محللون اقتصاديون وسياسيون، يؤكدون تجاوز حجم ديون العراق المتراكمة 100 مليار دولار، في ظل كثير من المشكلات التي يعانيها الاقتصاد العراقي، ومقدار الدين العام المترتب على البلاد هذه جاء نتيجة انهيار أسعار النفط، وتكاليف الحرب التي يخوضها ضد تنظيم داعش .
كما يؤكدون أن عملية انهاء ملف ديون العراق الخارجية وتسويتها مهم جدا ، لا نه سينعكس إيجابا على اقتصاد البلد ويشجع الشركات الأجنبية على الاستثمار داخل البلد وتطوير القطاع المصرفي.
ودعا “معهد التقدم للسياسات الانمائية”، في ندوة عقدها في بغداد الحكومة للكشف عن تفاصيل الديون الداخلية والخارجية ، المترتبة بذمة العراق سواء تلك التي تعود للنظام السابق، او التي اقترضتها الحكومات بعد عام 2003 ، وبيان مجالات انفاقها، ومدى تحقيقها لا هداف استدانتها .
النائب السابق مهدي الحافظ الذي ادار الندوة لفت إلى ان قروض البنك الدولي، وبنك التنمية الاسلامي، والاتحاد الاوروبي، واليابان، اضافة إلى الديون التقليدية لبعض دول الخليج تقف شاخصة في التعاملات المالية الخارجية للعراق.
واشار الى هناك حالة سوء فهم بين الاوساط المختلفة في البلد بشأن القرض الدولي الذي سيمنح له، بين مؤيد ومعارض، داعيا الى توضيح بعض الامور المتعلقة بهذا الملف، وهل القروض ذات اهمية للعراق ، ام يمكنه التخلي عنها، والاعتماد على الموارد المحلية الضعيفة باستثناء عائدات النفط التي تشغل الحيز الاكبر في تغطياته المالية.
واوضح الحافظ ان الظرف العام للبلد سيئ وصعب، وغير طبيعي، وينبغي معالجة ازماته السياسية والمالية، من خلال ادارة سليمة ومراجعة حقيقية للإدارة السياسية والمالية، مشيرا الى ان العراق في وضعه الحالي غير قادر على ان يقرر اي شيء بسبب أزمة نظامه السياسي العاجز عن تحديد مصلحة البلد وفق المعايير الموضوعية، وهذه مشكلة كبيرة، بحسب الحافظ .
وتشير تقارير المفتش العام الاميركي لشؤون اعادة الاعمار الى فقدان (6.6) مليار دولار منذ التغيير في العراق 2003، وقيام سلطة الائتلاف الاجنبية، واكد الحافظ ، مجهولية صرف (6.6) مليار دولار من اموال «صندوق تنمية العراق»؛ مما يؤكد ان معايير السيطرة الملائمة على اموال هذا الصندوق عرضة للتلاعب والهدر وسوء الاستعمال .
واكد الحافظ ً ان “المجلس الدولي للمشورة والرقابة” قدم الكثير من الاسئلة حول عدم كفاءة الاداء المالي آنذاك.
وبين الحافظ ان الديون هي قضية مالية مألوفة لدى الكثير من الدول، وربما تتطابق في اهميتها مع الحاجات الوطنية لكل دولة ، وشدد على ان العراق ملتزم بإعادة تنظيم علاقاته مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بموجب قرار مجلس الامن 1483، لسنة 2003 والسعي لتسوية الديون مع نادي باريس .
واضاف ان العراق اليوم امام خيارين اساسيين الاول يتعلق باستمرار الرغبة بالحصول على دعم مالي خارجي، بفعل الاتفاق الذي جرى في نادي باريس عام 2004 ، والزام العراق ببعض الديون الخارجية وفوائدها ، والاخر هو البحث عن اموال العراق واستعادتها استجابة للمصالح الوطنية .
واوضح المستشار المالي لرئيس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح مستعرضا تفاصيل مهمة، اذ كشف عن قيمة الديون على العراق فكانت كالتالي:
الديون الخارجية :
*ديون سنة 2004 تم شطب 100 مليار دولار.
*ديون سيادية ( مستحقة ) لـ 65 دولة، 19 منها ضمن نادي باريس، 46خارج النادي .
*ديون تجارية تبلغ 19 مليار دولار، وتتضمن
– ديون صغيرة تبلغ 35 مليون ، تم تسديد 4 مليار دولار، من اصل دين 19 مليار دولار .
