تسهم الحرية الاقتصادية في النمو الاقتصادي بما توفره من تعزيز للتنافس بين الأطراف الفاعلة، مما يؤدي إلى زيادة الابتكار، والفاعلية، والإنتاجية، وزيادة الاستثمارات.
وتعمل سيادة القانون على حمايةً حقوق الملكية، والحقوق التعاقدية، مما يوفر حماية للحرية الاقتصادية، والنمو الاقتصادي .
وتعرف الحرية الاقتصادية بأنها حرية إنتاج السلع والخدمات واستهلاكها، والمتاجرة بها من دون استخدام القوة، والاحتيال والسرقة.
ويعززها لدى المؤسسات، حكم القانون، واحترام حقوق الملكية الخاصة وحرية التعاقد، والمقصود بحكم القانون أن تحكم الدولة بالقانون وتحتكم إليه، في ضوء قيم اجتماعية واقتصادية مشتركة واسعة، ومعايير أخلاقية تحكمها حركة المجتمع الدينامية”، وهي:” نظام من السلوكيات والعمليات النفسية التي تحدث داخل مجموعة اجتماعية”، اضافة الى شمولية القانون والمساواة في الوضعية والفرص المتاحة من دون التدخل في الجانب المادي، لكونه سيحد من الحرية الاقتصادية ذاتها.
وتتمثل حقوق الملكية بحق السيطرة على الملكية والاستفادة منها، وحق تحويل الحقوق بوسائل طوعية تحقق للناس الاستقلال الذاتي وفق معاييرهم وأهدافهم، من دون اللجوء الى القوة أو الاحتيال أو السرقة.
أما حرية التعاقد فتكمن في حرية الناس في عقودهم وفق قواعد قانونية تتلاءم مع ظروفهم الخاصة، في إطار الدستور وأن يتوافر للمتعاقدين حرية الاحتكام للقضاء.
وجاء تعريف الرقم القياسي للحرية الاقتصادية جامعاً للشروط الأساسية لها، ويعكس درجتها التي يتوافر عندها الحق المطلق في التملّك، وانتقال العمل ورأس المال والسلع، بشكل لا يتعرض للحدود اللازمة لحماية المواطنين، وضمان استدامة الحرية نفسها»،ويحتوي المؤشر على ست مستويات
وفي عام 2017 أظهرت إحصاءات مؤشر الحرية الاقتصادية، تقريرا لمعهد “هيرتاج فاونديشن” الأمريكي، خروج العراق وأربع دول عربية وليبيا والصومال وسوريا واليمن وضمت ايضا ليختنشتاين، من التصنيف الدولي ، فيما ارتقت الامارات التي حافظت على موقعها الأول عربية لتكون ثامن دولة عالميا في التسلسل.
وأشارت الإحصاءات المنشورة على موقع المعهد الإلكتروني الذي أنشأته مؤسسة التراث وصحيفة وال ستريت جورنال ان الإمارات احتلت المركز الاول عربيا، والثامنة عالميا ، اذا صعدت 17 مرتبة دفعة واحدة ضمن المؤشر، فيما جاءت قطر في المرتبة الثانية عربيا و29 عالميا.
واحتلت البحرين المرتبة الثالثة عربيا، و44 عالميا، ثم الأردن في المرتبة الرابعة عربياً و53 عالميا، والكويت في المرتبة الخامسة عربياً و61 عالمياً، والسعودية السادسة عربياً و64 عالمياً، وفق الإحصاءات.
وحازت سلطنة عمان المرتبة السابعة عربياً و 82 عالمياً، وتلتها المغرب في المرتبة 86 عالمياً، ثم تونس 123 عالمياً، ولبنان 137، وجاءت مصر في المرتبة 144 عالمياً، فيما تبوأت السودان المرتبة 164 والجزائر 172 عالمياً.
ووفق إحصاءات المعهد الأمريكي ذاته ، جاءت هونج كونج في المرتبة الأولي عالمياً في مؤشر الحرية الاقتصادية للعام الحالي، تلتها سنغافورة ونيوزيلاند، وسويسرا وأستراليا، بالترتيب، فما جاءت المملكة المتحدة في المرتبة 12، ولوكسمبورج 14، والولايات المتحدة 17، وألمانيا 26.
ويتكون المؤشر الذي يصدره معهد هيرتيج فاونديش (مقره واشنطن) من 4 مقاييس رئيسة وفرعية :
• المقياس الاول: سيادة القانون، ومعاييرها: مدى احترام حقوق الملكية الخاصة، والتحرر من الفساد.
• المقياس الثاني: الحرية المالية، ويتكون من: الحرية المالية للدولة، وحجم الإنفاق الحكومي.
• المقياس الثالث: الكفاءة التنظيمية، ويتفرع إلى: حرية ممارسة الأعمال، وحرية العمل، والحرية النقدية.
• المقياس الرابع: يتضمن انفتاح الأسواق، ويتفرع إلى: حرية التجارة، وحرية الاستثمار، وحرية نشاط التمويل.
