الأكثر يمينية في ائتلافه، والذين يعرف أن أحلامهم بالضم سوف تكون ضارة بمصالح إسرائيل، إنما يحتاج في الحقيقة إلى الأمر نفسه من ترامب. وربما كان إعلان يوم الخميس هو بالضبط ما طلبه نتنياهو.
احتمال توقف إسرائيل عن أن تكون دولة يهودية وديمقراطية في الوقت نفسه، وخطر زعزعة الاستقرار الذي يمكن أن يهدد الأردن إذا ذهبت كل فرص إحلال السلام (لاحظوا أن العاهل الأردني التقى بترامب يوم الخميس)، والتعقيدات التي يرتبها توقف الجهود لتحقيق حل دولتين على علاقات الولايات المتحدة بالدول العربية -هذه كلها مجرد بعض الأسباب التي جعلت إدارة ترامب تعود في غضون أسبوعين فقط إلى المكان نفسه الذي كانت فيه الإدارات التي سبقتها حول القضايا الإسرائيلية-الفلسطينية.
هدف تحقيق حل دولتين متفاوض عليه لإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، والمعارضة للأعمال أحادية الجانب التي يمكن أن تعيقه، لم تكن مجرد عناوين مفضلة لدى إدارة أوباما. إنها متجذرة عميقاً في المصالح الأميركية التي شكلت السياسة الأميركية -والتي يبدو أنها ستستمر في تشكيلها. وفي هذه الحالة الأخيرة، ربما بتنسيق وثيق مع إسرائيل.
الرئيس ترامب، مرحباً بك في مسرح ألعاب سلام الشرق الأوسط المخيفة.
دانييل شابيرو
صحيفة الغد