– ديون كبيرة خفضت بنسبة 80 % ، وتمت جدولة الباقي على 18 سنة،
تسدد بأقساط نصف سنوية، وصدر اول سند عراقي بقيمة 2.7% من الديون الكبيرة، وبذلك انخفض الدين من 19 مليار دولار، الى 5 مليارات دولار.
*ديون دول الخليج : اعتبرها صالح تشكل مشكلة رغم انها بدون فائدة،
*ديون روسيا تم معالجتها ضمن نادي باريس، فقد خفضت الى 100% وهذا مفيد للعراق .
الديون الداخلية : وتمثل 45% من قيمة الدين العام، وقد ساهم البنك المركزي بتوفير هذه الديون بعد خصم الحوالات لعدم توفر الامكانية لدى المصارف الاخرى، ولولا هذه السياسة ربما تعرض الوضع الاقتصادي العراقي الى مشاكل كبيرة امام دفع الرواتب والاجور من احتياطي البنك المركزي ، ولهذا السبب انخفض احتياطي للبلد بحسب صالح .
وتنقسم الديون الداخلية الى صنفين:
*الاول يتحمله المصارف وتتعهد وزارة المالية بسداده، مثل رواتب الشركات.
*الثاني تعود الى النظام السابق، و( تتعلق بطبع العملة ).
وكشف صالح ان الديون الحقيقية تبلغ 17 مليار + فائدة 6% + 41 دين الخليج +46 الدين الداخلي .
بهذا يصبح اجمالي الديون العراقية تقريبا 110 مليار دولار
و كشف عن ان علاقة العراق مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بدأت عام 2004، ولا نستطيع تجاهل الاسباب التي ادت الى تدهور الاوضاع في البلاد بسبب السياسة المحلية التي اوصلتنا الى هذا الحال، مشددا على انه اذا اردنا ان نتخذ قرارات صحيحة ينبغي قيام ادارة سليمة وفقا لمعايير الحوكمة التي تدار من خلال مؤسسات ديمقراطية في البلاد.
نادي باريس: هو مجموعة غير رسمية ل20 دولة مكونة من مسؤولين ماليين ممولين ، وتعد اقتصاديات تلك الدول من أكبر الاقتصادات في العالم، وهي مجموعة تقدم خدمات مالية مثل إعادة جدولة الديون للدول المدينة .
قروض جديدة :
• اتفاقية مابعد الصراع سيحصل العراق بموجبها على قرض بقيمة 700 مليون دولار لا قرار الاتفاقية، لكن العراق لم يستلم هذا القرض، الى ان يتم تصنيفه ضمن الدول الخارجة من الصراع لكي يسهم المجتمع الدولي في شطب الديون بنسبة 90% ولكن بعد ارتفاع اسعار النفط دعا صندوق النقد العراق إلى اعادة جدولة ديونه , تبعا لمدى امكانية العراق تحمل الدين وتسديده فتم تعديل حالة التحمل والسداد من 10 إلى 20% بعد تحسن اسعار النفط .
• الديون لسنة 2017 والتي سيحصل عليها العراق من صندوق النقد الدولي الذي تعهد ب5.3 مليار دولار، وحصل العراق على 1.250 مليار دولار وتعهد البنك الدولي ب3 مليارات دولار حصل العراق منها على مليار دولار اضافة إلى ملياريدولار، جاءت مساعدات ، وهناك سند سيادي بقيمة ملياري دولار ، ليتمكن العراق من دخول الاسواق المالية منها مليار دولار بضمانة حكومة الولايات المتحدة الاميركية بفائدة 2.4% .
• وهناك سند اخر بمليار دولار وخلال هذه السنة سيحصل العراق على 1.250 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، ومليار آخر من البنك الدولي وهناك مليار آخر سيحصل عليه من مصادر (المانيا، و ايطاليا) بموجب تعهدات الدول الصناعية السبعة التي تعهدت بنحو 4مليارات دولار ، وان جميع هذه القروض ميسرة على حد قوله، وليس فيها أي اجحاف بحق العراق يتم تسديدها على مدى 18 سنة، منها 5 سنوات سماح بفائدة بسيطة.
وحذر صالح من التعامل مع ملف الديون لكي لا تصل البلاد إلى مرحلة انفلات مبينا ان الدين سيخضع لمدقق خارجي على وفق المعايير الدولية، لبيان وضع الديون بنحو دقيق وتفصيلي، وسيصدر التقرير خلال الفترة القادمة .