يضم الرقم القياسي للحرية الاقتصادية عشرة بنود، وهي: الحرية الاقتصادية، وحرية الأعمال، والحرية التجارية، والحرية المالية، الحرية من التدخلات الحكومية، والحرية النقدية، والحرية الاستثمارية، الحرية المصرفية، الحرية الفكرية، والخلو من الفساد، وحرية العمالة.
ويعتقد بعض الاقتصاديين أن مكونات الرقم القياسي غير كافية لتأشير حسن أداء اقتصاد ما، وأن الاقتراب من أعلى درجات الحرية (100%) لا يعني بالضرورة أن السياسات والبيئة الاقتصادية لبلد ما، هي الأكثر ملاءمة والمحفزة للحرية الاقتصادية، واشارت بعض الدراسات التطبيقية القياسية الى ان عدم وجود ارتباط قوي بين الرقم القياسي وبين الأداء الفعلي للاقتصاد الوطني، اذ تصدرت هذا العام الدول العشر الآتية الحرية الاقتصادية في العالم: هونغ كونغ، سنغافورة، إيرلندة، أستراليا، الولايات المتحدة الأميركية، نيوزيلندا، كندا، شيلي، سويسرا، بريطانيا. بينما الصين سجلت رقماً منخفضاً في حين اقتصادها يشهد نموا قويا ومتسارعا.
وأثبتت التجارب الإنسانية وجود علاقة وثيقة بين الحرية السياسية والاقتصادية، كما أثبتت أن الأداء الاقتصادي الناجح وضمان النمو لمجتمع ما وتنميته المستدامة، وتحقيق العدالة والرفاهية الاجتماعية.
واكدت أن تصحيح الخلل البنيوي يعتمد على القدرة الإبداعية للقيادات التخطيطية والتنفيذية في إيجاد الصيغ الملائمة في تعبئة عناصر التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية وتفعيلها في كل بلد.
كما اكدت التجارب الإنسانية ان مدى تمثيل وكفاءة الرقم القياسي للحرية الاقتصادية ومكوناته يعتمد على دقة المعلومات وصيغ معالجتها، ومدى تمثيلها للظاهرة التي يراد قياسها، ومعرفة درجة ارتباطها وتأثيرها على متغيرات أخرى مرتبطة بها، فالحرية الاقتصادية نتاج عمليات تفاعل إنساني ومادي معقّدين يقضي تحققها توافر شروط مسبقة، أهمها القضاء على الجوع والفقر والمرض والبطالة.
ويرتبط بالحرية الاقتصادية الحريات التالية:
– التحرر من التدخل الحكومي: أي التحرر من التدخل الحكومي، الذي يتجلى في حجم النصيب الحكومي ، وحجم الإنفاق العام، والدعم النقدي والعيني.
– حرية التمتع بضمان حقوق الملكية الخاصة: اي الحرية الاقتصادية بالبنية القانونية لحقوق الملكية الخاصة، وضمان تلك الحقوق ونعني بذلك في الأساس الضمان من أن تصادرها أطراف خاصة، كما تتعلق بعض جوانب هذا النوع من الحرية أيضًا بالضمان من أن تصادرها الدولة، اذ كلما تقلص حجم النصيب الحكومي، زاد التحرر من التدخل الحكومي.
– حرية النفاذ إلى النقد الحقيقي: التي تتعلق بنفاذ الأفراد والشركات والهيئات الاقتصادية إلى النقد الحقيقي. ويقاس هذا النوع من الحرية بمؤشرات الاستقلال النقدي في البلاد.
– حرية التبادل الدولي: اي حرية التبادلات الدولية، مع فاعلين اقتصاديين خارج البلاد، ويقيَّم هذا النوع من الحرية الاقتصادية بحجم المعوقات الجمركية وغير الجمركية أمام التجارة.
– حرية المعاملات: هو ذلك النوع المتعلق بالتحرر من القواعد الحكومية الخاصة بالمعاملات في ثلاث أسواق، وهي: سوق رأس المال المالي، وسوق العمل، وسوق المنتجات، أي القواعد العامة لممارسة الأعمال، ومن شأن الحرية الاقتصادية في سوق رأس المال المالي أن تزيد الحرية في عمليات الوساطة المالية.
الفرق بين الحرية الاقتصادية وسيادة القانون
تؤثر الحرية الاقتصادية في النمو الاقتصادي بطريقين: طريق مباشر، يتمثل بخلق المحفزات لزيادة الإنتاجية، من خلال زيادة كفاءة التعامل مع تكنولوجيات معينة، أو التقدم التكنولوجي, وطريق غير مباشر، يتمثل بزيادة الاستثمارات.
ويعد الافتقار لحماية شاملة لحقوق الملكيات الخاصة والحقوق التعاقدية قيدًا حقيقيًّا على الحرية الاقتصادية، مما يفضي إلى إعاقة الاستثمار والتجارة أو تثبيطهما.
