صدر الأسبوع الماضي التقرير السنوي لشركة «بريتش بتروليوم»(بي بي) لهذه السنة عن منحى قطاع الطاقة خلال العقدين المقبلين. يشكل التقرير واحداً من المصادر البحثية الأساسية العالمية للطاقة، الى جانب تقارير «أوبك» ووكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأميركية ومنتدى الطاقة العالمي ومنظمة «أوابك». اذ يعتبر كل من هذه المصادر، في مجال تخصصه، من المراجع الأولية للبحوث في الموضوع.
يشير التقرير الى ان «المنحى الأكثر احتمالاً لأسواق الطاقة العالمية حتى عام 2035، هو توقع زيادة استهلاك الطاقة خلال هذه الفترة نحو 30 في المئة من خلال استعمال مجموعة من الوقود تحتوي تدريجاً على نسبة أقل من الكربون». ويعزى السبب الرئيس لزيادة استهلاك الطاقة خلال العقدين المقبلين الى النمو والرخاء في الدول الناشئة وإلى ازدياد عدد السكان. اذ تدل المؤشرات الاقتصادية الى ان معدل النمو سيرتفع نحو 3.4 في المئة سنوياً، بسبب ارتفاعه في الدول النامية، والتقدم العلمي والاهتمام المتزايد بشؤون البيئة. في الوقت ذاته، يتوقع ازدياد عدد سكان العالم خلال العقدين المقبلين نحو 1.5 بليون شخص ليبلغ نحو 8.8 بليون، وأن يرتفع مستوى معيشة نحو بليوني شخص من المستويات الفقيرة الى مستويات أعلى.
لكن يلاحظ التقرير، ان في حين سيتطلب الاقتصاد العالمي طاقة أكثر، سيكون نمو استهلاك الطاقة أقل من السابق، فيزداد نحو 1.3 في المئة سنوياً خلال 2015-2035 ، بدلاً من ارتفاع سنوي معدله 2.2 في المئة خلال الفترة 1995-2015. ويعزى السبب الى تضاعف الناتج العالمي خلال العقدين المقبلين، بينما يتوقع ازدياد الطلب على الطاقة نحو 30 في المئة حتى 2035.
ويشير التقرير الى ان معظم الزيادة في استهلاك الطاقة سيحصل في الدول الناشئة ذات الاقتصادات النامية، بخاصة الصين والهند اللذين سيستحوذان على نحو نصف الزيادة المتوقعة في استهلاك الطاقة، بينما لا يتوقع حصول زيادة تذكر في معدلات الاستهلاك للدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بخاصة أوروبا وأميركا الشمالية.
وبينما تتوقع «بي بي» استمرار تقلص الكربون في موارد الطاقة، مع ازدياد استعمال الطاقات المستدامة، اضافة الى الطاقة النووية والهيدروليكية، حيث ستمثل هذه البدائل نحو نصف الزيادة في موارد الطاقة، تستمر الموارد الهيدروكربونية في الهيمنة على الطاقة اذ يتوقع ان تشكل نحو 75 في المئة من موارد الطاقة بحلول 2035، مقارنة بنحو 85 في المئة في 2015. ويلفت التقرير في هذا الصدد، الى ان نحو ثلثي الزيادة في استهلاك الطاقة العالمية المستقبلية سيكون في توليد الكهرباء، وأن حصة قطاع الكهرباء من استهلاك الطاقة العالمي ستزداد من 42 في المئة حالياً الى 47 بحلول 2035.
اما في ما يتعلق بالإمدادات، فيشير التقرير الى ان ازدياد استهلاك الغاز سيكون أسرع من كل من النفط او الفحم، حيث يتوقع ازدياد استهلاك الغاز السنوي نحو 1.6 في المئة حتى 2035. كما يتوقع ازدياد انتاج الغاز الصخري 5.4 في المئة سنوياً ليشكل نحو ثلثي الزيادة المتوقعة في امدادات الغاز العالمية بحلول 2035. ومصدر هذه الزيادة في امدادات الغاز هي الولايات المتحدة حيث يتوقع ان يتضاعف انتاج الغاز الصخري. كما يتوقع ان تحتل الصين المركز الثاني عالمياً بحلول 2035.
وسيزداد اعتماد كل من أوروبا والصين على الغاز، وسيساعد في تنويع امدادات الغاز لكل منهما توسع صناعة الغاز المسال العالمية التي ستزود هاتين المنطقتين بالغاز من دول مصدرة عدة. وتنويع مصادر الغاز أمر حيوي وإستراتيجي للدول المستوردة، كي لا تصبح معتمدة على دولة رئيسة، كما هي الحال، مثلاً، في ضخامة صادرات الغاز الروسي الى أوروبا. والسبيل الى تفادي هذا الاعتماد هو تجنب الاستيراد عن طريق الأنابيب واستبدالها بقدر الإمكان باستيراد الغاز المسال الذي يوفر المرونة اللازمة لتنويع مصادر الاستيراد.
سينخفض استهلاك الفحم الحجري بصورة دراماتيكية خلال المرحلة المقبلة، بنحو 0.2 في المئة سنوياً بحلول 2035، مقارنة بـ2.7 في المئة حتى 2015. ويتوقع ان يزداد الاعتماد تدريجاً خلال العقدين المقبلين في توليد الكهرباء على الطاقة النووية (2.3 في المئة سنوياً) والهيدروليكية (1.8). وبهذا سيحافظ كل من الذرة والطاقة المائية على حصتهما في توليد الكهرباء. ويذكر ان الصين ستنتج نحو ثلاثة ارباع الطاقة النووية الجديدة المزمع انتاجها عالمياً خلال العقدين المقبلين، اذ يتوقع ان تشيد مفاعلاً جديداً كل ثلاثة اشهر حتى 2035.
يشير التقرير الى ان المصادر المستدامة ستشكل أعلى نسبة من الوقود الذي سيستخدم في توليد الكهرباء، وتقدر حتى 2035 بـ 7.6 في المئة سنوياً. ما يعني أن حصة الوقود المستدام ستشكل نحو 40 في المئة من الطاقة التي ستسخدم في توليد الكهرباء. ومن الملاحظ وفق تقرير «بي بي»، ان دول الاتحاد الأوروبي ستستمر في طليعة الدول في استخدام الوقود المستدام في توليد الكهرباء حتى 2035. لكن سنجد ان الصين ستكون في الطليعة، اذ يمتوقع ان تزيد استخدامها لها اكثر من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة معاً.
وفي ما يتعلق بالنفط، يشير التقرير الى توافر احتياطات نفطية بضعف ما يحتاجه العالم، ما سيؤدي الى منافسة سعرية قوية على المدى الطويل تخفض الأسعار دون 100 دولار للبرميل. اذ يشير التقرير على الصعيد العالمي، الى اكتشاف نحو 2.5 بليون برميل نفط اضافي قابل للاستخراج. وعلى رغم احتمال زيادة الطلب، هناك مؤشرات إلى تباطؤ نسبة الزيادة بسبب ترشيد الاستهلاك والاتجاه نحو طاقة خضراء اكثر. وهذا يعني ان احتياطات النفط أكثر من كافية لتلبية الطلب حتى النصف الثاني من هذا القرن.
وفي ظل هذا الاحتياط الضخم على المدى الطويل، وتباطؤ نسبة الطلب المتوقع، من المحتمل ان تبادر دول «أوبك» وروسيا ذات الأكلاف المنخفضة للإنتاج ومنتجو النفط الصخري الأميركي، الى تغيير سياساتهم لإنتاج نفوط أكثر.
وليد خدوري
صحيفة الحياة اللندنية