وشدد على اعادة النظر باتفاقية «نادي باريس» قبل حلول عام 2020 موعد البدء بالتسديد مما قد يعرض البلاد إلى ازمة عام 2022 وهذا التحرك يكون عبر القنوات الدبلوماسية، ويشمل الديون الاجمالية للعراق، واعادة التفاوض مع جيع الدول التي لديها ديون تعود للنظام السابق .
رئيس ديوان الرقابة المالية الدكتور صلاح نوري تناول الندوة ذاتها جانباً آخر من ملف الديون العراقية، مبيناً ان القروض تنقسم إلى صنفين :
• الصنف الاول لأغراض تمويل العجز في الموازنة العامة للدولة والتي تجري بشأنها الان مفاوضات مع صندوق النقد والبنك الدوليين لتأمين التزامات الوزارات والمحافظات ومنها دفع مستحقات المقاولين، موضحاً ان هذه المستحقات لايمكن دفعها قبل مصادقة ديوان الرقابة المالية، وتم قطع شوط جيد في هذا المجال اضافة إلى ما تم انجازه فيما يتعلق بمستحقات المزارعين التي وصلت نسبة الانجاز فيها إلى 80% ، وهناك 729 مليار دينار جاهزة للتسديد من مستحقات المقاولين البالغة 4.8 ترليون دينار، مبيناً ان «الديوان» يسعى إلى تسديد تلك المستحقات بحسب الانتهاء من تدقيق كل دفعة .
• الصنف الثاني وهو الدين التنموي الذي يخصص لتمويل المشاريع التنموية في مجالات الصحة والنفط والماء والمجاري وغيرها من المشاريع الطارئة، وهي مشاريع مهمة جداً؛ لأنها توفر الخدمات للمواطنين، وتنبغي متابعتها من قبل الجهات المعنية لضمان تطابق هذه القروض مع الاهداف التي جاءت من اجلها .
واشار نوري الى انه في عام 2012 تم انشاء صندوق يرتبط برئاسة الوزراء ويرأسه وكيل وزارة المالية، مهمته متابعة والبحث عن اموال العراق غير المعروفة او غير الموثقة ولكن هذا الصندوق لم يتمكن من اداء مهمته التي انشئ من اجلها .
وكشف عن تقديم احدى الشركات الاميركية عرضاً لمتابعة 3.5 مليار دولار من اموال العراق المفقودة ومنها اموال موجودة في بيروت مقابل عمولة وتم توقيع اتفاقية مع هذه الشركة ولكنها الغت الاتفاقية بعد وقت قصير من بدء العمل بعد ان تم نشر اسماء العاملين في الصحف، وبالتالي فهم سيتعرضون لخطر التصفية لان رئيس الشركة هو ذاته مسؤول اميركي سابق .
اما الخبير المصرفي سمير النصيري، فاكد ان ذهاب الحكومة إلى الاقتراض هو سوء ادارة للمال العام وقصور في ادارة الاقتصاد والسياسات الخاطئة ،وعدم الاستفادة من الوفرة المالية، داعيا لكشف تفاصيل ملف الديون في اطار من الشفافية وحق الشعب في مساءلة الحكومة .
وحث النصيري النخبة الاقتصادية على مساءلة الحكومة عن الميزانية واليات احتساب سعر برميل النفط بعد ارتفاعه إلى 55 دولارا وبالتالي سيكون لدينا فرق يفترض ان يسدد عجز الموازنة، واستغناء البلد عن الاقتراض مع وجوب اطلاع الشعب على هذه التفاصيل.
الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله البندر اشار إلى قروض البنك الدولي برغم انخفاض فائدتها، لكنها واجبة السداد حسب التوقيت المحدد، ولا تقبل التسويات والمشكلة الاساسية هي غياب التنسيق بين السياستين النقدية والمالية خلال المدة 2004 -2016 فيما يتعلق بالديون .
وقال ر ان المتابعة للمنح الدولية لم تكن واضحة وكذلك ارصدة المسؤولين العراقيين في الخارج هي الاخرى غير واضحة، مشيراً إلى تدقيق العقود الخاصة بالمقاولين، الذي كان ينبغي ان يجري سلفاً لالزام الحكومة بدفع مستحقاتهم من دون الحاجة للتدقيق الان.
ولفت البندر إلى وجود تناقض بين التزامات العراق مع صندوق النقد الدولي المتضمنة ايقاف التعيين بنحو مطلق .