وعلى هذا النحو، فإن سيادة القانون، وحماية حقوق الملكية الخاصة، والحقوق التعاقدية، تمثل شرطًا أوليًّا للنمو الاقتصادي والإنتاجية العالية اللذين يقودهما الاستثمار الخاص. ويكمل هذا الشرط الأولي التوفير المناسب للسلع والخدمات العامة، من حيث نوعيتها وكميتها، وفاعلية توفيرها.
العراق والحرية الاقتصادية
اخرج مؤشر الحريات الاقتصادية العراق من تصنيفه لعام 2017؛ لاسباب عديدة منها: قضايا الفساد، الذي يشكل الفساد افة تصيب الحكومات بالهلاك ، وتوقف حركة النمو والرخاء والازدهار والتقدم في الحكومات والمجتمع، ونقصد الفساد السياسي بالدرجة الاولى، ثم الفساد الاقتصادي، وغياب القانون، او العجز في اليات العمل، وزاد الفساد بأنواعه في العراق بشكل خاص ان المؤسسات بعد عام 2003 اصبحت ملزمة بالتوازن الطائفي ، الذي سبب الشلل لكل اليات التعامل الاقتصادي السليم.
ويعد الهدر للثروة الوطنية اعظم انواع الفساد ، وفي ضوء ذلك نرى الانعكاسات السلبية التي اثرت وبشكل مباشر على مسارات التنمية والحياة الاقتصادية للبلد كافة .
ونستنتج مما سبق ان العراق الذي يعاني عدم الاستقرار السياسي ، لا يمكنه للتخطيط للاقتصاد التنموي، مهما بلغ من الدقة والشفافية والموضوعية وسيحكم على كل خططه الاقتصادية بالفشل.
لماذا لا يأخذ العراق دوره الحقيقي :
وبإيجاز كان لانتشار التخلف الحضري في العراق، وما تعرض له من تحطيم للبنى التحتية والاجتماعية والسياسية والفكرية وهيكلية المجتمع العراقي ككل ، دور بارز في عدم وضح الحلول للمشاكل التي يعانيها البلد، والتي تتراكم مع الايام، في ظل عدم الجدية المطلوبة الحقيقية ، من السياسيين وقادة التغيير في المعالجة، بالإضافة الى ان الكثير منهم ليس لديه معرفة بالحلول و المنهجية العلمية الصحيحة لمعالجة المشاكل السياسية والاقتصادية الاجتماعية وحتى الخارجية منها، ولا توجد نية اكيدة في الاستعانة بالخبرة العالمية ، كون ذلك يعتبر تحديا للخبرات الشخصية ، وتبذيرا بالأموال .
ومن اسباب الفساد في العراق:
تمتع بعض المسؤولون الحكوميون بحرية واسعة في التصرف بإمكانات العراق وبقليل من الخضوع للمساءلة مستغلين مناصبهم ، وجمود الكثير من القوانين التي اصبحت غير منسجمة مع الوضع الجديد للبلد لتشريع القوانين التي تخدم مصالحهم .
وزاد من الفساد في العراق غياب السلطة المركزية ، عن التشريع و اصدار القوانين ووضع سياسات تمنع بواسطتها تحقيق مكاسب مباشرة لبعض المسؤولين في الجهاز الحكومي، و ضعف او فقدان دور مؤسسات المجتمع المدني مما يؤدي الى تفشي ظاهرة الفساد، بالإضافة الى ضعف اخلاقيات العمل الوظيفي والتغاضي عن محاسبة كبار المسؤولين وسوء استخدام السلطة، مما انعكس سلبا على الاقتصاد العراقي واضعافه .
ويؤثر ضعف النمو الاقتصادي ، على استقرار الاستثمار وجذبه، وتوفير المناخ الملائم له، ويزيد من كلفة المشاريع ، ويضعف جودة البنية الاساسية والخدمات العامة، وتزايد اعداد ذوي النفوس الضعيفة للسعي وراء الربح .
ويؤثر الفساد على طبيعة الانفاق اذ ان المسؤول الفاسد يلجأ الى الانفاق على البنود التي يسهل الحصول من خلالها على رشاوى كبيرة ، مما يؤدي الى اضعاف دور الدولة وحدوث اضطرابات وعدم استقرار ، والتشكيك بفاعلية القانون والثقة والامانة وتهديد المصلحة العامة .
ان سيادة القانون والتخطيط الاقتصادي الصحيح يساهمان في النمو الاقتصادي؛ وخلق الإبداع وزيادة الإنتاجية من خلال التنافس في السوق، ونظرًا للتقدم التكنولوجي الذي يحدثه التنافس والحرية الاقتصادية، يتعين على المؤسسات الاقتصادية أن تحافظ على درجة من المرونة تمكنها من التكيف المستمر مع الجديد من احتياجات التكنولوجيا والأعمال وزيادة الاستثمار.
شذى خليل
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والراسات الاستراتيجية