بغداد – خرج الآلاف من أتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر إلى شوارع بغداد السبت في استجابة لطلبه بالضغط من أجل إجراء تغييرات في المفوضية العليا للانتخابات وقانون الانتخابات.
وتجمع الآلاف في الميدان للمطالبة بتعديل اللجنة المشرفة على الانتخابات قبيل إجراء انتخابات محلية في سبتمبر المقبل.
وأطلقت شرطة مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع عندما حاول المحتجون التحرك باتجاه المنطقة الخضراء التي تضم أيضا منظمات دولية.
واقتحم أنصار الصدر المنطقة في العام الماضي بعد اشتباكات عنيفة مع قوات الأمن.
ويشك الصدر في أن أعضاء اللجنة الانتخابية موالون لغريمه الشيعي رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أحد أقرب حلفاء إيران في العراق.
وناشد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي المحتجين بالحفاظ على السلمية والالتزام بالقانون.
ويجاهر الصدر بمعاداته للوجود الأميركي والسياسات الأميركية في الشرق الأوسط وفي الوقت نفسه يشوب التوتر علاقته مع الجماعات السياسية العراقية الموالية لإيران.
وحمل المتظاهرون، لافتات كتب عليها “مفوضية أوصلت غير الأكفاء للحكم لا بد من تغييرها”، “المفوضية التي جاءت بها الأحزاب لا بد من تغييرها”، “تغيير مفوضية الانتخابات مطلب شعبي عراقي”.
وهتف المحتجون ضد “الفساد والفاسدين” في الحكومة والبرلمان، وطالبوا بمحاكمتهم. وأغلقت قوات الأمن، الجسور المؤدية إلى المنطقة الخضراء التي تبعد عن الساحة بأقل من كيلومتر، وفرضت إجراءات مشددة في محيطة المنطقة التي تضم مقار الحكومة والبرلمان، تحسباً من تكرار عملية اقتحامها كما حصل في صيف العام الماضي.
وقال الشيخ محمد الكعبي ممثل الصدر في كلمة له خلال المظاهرة إن “الخطوة القادمة ستكون مفتوحة أمام الشعب العراقي، أو أن يتم تغيير مفوضية الانتخابات بشخوصها وقانونها”. وأضاف “ننتظر الخطوات التصعيدية القادمة (دون أن يكشف عن تفاصيلها)”.
ومع تصاعد الاحتجاجات اندلعت مواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين ما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص وجرح عشرات آخرين.
وأعمال العنف هذه هي الأكثر دموية التي تندلع أثناء تظاهرة منذ بدأت في 2015 موجة التظاهرات التي طالب خلالها المحتجون بتحسين الخدمات واتهموا السياسيين العراقيين بالفساد والمحسوبية.
وقال عقيد في الشرطة إن سبعة أشخاص قتلوا “جراء أعمال العنف. اثنان منهم من منتسبي قوات الأمن والخمسة الباقون من المتظاهرين”.
وأضاف أن أكثر من 200 شخص أصيبوا معظمهم من المتظاهرين الذين تنشقوا الغاز المسيل للدموع، إلا أن 11 آخرين على الأقل أصيبوا بجروح أكثر خطورة تسببت بها العيارات المطاطية وعبوات الغاز المسيل للدموع.
نقل الصراع على الانتخابات بشكل مبكر جدا إلى الشارع يؤشر على صراع شرس قادم على السلطة بين الأحزاب الشيعية القائدة للعملية السياسية في العراق، مرتبط بعملية ترتيب أوضاع البلاد في مرحلة ما بعد داعش
وإثر سقوط ضحايا، أمر رئيس الوزراء العبادي بإجراء تحقيق كامل في الإصابات التي حصلت في الأجهزة الأمنية والمتظاهرين وملاحقة المسؤولين عن ذلك.
وقالت قيادة عمليات بغداد في بيان “تم العثور على أسلحة نارية وسكاكين لدى بعض المتظاهرين ما يدل على وجود نوايا مبيتة لدى البعض خلافا للقانون ولحق التظاهر السلمي”.
وأكدت القيادة أن “القوات الأمنية ستقوم بواجبها في حفظ الأمن والنظام وحماية المواطنين والأموال العامة والخاصة”. ودعت المواطنين إلى “الالتزام بالنظام والقانون والحذر من المُندسين والمشبوهين”.
ويقول الصدر إن مفوضية الانتخابات “غير جديرة بإجراء انتخابات نزيهة في البلاد على اعتبار أن مسؤوليها تم ترشيحهم من قبل الأحزاب الحاكمة مما يجعلهم يميلون إلى أحزابهم”.
ورفضت المفوضية الاتهامات الموجهة إليها، وقالت في بيان لها إن تحميلها الأخطاء التي شهدها العراق خلال الفترة الماضية “غير صحيح”، واعتبرت تحشيد الشارع تجاهها “يعرضها للخطر”.
ودعا رئيس المفوضية سربست مصطفى، المحتجين من أنصار التيار الصدري، إلى رفع دعاوى قضائية للطعن على نتائج الانتخابات التي سبق أن أشرف عليها مجلس المفوضية الحالي”.
وقال مصطفى إن “اللجوء إلى الشارع واستنفار الجماهير بهذه الصورة من قبل أتباع التيار الصدري تظهر كأن المفوضية هي سبب مشاكل العراق وهو أمر يثير الاستفهام والاستغراب”.
وأضاف متسائلاً، “لماذا هذه الحشود في هذا التوقيت بالذات، هل هو بسبب تحديد الحكومة العراقية 16 سبتمبر المقبل كموعد لانتخابات مجالس المحافظات، المفوضية لن تكون أبدًا طرفًا في أيّ صراع سياسي قائم”.
وتابع متسائلاً “أم أن استنفار الشارع العراقي، هو نتيجة توجه المفوضية نحو استحداث أساليب وإجراءات تنهي التصويت المتكرر وتحد من تشويه إرادة الناخب كما حدث في الانتخابات الماضية؟”.
ولم ينقطع الصدريون خلال الأشهر الماضية عن المطالبة بتغيير القانون وتركيبة المفوضية، دون أن ينجحوا في فرض التغيير المنشود عبر “الوسائل الدستورية” نظرا لافتقارهم إلى النفوذ الكافي داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية في ظل هيمنة تيارات أخرى على رأسها شخصيات نافذة مثل المالكي الذي يعتبر الخصم الأبرز للصدر.
وبات الشارع يمثّل أفضل وسيلة لدى الصدر لمقارعة خصومه السياسيين، بعد أن أظهر خلال التظاهرات والاعتصامات التي شهدتها البلاد على مدار السنتين الماضيتين.
وبلغت ذروتها في ربيع العام الماضي باقتحام المتظاهرين المنطقة الخضراء والوصول إلى مبنى البرلمان، قدرة على توظيف الغضب الشعبي العارم من سوء الأوضاع واستشراء الفساد، كما أظهر براعة في التحكّم بالحراك الاحتجاجي وتوجيهه.
وبحسب متابعين للشأن العراقي، فإنّ نقل الصراع على الانتخابات بشكل مبكّر جدّا إلى الشارع، يؤشّر على صراع شرس قادم على السلطة بين الأحزاب الشيعية القائدة للعملية السياسية في العراق، مرتبط بعملية ترتيب أوضاع البلاد في مرحلة ما بعد تنظيم داعش التي ستبدأ قريبا بعد حسم معركة الموصل الجارية حاليا.
ونظرا لكبر حجم الرهان المتمثّل بانتزاع دور أكبر في قيادة البلد، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلاّ بتحجيم نفوذ الممسكين بالسلطة منذ سنة 2003، يبدو الصدر مستعدّا لدفع المعركة بالشارع إلى أقصى مدى لها.
ولا يبدو الحراك الصدري بالشارع عديم التأثير في المشهد السياسي العراقي، حيث ساعدت الاحتجاجات رئيس الوزراء العبادي على امتلاك قدر من القوّة بمواجهة رفيقه في حزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي، الذي كان مصدر الضغط الأساسي عليه منذ تسلمه رئاسة الوزراء.
العرب اللندنية