الخبير المالي الدكتور عبيد محل حذر من خطورة الاعتماد على النفط في تسديد القرض، خوفا من تعرضه لأي مشكلة، ومشاكله كثيرة ، داعيا إلى ان يتم توجيه القروض لمشاريع ذات مردود يمكن من خلالها تسديد الفوائد المترتبة على القروض .
وقال ان القروض لا تعالج “محاسبياً ” بل “احصائياً ” من قبل وزارة المالية، فاذا تمت سرقة السجل، فستختفي جميع الديون ، مؤكدا ان” صندوق متابعة اموال العراق في الخارج” ولد ميتاً، لانه مرتبط برئيس الوزراء ويرأسه وكيل وزارة المالية الغارق في مشكلاته، فضلا عن العاملين فيه فهم ممثلون لجهات حكومية، ولا يجتمعون الا مرة في الشهر او حتى شهرين في حين تحتاج متابعة الديون إلى مؤسسة تعمل يوميا، وهذا يكشف عدم الجدية في متابعة واسترداد اموال العراق في الخارج، وقد مرت سنوات ولم يتحقق أي شيء يذكر .
اما الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان فدعا الى ايجاد جهاز اداري متخصص وكفوء لا دارة ملف الديون، في بلد غارق بديون غير انتاجية ولا يوجد اصلاح في قطاعات الصناعة والزراعة .
وشدد الدبلوماسي غالب العنبكي على تفعيل وزارة الخارجية الجانب الدبلوماسي، بشقيه السياسي والاقتصادي لمتابعة ملف ديون العراق الخارجية ، مبيناً ان هذا الملف غير متابع من قبل وزارة الخارجية وهذا يمثل خللا واضحاً ولابأس من الاستفادة من المعلومات المتوفرة لدى بعض الاشخاص الاجانب فيما يتعلق بالأموال العراقية في الخارج مقابل مبالغ مالية.
اما الخبير عزام بديع بكر من هيئة الاوراق المالية ، فيرى انه يجب بإعادة تجربة الخمسينيات اذ تم انشاء مجلس الاعمار وما نتج عنه من مشاريع مهمة في الزراعة والري والصناعة وغيرها.
و بين ان المورد الاساسي للاقتصاد العراقي هو النفط، في ظل تراجع مساهمة القطاعات الاخرى، وان ما تتضمنه الموازنة الاستثمارية عبارة عن اعمال صيانة وليست مشاريع اقتصادية، وان هناك هدرا كبيرا للأموال في الرئاسات الثلاث والقضاء ومجالس المحافظات، داعياً إلى مراجعة صرف الديون واين ذهبت لان الاجيال المقبلة هي التي تتحمل اوزار هذه الديون ان لم يتم توجيهها نحو التنمية الحقيقية .
اما الخبير النفطي حمزة الجواهري فدعا لوضع الية لصرف مستحقات المقاولين من خلال صرف نسبة تصل إلى 70% فيما يكون المتبقي مرهوناً بإكمال التدقيق بصيغته النهائية ، مضيفاً ان الفرق بين اسعار النفط في السوق العالمية وبيع النفط العراق، تصل إلى نحو 7 دولارات ويجب ان يذهب جزء من فرق السعر إلى تسديد العجز في الموازنـة.
وتأتي هذه الديون، نتيجة قلة إيرادات الدولة المالية وعدم وجود قطاعات إنتاجية بديلة عن النفط يمكن الاعتماد عليها بالرغم من وجود المقومات الاقتصادية التي بالإمكان الاستفادة منها في تعظيم موارد الدولة المالية.
من خلال الدراسات والبحوث السابقة تبين أن هناك ازمة مديونية بشكل حاد، وستزداد اذا قد اتجهت الأموال المقترضة فيها لتمويل الاستهلاك والاستثمارات غير المنتجة.
ويجب على العراق حل مشكلة الديون الخارجية او التخفيف من وطأتها, لخلق نوع من التوازن والاستقرار الاقتصادي، ومن الضروري صياغة سياسات جديدة تؤسس لمناخ ملائم لتنمية اقتصادية للبلد كي يتصدى للانعكاسات السلبية لهذه الديون من فقر وتهميش وتبعية وارتهان للمؤسسات المالية الدولية، وبخاصة صندوق النقد الدولي الذي صنف العراق بأنه دولة هشة بسبب النزاعات الإقليمية؛ مما أدى إلى تراجع في إجمالي الناتج المحلي وارتفاع نسبة التضخم، داعيا العراق للتأقلم مع أسعار النفط المنخفضة.
شذى خليل
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية